اتجاه الفنان للتفرّد مسألة تمليها الضرورة وليس الرغبة، فهو في الواقع يمتلك تمردا كامنا في ذاته المبدعة، هو جوهر رؤيته وفكرته الفنية، فالفنان الذي يقدم نفسه دون تمرد على السائد من الأنماط الفنية في حيزه البصري ليس مبدعا حقيقيا، ويبقى في أفضل أحواله مقلدا أو استلابيا مماهيا في المشهد الفني، ولذلك عندما يسيطر التمرّد على الفنان فإنه يمنحه طاقة وأفقا فنيا يتسع كلما تحرّك بفكرته الفنية باتجاه الروح الإنسانية وتطلعها لأعمال تعبّر عنها بحرفية تخرج على الثابت الفني وتحطمه لتنتج وتنجز ثورة تشتعل إبداعا فتضيء للمتلقي مساحات كبيرة من القراءات الجديدة في الحياة من حوله. ذلك ما يمكن أن نلمسه في تجربة الفنان السعودي فيصل سمرة الذي لا يهدأ في حضوره وغيابه، إذ إنه لم يجعل من هذين الاصطلاحين متضادين متوازيين بقدر ما خلق صلة عميقة بينهما بمثابة تفاعل كيميائي ينتهي إلى تماس في المعنى، فهو أضاف إلى الرؤية الفنية قيمة عميقة خذلت كثيرا من المبدعين وهي البحث الفني، وذلك ما جعل لصورة سمرة دلالات وإشارات تخاطب الوجدان البصري بمفهوم مرن يمكن أن يخضع لكل الأقيسة الفنية في مرتبتها العليا، لأننا في الحقيقة يمكن أن نجد أنفسنا مع منجزه في حالة احتكاك نشطة مع إنصافه كفنان يرى أن رحلتنا مع الصورة في زمننا المعاصر وصلت إلى علاقة بالغة التعقيد، تؤثر فينا، بوعي ودون وعي حتى في أحلامنا. ويقظة سمرة تداع تلقائي لتفاعله مع الرؤية الفنية للصورة المعاصرة والعمل على إخراجها من نمطها وإطارها الكلاسيكي، فكأنما هو يعمل على تقديم كولاج يستوعب خطورتها الراهنة، ذلك ما يراه باختزال لفكرته المفاهيمية عنها: «الصورة في الزمن المعاصر، ببساطة شديدة، أصبحت خطيرة جدا، لأن حقلنا البصري والذهني مُطارَد من جانب ‹منتجي الصورة› على اختلاف مشاربهم، فمن أجل إغوائنا والاستحواذ على انتباهنا صنع هؤلاء المنتجون صورة لواقع مُحرَّف تخدم، فقط، أهدافهم»، وهو بهذه الرؤية يؤكد تفاعله مع الحقل البصري المشدود من قِبل طفيليي الإبداع، فالمنتجون يضخون صورا دعائية وسياسية تخصم من القيمة الإبداعية للصورة وتشوهها من أجل تحقيق أهداف نفعية تخلق الثورة في وجدانه وتشعل جذوة التمرد ليعلن العصيان والرفض، فهو بذلك فنان تتكامل لديه الرسالة الفنية بصورة براجماتية تؤهله لإنجاز أعمال تتسامى على طفح منتجي الصور. ولطالما كان التمرد والبحث ثنائيا لتجربة سمرة الفنية ومعالجاته المنصفة لبراءة الفطرة والذائقة الإنسانية التي عبث بها الزمن والآخرون، وذلك ما يجعله في وضع صدامي مستمر مع منتجي الصور وحتى الإعلام الذي أساء للصورة الفنية ووظّفها بصورة رديئة طغت فيها النفعية الرخيصة على القيمة الفنية السامية، لأن تأطير هذه الصورة وخداع المتلقي وتزييف ذائقته ليس سلوكا فنيا يحترمه ويقدم له صورة تمتعه بقراءة راقية لمضمونها، ولذلك أيضا تطور سمرة في أدواته البصرية ورسالته الفنية من خلال استخدامه ثلاث تقنيات رقمية هي التصوير الفوتوجرافي والكومبيوتر والفيديو، ليقدم صورة تعالج أبعادا فكرية معقدة يختزلها في لغة خاصة وجديدة لا يجد المتلقي صعوبة في إدراكها واستيعاب ما يريد أن يوصله له هذا الفنان. وكما اتسع سمرة برؤيته الإبداعية وفكرته البصرية وصورته الفنية، فإنه ظل متمتعا بتمرده وبحثه الدؤوب عن القوالب والأنماط التي تجعله متمايزا ومتفردا في إبداعه ومصادما شرسا لمنتجي الصور، وهو متمكن وواسع الحيلة الفنية في تعاطيه مع المادة الخام، فقدّم أيقونات الطين، والمعلّقات التي امتاز بها حد التفوق على نفسه وأصبحت قيمته الأكثر حضورا وبروزا في تجربته الفنية من خلال استخدام القماش كخامة متاحة جعلها نوعية بتقطيعها بأشكال حرة وتعليقها من جهة واحدة إلى أعلى الجدار أو الفراغ، ثم أضاف إلى تجربته مزيدا من الجرعات الحداثية باستخدام الفيديو والإنشاء التركيبي، ليؤكد هويته الفنية التي تلغي الحدود بين اللوحة والمجسم الفراغي وتمنحه خصوصيته الذاتية وتقدمه كفنان متمرد بامتياز وباحث عميق في رؤية فنية تعيد للصورة دورها الفني وجمالياتها التي حطّمها منتجو الصور .