أن يكون التشكيلي حكّاء فذلك من ضروريات تكامل منهجه وخطابه البصري، فالحكي يقترب من الثقافة المحلية السائدة ويستمد منها الأفق الفني المضيء بمتغيرات الواقع والتعبير عنه رسما يوازي اللغة المكتوبة وقد يفوقها جمالا من خلال كثير من المعاني الكامنة في أحشاء اللوحة، وذلك ما يجعلنا نقف بانبهار عند تجربة التشكيلي السعودي الرائد عبدالرحمن السليمان، فهو من أقرب النماذج التشكيلية السعودية ثراء فنيا بمكنون البيئة المحلية، ما يجعله ترجمانا بصريا عاصر كثيرا من التحولات الثقافية والاجتماعية ليصبح شاهد عصر فنانا ومؤرخا لحياة مجتمع كامل عبر إنتاجه التشكيلي الذي رسم وكتب التاريخ المحلي. والمسألة الحكائية بالنسبة إلى الفنان ذات قيمة إبداعية كبيرة، ومن الصعب تجريده منها، فما دمنا نتناول تجربة فنية فذلك يعني استيعابها لكل عناصرها البدهية والعميقة على السواء في تحديد القيمة الإبداعية للأعمال الفنية وفنانها الذي أبدعها، والسليمان بوصفه أبدع تجربة ناضجة وعميقة الدلالات التي لم يتم اكتشافها حتى اليوم، فهو جعل من اللوحة حكاية مكان وزمان، وكل خطوط الريشة لديه وحركتها في اللوحة تعبر عن شيء ما يترك لإدراك المتلقي، ومن الجمال والجميل أن يجد ذلك المتلقي نفسه في حوارية صامتة مع اللوحة التي يطالعها، فذلك يمنحه طاقة في اللاشعور بقيمته على التعاطي مع منجز فني، حتى وإن لم ينته الحوار إلى نقطة نهاية يستوعب فيها مقاصد واتجاهات الفنان، وذلك ما ينبغي أن تفعله اللوحة في عقل ونفس المتلقي. الحكائية التي تنبثق من عميق اللوحة التشكيلية للسليمان، تمثل وضعا مفاهيميا نموذجيا في خلق حوارية مركبة بين الفنان من جهة، واللوحة من جهة أخرى، والفنان والمتلقي، والمتلقي واللوحة، واللوحة والزمن، والزمن والمكان، والمتلقي من جهة وكل ما سبق من جهة أخرى، وتلك هي جذور الحكاية التي تبدأها لوحة السليمان، فنحن مطالبون بالنظر إلى أعمق مما هو في سطح النص البصري للوحة، نحتاج إلى العمق لاكتشاف تفاصيل الحكاية، وحينها تمنحنا لوحته كل القيم الجمالية المتناسخة تلقائيا من قراءتها أو مشاهدتها أو رؤيتها. سيناريو اللوحة التشكيلية تفاصيل الحكاية التشكيلية هي ما ينبغي أن يثير الانتباه أولا ثم الاهتمام ثانيا، فاللوحة التشكيلية على النسق الفني للسليمان، بمثابة صورة وصفية متشابكة الدلالات؛ لأن خطابها الفني قائم على السرد البصري، فالمعالجات اللونية يقظة ومتناغمة مع الموضوع الفني بحيث يقدم عملا متكاملا يسرد فيه وقائع لغوية برسمة فنية تتوازى مع الرواية المكتوبة بوصفها تأريخا للحياة اليومية، وهكذا فعل السليمان وقدم نموذجه الفني غير المكتشف حاليا، ولكن تتألق قيمته كلؤلؤة ثمينة في أعماق الخليج العربي بانتظار من يلتقطها. كل لوحات السليمان تصطف لتقدم قيما تشكيلية تنتهي إلى خطاب فني يتميز في التعبير عن البيئة المحلية برؤية لا تقف عند انعكاسات المشهد الذي يسكن مخيلته، فهو يصنع ويصوغ موقفه الفني عبر اللوحة من خلال تلك الحكاية التي يكتبها رسمة ويشذبها لونا رشيقا يسد أي ثغرات يفترضها في خطابه الفني. ولعل من يتتبع مساره الفني يجد أنه ينتقل بمفاهيمه من لوحة إلى أخرى، دون أن يقف عند موقف معين يحبس فيه تجربته وأنفاسها، وتلك قيمة إضافية تجعله يحكي لنا حكايات الماضي والزمن الفني الراهن دون أن تحدثه نفسه بالتوقف أو يعترينا شيء من ملل اللوحة المرسومة أو اللون الذي يقدم نفسه ببصمة السليمان التشكيلية، لتصبح للحكاية في تجربته الفنية مذاقا إبداعيا يتفرد عن غيره، فالحكاية التشكيلية نموذج فني لا يستطيعه أو يطيقه كل مبدع، وذلك ما يجعل أعمال السليمان أكثر وعيا وإبداعا على مر الزمن.