أدرج برنامج الأمير سلطان بن عبدالعزيز للعناية في المساجد الأثرية، مسجد جواثا الأثري في محافظة الأحساء ضمن فعالياته. وهو برنامج تتبناه وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ضمن سلسلة الاهتمام بالمساجد ذات التاريخ العريق، التي تجسد مرحلة من مراحل الإسلام. ويعد مسجد جواثا، الذي يعاني من الإهمال وأصبح عرضة للانهيار، أحد المعالم التاريخية، ويرجع تاريخ بنائه إلى صدر الإسلام وبالتحديد السنة السابعة من الهجرة، إثر عودة بني عبدالقيس من وفادتهم الثانية على الرسول صلى الله عليه وسلم. كما أنه ثاني مسجد أقيمت فيه صلاة الجمعة في الإسلام بعد المسجد النبوي في المدينةالمنورة. كما يعتقد ان الأراضي القريبة منه تضم رفاة من استشهد من المسلمين في حروب الردة، ومنهم الصحابة عبدالله بن سهيل بن عمرو وعبدالله بن عبدالله بن أبي، كما تشير إلى ذلك مصادر تاريخية تذكر ان مجموعة من المسلمين تحصنوا داخل أسوار المسجد حين حاصرهم المرتدون في عام 14 هجرية 635م. ويبعد المسجد الذي يقع ضمن متنزه يعرف بالاسم نفسه، نحو 17 كيلومتراً شمال شرقي مدينة الهفوف. وقبل سنوات اكتشف أن المسجد الحالي أقيم فوق أنقاض مسجد أقدم منه. وذكرت كتب الحديث ومصادر التراث ان"جواثا"حصن أو قصر لعبد القيس في"البحرين"، وهو الاسم القديم لمنطقة تشمل كلاً من البحرينوالأحساء والقطيف، أو الساحل الشرقي من المملكة العربية السعودية. ويواجه زوار المسجد أو المتنزه صعوبة في الوصول إليه، إذ لا توجد لوحات إرشادية أو علامات تشير إلى الموقع، إلا لوحة تكاد تكون تالفة وضعت على استحياء في الشارع الرئيسي الموصل إلى المتنزه، كما ان الشارع نفسه يعاني من التشقق، وتداهمه كثبان رملية ويخلو من الزراعة، على رغم انه ? أي الموقع - غير بعيد من التلال التراكمية التي تقع ضمن نطاق مشروع حجز الرمال متنزه الأحساء الوطني. ويعتقد ان الموقع يحوي مجموعات من التلال الأثرية التي تغطيها الرمال. أما متنزه جواثا فمليء بالمسطحات الخضراء والأشجار الفارعة، والأماكن التي أعدت للاستراحة والمحاطة بالشتلات، بيد ان مبنى المسجد شهد خلال السنوات الماضية تساقط سقفه وأجزاء كبيرة من جدرانه. وتشير المنخفضات في الموقع إلى دلائل استيطان بشري قديم، ومبان مندثرة، ربما تكون بقايا من جواثا الأمس أو جزءاً منها، إذ يعتقد ان في المدينة حصناً ومنبراً. هنا حارب المسلمون المرتدين... والشعراء مبهورون بثرواتها ذكرت مصادر تاريخية أن جواثا حصن اعتصم فيه المسلمون الذين ثبتوا على دينهم عندما حاصرهم أهل الردة، واستنجدوا بخليفة المسلمين أبي بكر الصديق"رضي الله عنه"على لسان شاعرهم عبدالله بن حذف الكلابي: ألا أبلغ أبا بكر رسولاً وفتيان المدينة أجمعينا فهل لكم إلى قوم كرام قعود في جواثا محصرينا كأن دماءهم في كل فج شعاع الشمس يعشي الناظرينا توكلنا على الرحمن إنا وجدنا النصر للمتوكلينا وأنجدهم الخليفة أبوبكر رضي الله عنه حين أرسل جيشاً يقوده العلاء بن الحضرمي"رضي الله عنه"وقضى على الفتنة. واشتهرت منطقة جواثا في كتب التاريخ والجغرافيا والأدب ب"مدينة الرخاء"، وخصوصاً تجارها، الذين ذكرهم امرؤ القيس في شعره، وأشار إلى كثرة ما يتاجرون به من أمتعة، عندما أراد أن يصف كثرة ما معه من الصيد، وقال: ورحنا كأنا في جواثا عشية نعالي النعاج بين عدل ومشنق وكانت القوافل التجارية تقصد"جواثا"، وتعود منها محملة بالبضائع والتمور والمنتجات الزراعية والعطور، وربما كانت سوقاً تجاريةً ترد إليها تجارة جنوب الجزيرة من البخور والعطور، إضافة إلى تجارة بلاد فارس من المنسوجات والمصنوعات، ومنها تصدر إلى أجزاء الجزيرة العربية. واستمر عمرانها خلال الفترات الإسلامية الباكرة. كما وردت في شعر أبي تمام: زالت بعينيك الحمول كأنها نخل مواقر من نخيل جواثا