لو فكر شاب في معاكسة رفيف أو هيفاء، فلن تتواريا خجلاً، أو تردان عليه بكلمات رادعة، لأن الأولى ربما تلجأ إلى استعراض مهاراتها في ال"كاراتيه"والثانية لن تتردد في توجيه ضربات ال"تايكوندو". فالفتاتان السعوديتان تعيشان في مدينتين مختلفتين الخبر والرياض، ولا تربط بينهما أي علاقة، سوى أنهما نموذجان لفتيات سعوديات، قررن أن يتعلمن فنون الدفاع عن النفس. واختارت رفيف منذ طفولتها أن تتعلم الكاراتيه، حتى حصلت على الحزام الأخضر، وهي تواصل تدريباتها على أمل الحصول على الحزام الأسود، الذي سبقتها هيفاء في الحصول عليه. تبلغ رفيف من العمر 31 عاماً. وتقول:"بدأت علاقتي ب"الكاراتيه"منذ أن كنت على مقاعد الدراسة الثانوية في الخبر. حيث كنت أمارس التدريبات في أطر ضيقة، وداخل حدود المنزل، قبل أن يتبلور حلمي ويصبح حقيقة بعد أن أرسلني والدي لمواصلة دراستي الجامعية في جامعة مانشستر في المملكة المتحدة". هناك التحقت بنادي الجامعة، وانخرطت في التدريب طيلة فترة الدراسة، حتى أكملت دراستها وحصلت على بكالوريوس هندسة تصميم صناعي. ثم حزمت أمتعتها وعادت إلى المملكة. بيد أن انقطاعها عن التدريبات، التي مارستها خلال سنوات الدراسة في الخارج سبب لها الكثير من الآلام في المفاصل والرقبة. ما حتم عليها العودة إلى التدريبات، فما كان من ذويها إلا أن خصصوا لها صالة المنزل، لتكون مكاناً لمزاولة التدريبات الرياضية، ما أسهم وزاد من إصرارها في الحصول على الحزام الأسود، والرخصة الدولية في الكاراتيه. أما هيفاء 18 عاماً فتعلمت ألعاب الدفاع عن النفس مع أشقائها، منذ أن كانوا صغاراً. وتقول"كان يدربنا مدرب كوري، خبير في رياضة التايكوندو، وكان والداي يصران على تعلمنا هذه اللعبة، لأسباب عدة، منها سفرنا حول العالم، لكون والدي دبلوماسياً، واستقرارنا في أميركا لفترة طويلة من الزمن. وكلما كبرت فهمت معنى هذه الألعاب. وزادت ثقتي في نفسي، وأصبحت قادرة على الدفاع عن نفسي في أي مكان". وبخلاف رفيف، لم تنقطع هيفاء عن ألعاب الدفاع عن النفس، عند عودتها للمملكة، بل بحثت عن أفضل المدربين السعوديين، وواصلت تدريباتها مع أشقائها في فناء منزلهم، حتى حصلت على الحزام الأسود في التايكوندو. ولكن ما الذي دفع الفتاتين إلى تعلم الكاراتيه والتايكوندو؟ يجيب والد هيفاء"كنت أعمل في نيويورك، وهي خطرة، لذا أصررت على أن يتعلم أبنائي التايكوندو وقتال الشوارع، حتى يصبحوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم ضد أي اعتداء". وترى ابنته هيفاء أن هذه الرياضة"ضرورية جداً لكل إنسان، فهي تزوده بالثقة في النفس، وتحافظ على مستوى لياقته البدنية، وتمكنه من استخدام القدمين واليدين في القتال". وتؤكد أنها في المملكة لا تحتاج إلى ذلك كثيراً،"إن هذه البلاد بلاد أمن وأمان، بخلاف البلدان الأجنبية، لذا يكون الإقبال على هذه الألعاب قليلاً مقارنة بالدول الأجنبية". أما أهم الأسباب التي دفعت رفيف إلى اختيار اللعبة، فهي"حمايتي لنفسي من نائبات الزمن، التي لا ترحم، إضافة لعشقي الرياضة في شكل عام، ودورها في الصحة العامة للإنسان". ولم تواجه عقبات أو عراقيل في مواصلة طموحاتها الرياضية، لأنها تنتمي لأسرة تشجعها على التفوق في هذا المجال، ضمن ضوابط معينة، مستمدة من تعاليم الدين والعادات والتقاليد العربية". وكذلك الأمر مع هيفاء، التي أشارت إلى أنها تجد استغراباً من كثير من صديقاتها "حبي لهذه اللعبة، وهن يزعجنني دائماً بالقول إنها للرجال فقط، وأنا استنكر ذلك، حتى وفقت في إقناعهن". وبدأت في تعليم صديقاتها كيفية الدفاع عن أنفسهن، وكيفية استخدام اليد في الضرب، والتخلص من المسكات، حتى لو كانت محكمة، على رغم تعذر بعضهن بأنهن"ناعمات". فيما تتولى رفيف حالياً تدريب عدد من الأطفال في صالتها الصغيرة"لمست إقبالاً جيداً من الأسر، لتعليم أبنائهم من الجنسين هذه اللعبة الممتعة". كما لم تكتف بما وصلت إليه، بل تتلقى تدريبات على يد مدربة فلبينية، استقدمها ذووها، بعد سلسلة طويلة من تجارب النصب والاحتيال وقعوا فيها، من نساء ادّعين مهارتهن في ألعاب الدفاع عن النفس، واتضح العكس، إذ كان هدفهن مادياً بحتاً. وذكرت رفيف أن عدداً من الفتيات في المنطقة الشرقية ينظمن دورات في كرتي الطائرة والسلة، داخل صالات منزلية مغلقة تماماً. وتمنت أن تصدق الشائعات التي تتحدث عن إنشاء صالات رياضية نسائية في أحد الأندية الرياضية. وتقول:"آمل أن تكون متنفساً للبنات الباحثات عن الصحة والرشاقة، فهي خيار أفضل من الذهاب إلى المستشفيات الخاصة، وممارسة التدريبات في غرف العلاج الطبيعي". وإضافة إلى حلم الحصول على الحزام الأسود في الكاراتيه. تحلم رفيف بافتتاح صالة رياضية نسائية في المنطقة الشرقية". أما ريناد، وهي إحدى صديقات هيفاء، فتعلمت القليل من ألعاب الدفاع عن النفس، ولكنها لم تستمر"لعدم وجود صالة نسائية متخصصة في هذه الألعاب". وتقول:"الصالات الموجودة ليست سوى للبدينات الراغبات في تخفيف أوزانهن الزائدة، لذا اقتصرت هذه اللعبة على الرجال". وعند مشاهدة ريناد أفلاماً أجنبية تتحمس لفكرة العودة للتدريبات"لما لها من الفوائد، وزيادة الثقة في النفس، فأنا أمارس رياضة الجري بجانب السباحة وبعض الحركات الخفيفة في استخدام القدم في الركلات، حتى أصبح مهيأة للدفاع عن نفسي. وتضيف"هي رياضة أولاً وتخدمنا خارج البلاد كثيراً، خصوصاً من اللصوص، صحيح انني عادة لا أسافر خارج المملكة إلا برفقة العائلة، ولكن في بعض الأحيان أذهب إلى السينما، فينتابني الخوف، بيد أن ثقتي في نفسي جيدة، وأحاول أن أكون على أهبة الاستعداد لأي موقف أتعرض له، وأحاول ألا أبقى ساعات طويلة خارج الفندق". حقوقية تشجع المتدربات وتتوقع تفوقهن أيدت الحقوقية تغريد الشابات اللواتي يتعلمن رياضات الدفاع عن النفس. وقالت:"إن كثيراً من النساء في المملكة يتعرضن للمعاكسات والمضايقات أثناء ممارستهن رياضة المشي، خصوصاً الحوامل منهن، اللواتي يمشين بالقرب من أسوار الأماكن العامة، لعدم وجود صالات رياضية نسائية". كما أشارت إلى أن"طموح الرشاقة والصحة حلم يراود غالبية النساء". بيد إنهن يرددن"أن العين بصيرة واليد قصيرة". ولا عجب أن تشير الإحصاءات إلى تنامي ظاهرة السمنة بين النساء السعوديات. وشددت على أن افتتاح الصالات النسائية"سيتيح عدداً من فرص العمل للمرأة، بدل التكدس في المنازل، وعجز بعضهن عن توفير أبسط مستلزماتهن الحياتية". وتساءلت"ما الضير في افتتاح الصالات، واشتراط توافقها مع تعاليم الشرع الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية؟". وأضافت"هناك كثير من السعوديات نافسن، ووصلن إلى مراكز عالمية متقدمة، من دون أن ينتهكن تعاليم الدين والعادات والتقاليد".