- بلا شك الإبداع الأدبي ليس محصوراً في الشعر فقط فهناك القصة والرواية وغير ذلك والشعر الشعبي لا يتعارض مع الإبداع أياً كان، بل الكثير يقرأ ويستمتع بكل الإبداعات لكن أين هم المبدعون؟ هم قلة بعضها لا يسعها الإعلام وبعضها الآخر أخذته العزة بالإثم ورأى أنه المبدع الوحيد ومن ثم انتهى. - لا يعاب على الشاعر الشعبي انتشاره الإعلامي فهذا تقصير من الآخر، ومن يقول إن الشعر الشعبي ذو شعبية محدودة أمام الشعر الحديث - ان صحت تسميته بذلك - فهو يناقض نفسه وما عليه إلا حضور أمسية لشاعر شعبي وأخرى لشاعر متحدث وذلك أكبر دليل. - الشاعر الحديث تقمص شخصية الشاعر الأجنبي لتأثره بأشعاره ومن ثم هو لا يعبر عن نفسه ومجتمعه هو نسخة مكررة من غيره، فأصبح كالغراب الذي أراد تقليد الحمامة فلم يستطع، وكنت أتمنى أن أرى في بلادي من شعرائنا المتحدثين أو المحدثين من يجيد كل الأغراض وكل الأساليب الشعرية. يقول الأديب السوداني البروفيسور عبدالله الطيب الحائز على جائزة الملك فيصل في الأدب العربي: "لا يمكن أن يصبح الشاعر شاعراً حتى يجيد الأوزان والأغراض ومن ثم فليكتب ما يشاء". - وبكل تأكيد أن هناك من شعرائنا الشعبيين من أساء للشعر ولكن هو قبل ذلك بشر وهذه أخلاقياته التي تحسب عليه لا على الآخرين وليس من المعقول أن أعمم نظرتي للشعر بناء على ما رأيته منه، فهذه النظرة تشبه نظرة الإعلام الغربي الذي يرى أن كل السعوديين إرهابيون بعد أحداث 11 سبتمبر على رغم أن الفاعل قلة لا يمثلون المجتمع. - وبالنسبة إلى ما أشار إليه التحقيق من نظرة الشاعر الشعبي إلى المرأة ففي ذلك إجحاف كبير للمرأة هي أم الشاعر وزوجته وأخته ولا يمكن أن يرى أنها مقتنى شخصي له، كما أشار التحقيق إلا إذا كان الشاعر يعاني من عقدة شخصية. انظروا كم عدد الشاعرات الشعبيات وكم عدد نظيراتهن التحديثيات في السعودية؟ ووفقاً لذلك الشاعر المحدث هو من يجحف المرأة. ومع ذلك المجال مفتوح للمرأة المبدعة الواثقة من نفسها وحتى في أيام أجدادنا وجداتنا حصلت المرأة المدركة لحقوقها على مكانتها، ولعل الشاعرة بخوت المرية والشاعرة المرهوصة خير مثال لذلك. وأذكر هنا قصة الفتاة التي رفضت الزواج من رجل طاعن في السن وحاولت رمي نفسها في البئر اجتناباً لذلك إلا أن الله لطف بها، فلما علم بذلك أحد الشعراء رفض الظلم الواقع على تلك المرأة وحث كل الفتيات على جعلها مثالاً لهن: زين سلم للبني قادته سارة... جعل كل البيض تمشي مماشيها جت تخطا العصر للموت زواره... حولت برماح والموت قافيها ومن اطلع على قصيدة النساء للشاعر ناصر القحطاني سيعلم حقيقة انتصار الشعر الشعبي للمرأة ووضعها في مكانها المناسب لها. والحقيقة انه قد أساءني الرسم المصاحب للتحقيق والذي يصور شاعر القلطة على شكل "كبينة" يوضع فيها المال ومن ثم تعمل. القلطة فن راق جداً وله تاريخ طويل وهو من تراثنا الجميل، ويعتمد هذا الفن على أساسيات لا يجيدها أي شاعر منها الذكاء والفطنة وسرعة البديهة. وهذا اللون معروف في العديد من البلاد العربية وإن تغير المسمى، ووحدهم الذين لا يفقهون هذا اللون هم من لا يحبذونه. وشاعر القلطة أصبح الآن يطلب في شكل مستمر وليس من المعقول أن يتنقل بين بلاد الله من دون مقابل ناهيك عن المشقة التي تلحق به وابتعاده من أهله لفترات طويلة ولكن لا تبرير لمن ينتقد أخذ شاعر القلطة مقابلاً إلا الحسد والشعور بالدونية. وحمل لواء هذا الفن الكثير من الشعراء الرائعين واكتفي هنا بضرب خير مثال لذلك هو الأديب الشاعر مطلق الثبيتي - رحمه الله - الحاصل على الماجستير من جامعة مانشستر في التجديد والتقليد في الشعر العربي الحجازي المعاصر، فتجربة هذا الشاعر تنسف الكثير من التجارب المعاصرة، ومن أراد الاستزادة فليطلع على ديوان أندلسيات لشاعرنا الراحل وكذلك ديوان جراح الأمس. محمد بن ناهي اسمحي لي في البدء ان أطرح اعتقادي بأن النماذج التي استشهدت بآرائها ليست مقياساً على الإطلاق في الحكم بأن: الشعر النبطي ضد المجتمع الحديث... إنها تدخل في نطاق النماذج الشاذة قياساً على الأكثرية التي ترى غير ما يراه اولئك الأشخاص، إننا في كل مجال من شؤون الحياة نستطيع ان يجئ بشهادات وآراء تقف في الجانب الضدي تماماً... فهل تكون مقياساً سليماً للمصادرة او الإدانة أو حتى الإيجابية المطلقة طالما انها شرائح قليلة؟ إن هناك الكثير من الآراء تقف في ضدية تامة مع القصيدة الحديثة أياً كان شكلها، ومع ذلك لا نستطيع ان نضعها مقياساً لأن نقول ان القصيدة الحديثة ليس لها جمهور مثلاً... وهذا الأمر ينسحب على امور كثيرة، إني اعرف مثلاً صديقاً يرى ما يراه بعض الأخوة الذين استشهدتِ هنا بآرائهم، وبشكل فيه الكثير من العنف بمصادرة تامة بما يعني ان القصيدة النبيطة هي امر يدخل في نطاق التخلف، لكن هذا الصديق في جانب مواز يستمع الى الأغاني التي تكون مادتها القصيدة النبطية او الشعبية وبطربية تجعله يردد كلماتها وألحانها ! أعتقد أيتها الأخت الكريمة، ان تلك الآراء فيها الكثير من المجانية إذ أنها تكاد تلغي ذائقة شعب بأكمله وتسفهها. محمد صلاح الحربي