قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أنا أعربكم، أنا قرشي، واسترضعت في بني سعد بن بكر، حفظ الله نبيه منذ كان في الأصلاب، انطلق والده عبدالله مع أبيه عبدالمطلب ليزوجه آمنة، فمر وهو في الطريق بامرأة رأت في وجه عبدالله نوراً وإشراقاً ووضاءة وصباحة، فقالت له: يا فتى هل لك أن تقع علي الآن وأعطيك مئة من الإبل؟ فقال عبدالله: أما الحرام فالممات دونه والحل لا حل فاستبينه فكيف بالأمر الذي تبغينه؟ يحمي الكريم عرضه ودينه ثم قال لها أنا مع أبي عبدالمطلب، ولا اقدر أن أفارقه، ومضى مع والده وتزوج السيدة آمنة وأقام عندها ثلاثاً ثم انصرف. ويروى انه مر بتلك المرأة فدعته نفسه إلى ما دعته إليه فقال لها: هل لك في ما كنت أردت؟ فقالت: يا فتى، اني والله ما أنا بصاحبة ريبة، ولكن رأيت في وجهك نوراً فأردت أن يكون في، فأبى الله إلا أن يجعله حيث أراد. يقول ابن كثير: ان هذه الصيانة لعبدالله بن عبدالمطلب ليست له وانما هي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فانه كما قال تعالى الله اعلم حيث يجعل رسالته وفي الحديث المروي عنه: ولدت من نكاح لا من سفاح - البداية والنهاية - وذاق اليتم صلى الله عليه وسلم منذ الطفولة، فقد توفي والده عبدالله وهو في بطن أمه، حيث سافر في عير لقريش ونزل بالمدينة وهو مريض، فأقام بها حتى توفي ودفن هناك. ولما حملت آمنة بالمصطفى صلى الله عليه وسلم أتاها آت، فقال لها: انك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع على الأرض فقولي: أعيذه بالواحد من شر كل حاسد، ثم سميه محمداً. ورأت آمنة حين حملت به انه خرج منها نور رأت به قصور بصرى من ارض الشام. وجاءت البشارة للأرض، واطل خير البشرية يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل، وأرسلت أمه إلى جده عبدالمطلب انه قد ولد لك غلام فآته فانظر إليه، فأتى عبدالمطلب للوليد المبارك وشاهد افضل طفل عرفته البشرية، وحدثته آمنة بما رأت وما قيل لها فيه، وما أمرت به أن تسميه. واخذ عبدالمطلب رسول الله فدخل به الكعبة، وقام يدعو الله ويشكره على ما أعطاه، ثم عاد به إلى أمه فدفعه إليها وهو يقول: الحمد لله الذي أعطاني هذا الغلام الطيب الأردان قد ساد في المهد على الغلمان أعيذه بالبيت ذي الأركان وكان أهل مكة يلتمسون لأطفالهم الرضاعة في البادية، ولهذا ظلت آمنة تفكر في المرضعة، وتبحث عن الحاضنة لطفلها المبارك ووحيدها الزكي صلى الله عليه وسلم. وقدمت حليمة ابنة أبي ذؤيب السعدية إلى مكة تبحث عن طفل تأخذ اجر رضاعته، وأكرمها الله بخير البشرية عليه الصلاة والسلام. فقد حدثت أنها خرجت من بلدها ومعها زوجها الحارث بن عبد عزى بن رفاعة وابن لها ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر تلتمس الرضعاء. قالت حليمة: كان خروجنا في سنة شهباء لم تبق لنا شيئاً، فخرجت على أتان لي قمراء، معنا شارف لنا، والله ما تبض بقطرة، وما ننام ليلنا اجمع من بكاء صبينا من الجوع، وما في ثديي ما يغنيه، وما في شارفنا ما يغذيه، ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتاني تلك فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفاً وعجفاً، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله فتأباه إذا قيل لها انه يتيم، وذلك لأننا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول: يتيم! وما عسى أن تصنع أمه وجده؟ فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعاً غيري، فلما اجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: والله اني لأكره أن ارجع من بين صواحبي ولم اخذ رضيعاً، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه. قال: لا عليك أن تفعلي، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة. قالت حليمة: فذهبت إليه فأخذته، وما حملني على أخذه إلا اني لم أجد غيره، قالت: فلما أخذته رجعت به إلى رحلي، فلما وضعته في حجري اقبل عليه ثديي بما شاء من لبن فشرب حتى روي، وشرب معه أخوه حتى روي ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجي إلى شارفنا تلك فإذا أنها لحافل، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا رياً وشبعاً، فبتنا بخير ليلة. قالت حليمة: يقول صاحبي حين أصبحنا: تعلمي، والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة، فقلت: والله اني لأرجو ذلك. ثم خرجنا وركبت أنا أتاني وحملته عليها معي، فوالله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شيء من حمرهم، حتى إن صواحبي ليقلن لي: يا ابنة أبي ذؤيب، ويحك! اربعي علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن: بلى والله إنها لهي، فيقلن: والله إن لها لشأناً. ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما اعلم أرضاً من ارض الله اجدب منها، فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شباعاً لباناً، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن ولا يجدها غفي ضرع، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم! اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعاً ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمي شباعاً لبناً، فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شباباً لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاماً جفراً. فقدمنا به على أمه ونحن احرص شيء على مكثه فينا، لما كنا نرى من بركته، فكلمنا أمه وقلت لها: لو تركت بني عندي حتى يغلظ فاني أخشى عليه وباء مكة، فلم نزل بها حتى ردته معنا. هذه ملامح من طفولة المصطفى صلى الله عليه وسلم والتي نرى من خلالها العناية الإلهية بسيد البشر منذ كان في الأصلاب، جعلنا الله من اتباعه ورزقنا شفاعته يوم نلقاه.