اعترف ضيوف ملتقى بن حنش الثقافي كل من الشاعر الدكتور عبدالواحد الزهراني والشاعر ابراهيم الشيخي والشاعر محمد حوقان المالكي بتفرد شعر المحاورة (القلطة) بمساحة اكبر واتساع رقعته وشهرته وتقوقع شعر العرضة في الجنوب مبررين ذلك بالمساحة الضيقة التي نشأ فيها شعر العرضة، إضافة الى ظهور قنوات فضائية مخصصة لشعر المحاورة خدمت شعر المحاورة (القلطة) ومؤكدين تفوقهم على شعراء العرضة واجادتهم للون المحاورة بكل اقتدار، واشاروا الى ان العرضة الجنوبية لا يعرف لها بداية تاريخية الا من مائتي عام مشيرين الى ان بداية الشعر الشعبي في مقدمة ابن خلدون والموشحات الاندلسية وتغريبة بني هلال وتطرق فرسان الملتقى الى ما يتضمنه الشعر الجنوبي من اسرار وصور جمالية. كان ذلك في الملتقى الشهري الذي يقيمه الشيخ عبدالعزيز بن حنش الزهراني بداره العامر بمكةالمكرمة وكان ضيوف الملتقى شعراء الجنوب (الدكتورعبدالواحد الزهراني وابراهيم الشيخي ومحمد حوقان المالكي) الذين سلطوا الضوء على الموروث الشعبي، وادار دفة الحوار غرم الله بن عوض الزهراني الذي بدأ حواره باستهلالية وترحيب بفرسان الملتقى متحدثا عن اهم المحاور التي تضمنها عنوان الملتقى. وتحدث اول ضيوف الملتقى الدكتور عبدالواحد الزهراني وقال ان دعوتنا لان نكون ضيوف هذا الملتقى في هذا المساء هي تأصيل لتراثنا الجميل وتجذر لقيمنا التي تغلغلت في نفوسنا وفي اعماق ذاكرتنا الثقافية والحديث عن الشعر يطول فيندر ان تجد شعبا لا يتعاطى موهبة الشعر وينزلها منزلتها، وقال ان افلاطون في جمهوريته نادى بان يقال للشاعر شكرا ويوضع على رأسه اكليل من الغار ثم يقال له لا نحتاجك في هذه الجمهورية لكنه لم يستطع الغاء دور الشاعر فأتى زمن من الازمان وصادف ان مرض احد الشعراء وأحد الوزراء ففضل الملك ان يزور الشاعر وتلقى اللوم فقال انني استطيع بقرار واحد ان اصنع مائة وزير ولكن الشاعر لا يصنعه الا الله سبحانه وتعالى، وأضاف يبقى للشعر مكانته ويزداد مكانة وأهمية كلما اقترب من الفطرة والشخصية العربية التي يعيش في الانسان اكثر الاوقات منفردا مع نفسه ومع تأملاته ليبوح بكوامنها وما في دواخلها من أسرار، ومضى الزهراني يقول الشعر الشعبي ليس كائنا سرطانيا دخل في جسم الثقافة ولكنه وليد ثقافات متسلسلة متعاقبة وابن شرعي للشعر الفصيح تسلسل حتى وصل الى هذه الصورة التي هو عليها وربما كان يمارس في اثناء وجود الفصيح نفسه ولكن لم يصل الينا الا ما كان يوثق ويتداول بين القبائل ويحسب كقصيدة عالمية في ذلك الوقت. وقال ان بداية الشعر الشعبي نجدها في مقدمة ابن خلدون وفي بعض الموشحات الاندلسية فكان هناك تنازل كبير عن الاعراب وعن الاوزان احيانا وحتى عن القوافي وفي مرحلة اخرى مرحلة الشعر المرتبط بالحكايات مثل تغريبة بني هلال وسالم الزير نجد ان الشعر الشعبي بدا يأخذ صفة بين الفصحى والعامية ثم تسلسل الى ان اصبح يستخدم اللهجة الدارجة والمحلية، واضاف تذكرون ما مر على الجزيرة العربية من فترات اصبحت مجزأة الى أقاليم ومن ضمن الاقاليم التي عاشت في عزلة او شبه عزلة اقليم الجنوب كونهم يعتمدون على الزراعة ولم يختلطوا بالمجتمعات الاخرى فبقاؤهم في هذا الاقليم او المنطقة وعدم وصولهم للناس ووصول الناس اليهم ابتكر لهم نوع خاص من الشعر تداولوه واحبوه وكبر في اعينهم وربما عزلهم عن انماط الشعر الاخرى فخرج الينا شعر الجنوب بالصورة التي نراها حاليا وربما يكون لهذا الشعر تاريخ طويل ولكن لم يصل الينا الانتاج المائتي عام الاخيرة وربما مرتبطة بفترة الشاعر بن ثامرة والشاعر الغبيشي ومن هم في ذلك الجيل، وهذا لا يعني انه لم يسبقهم شعر لكن ربما الفترة التي عاشوها فترة غزوات وفترة تحولات تاريخية كبرى فارتبطت المعارك بالشعر وبالتالي اصبحت الذاكرة مفتوحة لتلقي هذا النوع الوحيد من الشعر والاشادة به ومسح ما قبله وربما لم يستطع زحزحته من الذاكرة ما اتى بعده من اجيال وشعراء ومن انتاج ادبي كبير. وقال الشاعر الزهراني ان الشعر الشعبي هو ابن شرعي للشعر الفصيح وبالتالي فان اوزانه والبحور التي ينظم عليها غالبا ما تكون قريبة جدا من شعر التفعيلة فعندما نقطع البيت الشعري في شعر العرضة تجده تماما ينطبق مع اوزان الخليل مع اختلاف بسيط ففي شعر الجنوب يستخدم ميزان (الملالاة) أي يالال يالال بديلا عن التفاعيل التي بني عليها الشعر الفصيح، فموطن القوة في الشعر الجنوبي هو نفسه موطن الضعف فيه حيث التزم بمحسن واحد من المحسنات البديعية وهو الجناس فالشعر الجنوبي قيد نفسه بنوع واحد من المحسنات البديعية ونعلم ان المحسنات البديعية انواع لكن الشعر الجنوبي قيد نفسه بهذا النوع فقط فالشقر (الجناس) موطن قوة من حيث التحدي لكن اضعف الشعر الجنوبي بتقييده وقوقع الشعر الجنوبي وشعراءه في هذه المنطقة. واضاف ان الشعر الشعبي كلما كان قريبا من اللهجة المحلية والاقليمية كلما كان اقرب الى الذائقة والى الذاكرة وكلما حاول الشخص ان يقحم بعض المفردات من خارج البيئة كلما كان ذلك منفرا ونشازا. وعن استعانة الشاعر بقرين من الجن قال الشاعر عبدالواحد الزهراني هذا موضوع جدلي وطويل وغالبا ما يكون ادّعاء وفي ثقافات اخرى لم ينسب الشعر الى الجن بل كان عند بعض اهل الثقافات الاخرى اله في الشعر يسمى (ابولو) وكانوا ينسبون التميز في الشعر الى قدرات خارجية، وقال انه ومن خلال انطباع بسيط انه غالبا من يدعي هذا السلوك وهذه الميزة -سلوك الاقتران بالجن- هم اشباه الشعراء وانصاف الشعراء انما الشعراء الحقيقيون لا يلجأون الى ذلك ولا تصبغ حولهم هذه الصبغة ولا يدّعونها لانفسهم بل ربما يلبسهم الناس هذا اللباس ولكن في انفسهم لا يدعون ذلك بل يؤكدون ان الشعر فن انساني ولو كان الشعر له شيطان لكان الشعر فنا شيطانيا وليس له علاقة بالانسان فالشاعر يتكلم عن مشاعره كانسان وانفعالاته وانطباعاته ونظرته الى الحياة فكيف يكون للجن علاقة بذلك. بعد ذلك انتقل الحديث للشاعر محمد حوقان المالكي الذي اكد ان شعر العرضة لم يعرف له تاريخ بداية ولذلك نرى ان بداية شعر العرضة تؤرخ بالفترة التي عاشها ابن ثامرة والغبيشي لان الفترة التي سبقت هذين الشاعرين كان في النادر ان نجد لهذا الشعر مكانة وربما المائة سنة الماضية هي التي احتفظ الناس ببعض هذا الشعر في ذاكرتهم، مشيرا الى ان فن الجناس وهو لب قصيدة العرضة بدأ في القرن السادس والقرن السابع للهجرة وكان له اهتمام كبير في تلك الفترة وكان الشعراء يتبارون في المحسنات البديعية في تلك الفترة. وقال ان شعر العرضة الجنوبية له خصوصية ربما تفتقدها اغراض الشعر الاخرى وتتمثل خصوصيته في فن الشقر، مشيرا الى ايات وردت في القرآن الكريم تدل على الجناس كالاية (يوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون) فالساعة هنا في (يوم تقوم الساعة) يقصد بها القيامة والساعة في (مالبثوا غير ساعة) المقصود بها الوقت الزمني، كذلك في قوله تعالى (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار* يقلب الله الليل والنهار ان في ذلك لعبرة لأولي الابصار) فالابصار الاولى تعني النظر والابصار الثانية المقصود بها العقول، فهاتان دلالتان كمدخل الى شعر العرضة وتعريف شعر العرضة حيث نأتي بالكلمة ونستحضر نظيرها المطابق لها في اللفظ مع اختلاف المعنى. وحول الاختلاف بين الشعراء وهل هو حقيقي ام لا قال دائما نرى اختلاف الشعراء على منصة الشعر وفي اخر الحفل يمتطون سيارة واحدة، ففي كارت الدعوة نرى عبارة تحمل اسماء الشعراء المحيين للحفل فالهدف هو احياء الحفل فلو قام الشعراء بتمجيد بعضهم البعض على منصة الشعر اصبحت الحفلة ميتة فالاحتكاك الذي يحدث بين الشعراء على منصة الحفلة ليس الهدف منه الانتقاص من بعضهم بل من اجل احياء الحفل فالشعراء يتحاورون بما يليق اما التحاور بما لا يليق فهو ليس ادبا ولا شعرا. وعن تفاوت اداء الشعراء بين حفلة واخرى قال الشعر مرتبط بمشاعر الانسان ونفسيته لذلك تجدون الشاعر اذا كان مرتاحا وليس هناك ما يؤثر على نفسيته يكون مرتفع الاداء، وشاعرا اذا كان زعلان يؤدي اداء حسنا ايضا، وشاعرا اذا كان الحفل جيدا ايضا يرتفع اداؤه، واذا كان هناك ما يعكر صفو الشاعر فحتما يتأثر أداؤه حتى ان بعض الحركات التي يحدثها الشعراء على المنصة اذا كانت سلبا تعكس عدم رضى الشاعر عن زميله تؤثر على الشاعر ويصبح همه كيف يرد تلك الحركة التي صدرت من زميله ضده فارتباط الشعر بمشاعر الشاعر ونفسيته هو الذي يسبب التفاوت في مستواه الشعري. وعن دور شعراء الموروث الشعبي بصفة عامة في تحسين الذائقة الشعرية والترويج لفنون بيئاتهم والتاثير على شعراء الفنون الاخرى قال المالكي: استطعنا كشعراء ان نروج للموروث الجنوبي وانتقلنا به البيئات الاخرى مشيرا الى ان انطلاقة شعر العرضة الى خارج بيئته كانت منذ عام 1417ه عندما حضر هو وزميله الشاعر عبدالواحد حفلة بمكة جمعت شعراء العرضة والقلطة وقال لقد تفوق شعراء العرضة في تلك الحفلة على شعراء القلطة وقال حضرت ومعي الشاعر عبدالواحد الزهراني وشعراء اخرون من العرضة فكان التميز لشعراء العرضة على شعراء القلطة فبرعوا في شعر العرضة واستطاعوا مجاراة شعراء القلطة، لكن كتبت الصحف فيما بعد اخبارا مفادها تفوق شعراء القلطة على شعراء العرضة بينما الواقع كان العكس واستشهدوا بان شعراء العرضة تقوقعوا على فنهم في منطقتهم ولذلك لم يعرف هذا الفن، وكان تاريخ هذه الحفلة نقطة تحول في شعر العرضة حيث بدأنا نروج لشعر العرضة في المحافل الرسمية وفي محافل العرضة وحفلات القلطة وتواجدنا بكثافة في كثير من المحافل مروجين لشعر العرضة الجنوبية حتى بزغ نجم الشاعر ابراهيم الشيخي الذي تفوق على بعض شعراء القلطة واستطاع أن يؤصل لشعر العرضة في بيئات اخرى غير بيئة العرضة. وتناول الضيف الثالث في الملتقى الشاعر ابراهيم الشيخي الحديث شاكرا الشيخ عبدالعزيز بن حنش تبنيه لهذا المنشط الثقافي وقال ان كثيرا من الناس ينظرون الى الشعر الشعبي نظرة دونية وتتجافى النخب الاكاديمية والجامعات عن تدريس هذا الموروث وهذا الجانب ساهم فيه الشعراء الذين لا يفقهون اهمية هذا الموروث في حياة الناس، مشيرا ان بداية الشعر الشعبي حسب ما دونه المؤرخون هو عام 443ه وهو تقريبا التاريخ الذي ذهب فيه بني هلال في تغريبتهم من نجد الى مصر، ويقال ان الخليفة الفاطمي المستنصر استعان بهذه القبيلة لغزو البربر بزعامة المعز بن باديس في منطقة زناته. وقال ان ابن خلدون تحدث عن الشعر الشعبي ودافع عنه دفاعا مستميتا بل انه رد على اصحاب ذلك الزمان الذي عاشه ابن خلدون والذين حاربوا هذا الشعر بزعمهم انه موقوف اخر الكلمات أي ليس فيه اعراب وبرر لهم بقوله اذا فهم المقصود صحت الدلاله وليس من المهم ان تكون الكلمات مشكولة حسب الاعراب حتى نعرف الفاعل من المفعول فاذا فهمت من تراكيب الجمل فذلك كاف، واضاف ان السمة التي تجمع بين الشعر الشعبي والشعر الفصيح هي ان اساليبه واغراضه بحوره وتفاعيله هي نفسها تفاعيل الشعر الفصيح في صفته الأولى وعلى سبيل المثال شعر النظم كأحد فروع الشعر لم يأخذ شعر النظم القافية من شطرين الا في القرن الثاني عشر الهجري أي بعد اكثر من 600 عام من بداية الشعر، واستحضر بيتين من بداية الشعر الشعبي وقال من شعر الشريف شكر بن ابي الفتوح في القرن الخامس للهجرة يقول الفتى شكر الشريف ابن هاشم شوف الديار الخاليات يروع مشيرا الى ان البيت يقرأ كشعر شعبي ويقرأ مشكل كشعر فصيح، وطالب الشيخي بان يكون للشعر الشعبي مساحة وحيز في الجامعات والنوادي الأدبية وفي النخب الثقافية لأنه تراث أمة وتبيان لحاضرها وماضيها. ثم قدم الشعراء الثلاثة قصائد من نتاجهم الشعري نالت استحسان الحضور. في ختام الملتقى اعرب صاحب الملتقى الشيخ عبدالعزيز بن حنش الزهراني عن شكره وتقديره لضيوف الملتقى والمداخلين وكل من لبى الدعوة وقال ان الشعر الفصيح والشعر الشعبي لهما مكانة عند المتلقي وهما كالعينان في الرأس فكل له دوره وله متابعوه متذوقوه، وقال نحن بحاجة الى بناء والقاء المعاني والقيم وغرسها وان يكون الاجتماع لو لم يخرج فيه من حضر الا بقائدتين او ثلاث لكفى، داعيا الله ان يحفظ لبلادنا امنها واستقراها.