يستمر الفنان التشكيلي فيصل سمرة في كشوفه الجمالية، لإعادة تمثيل دفقاته الوجدانية والتعبير عن أفكاره وتصوراته في لوحات تشبه دراما الحياة، مكتنزة بهواجس الكائن وبحثه الأزلي عن الحقيقة بين ركام الأوهام، وأيضاً تحقق رغبة الفنان في تأكيد فاعلية وجوده وممارسة حريته وتمرده على القوالب التي تفرض عليه الانشغال بالمحاكاة والتشخيص. كل هذا يجعله يسعى إلى تجسيد أحلامه ورؤيته الخاصة في فضاء اللوحة انبثاقات لونية متفجرة، تمتزج فيها إشراقة العناصر المقاومة للصدأ والنسيان مع كثافة الألوان الداكنة المائلة للعتمة، هذا التضاد يمنح العمل الفني طاقات تعبيرية تحاور حواس المتلقي وتحرر الأشكال من صمتها وسكونها. يصف فيصل سمرة مفهومه للعمل الفني، في حواراته الصحافية، قائلاً: العمل الفني بالنسبة لي، كان دائماً ومازال سبباً من أسباب الحياة، وامتداداً لها في الزمن المطلق. إذاً فإن هذا الفعل"الحياتي"متمدد على ذاكرة بصرية، حسية وذهنية مركبة ومعقدة جداً، بمنزلة نسيج يحتويني وأحتويه، في الوقت نفسه أنتخب منه ما يلزم عند تنفيذ العمل بحسب الضرورة الداخلية لي وللعمل الفني". ويقول:"هناك مفهوم أساسي متجذّر في عملي منذ أن بدأت، بوعي في الإنتاج الفني، وهذا المفهوم بكل تبسيط هو التوحد بصدق، ومن دون مباشرة مجانية مع العمل الفني المنتج، لكي يأتي مكثفاً ومختزلاً للوجود الإنساني في زمانه ومكانه. وهدف الفن، من وجهة نظري، هو إظهار الحقيقة وتعرية الواقع من دون محاباة أو مكياج للتضليل. لذلك فإن الوسائل التي استخدمها يفرضها العمل وليس العكس". اللوحة لدى فيصل سمرة تصبح اقتراحاً تجريبياً لمرئيات يحب استعادتها كمرايا لا تكف عن طرح الأسئلة، لعله يستطيع اختزال وقائع وحكايات وتجارب تطفو على سطح الذاكرة، ومعالجتها بحذر كي تأخذ مكانها علامات لموجودات في طريقها للتكوين والصراخ، وفي الوقت نفسه ترميزات خرساء لبلاغة الفعل الفني في مواجهة قسوة الواقع. من هنا تبدأ المغامرة"للبحث عن منطق بصري جمالي مختلف في كل مجموعة أقوم بتنفيذها مع الاحتفاظ بوحدة التجانس الداخلي في جميع هذه الأعمال الفنية، من هنا يأتي التحدي في إنتاج العمل الفني، أن يكون لدينا الشجاعة الإبداعية دائماً بعدم الاستسلام لأي إنجاز فني بتحويله إلى أسلوب شكلي يكرر نفسه، بل تفكيكه أو حتى هدمه وإعادة صياغته، والإضافة عليه لكي يتفاعل مع عصره في الزمان والمكان". ويضيف أيضاً:"في كل مكان أذهب إليه من بقاع الدنيا، لا أهدأ في أية مدينة أزورها حتى أكتشف قاعها، ولأن همومنا العربية الكبيرة تقريباً واحدة، أضف إليها هموم الإنسانية الكبرى، عندها يصبح الحمل ثقيلاً جداً على أي صاحب وسيلة إبداعية تتعامل مع الآخر في أي زمان ومكان، وبالتالي فإني أتفاعل مع ما سبق بتلقائية إنسانية أولاً، ثم بتحليلية تفكيكية، ثانياً، واستنباطية استدلالية ثالثاً، لتأتي المرحلة الأخيرة، التي قد تطول، وهي صياغة العمل الفني، التي تتطلب كثيراً من الحسابات الذهنية لدراسة منطق الشكل العام للعمل بصرف النظر عن وسائله المستخدمة في تنفيذه وضبط ذلك مع مضمون العمل ليتحد ذلك كله في مفهوم واحد لا يمكن فصله، حتى ننتج ما يسمى"عملاً فنياً مفاهيمياً". ولكن هناك وسائل تؤثر فيّ أكثر من غيرها بحسب الزمان والمكان، وهما متغيران متحولان، وعليه فإن عملي لابد أن يتغير ويتحول في الوسيلة والهيئة، بمعنى أن الوسائل المعاصرة لزمن ومكان معين، خصوصاً إذا دخلت في نسيج حياتنا اليومية، تدعوني لأن أصنع لها امتداداً في العمل الفني مغايراً أو محرفاً عن وظائفها التقليدية في حياتنا المعيشة كاستخدام الشبك المعدني، المستخدم في البناء والسياج، مساحيق الألوان المستخدمة أساساً في تلوين وصباغة الأقمشة والدباغة، الحناء لتزيين أيدي وأرجل النساء في الشرق بجانب استعمالاتها الحياتية الأخرى، حتى وصلت حالياً إلى التصوير الرقمي والحاسب الإلكتروني، لما لها من تأثير خطر في زمننا المعاصر، على قراءتنا واستيعابنا للصورة الإلكترونية مثل التلفزيون، السينما، الهواتف النقالة، الكومبيوتر، المطبوعات الدعائية في المدن... إلخ التي تستعمر مساحة شاسعة من حقل مجالنا البصري، وبالتالي الذهني السلوكي، من دون أن ندرك بشكل واعٍ، في نسبة كبيرة من العامة، وثانياً التأثير العميق لذلك في شخصيتنا وطباعنا وحتى ضمائرنا". فيصل سمرة لا يهتم كثيراً بالتصنيفات، ويركز دائماً على الوصول بالعمل الفني إلى الحد الأقصى باستخدام الحد الأدنى، من الوسائل، كما يصف طريقته في بناء اللوحة، يظهر ذلك جلياً في عمله الفائز بالمركز الأول ضمن مسابقة السفير التشكيلية فئة معاصر، الفن المعاصر الذي يصفه ريجيس دوبري بالرغبة في ولوج الأشياء بدلاً من إعادة عرضها، في زرع الإشارة في قلب الأيقونة. كما أن لصق أي مقطع من الواقع الخام ? سواء أكان علبة سجائر أم صحيفة أم قطعة ستار شفاف- على صورة، يبدو كوضع حفنة حلم في خطاب ما. يحلم الفنانون بالمطابقة بين الشيء وعلامته، والصهر بين الأرض والخريطة، وبين المتفرج والفرجة، وبين المنظر الطبيعي واللوحة، الشيء الموجود سلفاً والموضوع الفني.