لا يجادل أحد في النظرة الشرعية للمعاشرة الزوجية في نهار رمضان، إذ هي محل إجماع بين المسلمين بوصفها واحدة من أغلظ المفطرات في نهار رمضان، لكن قُبلة خاطفة أو بريئة - كما ينعتها البعض- في نهار الصيام تبقى منطقة رمادية بين الصائمين الذين كثيراً ما تعرقل مسيرة صيامهم، فيما لوحظ إثارتها الجدل بين علماء الدين والمفتين، ما بين مجيز لها، ومفضل لإلقائها في"سلة الذرائع"التي يجب أن تسد! مسكينة"القبلة". هناك من يتهربون منها متعذرين بالتقوى والصلاح واحترام الصيام، وآخرون قلقون من تسديدها للهدف خشية أن ينفرط العقد! وقبل الإتيان على مصارع المقبلين في رمضان، هل يثق القراء بأنهم يعرفون ماذا تعني"القبلة"؟ أم ما هي"البوسة"؟ القُبْلة بالضم في اللغة اللثمة، والقِبْلة بالكسر الجِهة"والقَبَلة بالفتح وتحريك اللام الخبَّاز. واللثمة مشتقة من اللثام، وهو موضع النقاب على الشفتين. فمَن أراد اللثمة كشف اللثام عن الشفتين ولَثَم. وليس في لغتنا العربية الغنية بالمترادفات سوى هذين اللفظين: القُبْلة بالضم واللَّثمَة بالفتح. فاضطر العربُ إلى استخدام"البَوسة"وهي كلمة فارسية معرَّبة على سبيل الإغناء، وشاعت في العاميات العربية، وظل أهلُ الفصاحة مع القُبْلة واللثمة، متجاهلين ما أثبتتْه المعجمات العربية في مادة"بَوْس"وجواز استخدام المعرَّب. أما ضحايا القُبلات الرمضانية فمن بينهم مريم علي وزوجها إذ تقول: أذكر أن زواجنا تم قبل رمضان بعشرة أيام، وفي صباح اليوم الرابع من رمضان قبلني زوجي، وليته لم يقبلني، لأن المشهد لم ينته إلا وقد ضاع علينا صيام اليوم، وأنا حزينة جداً لأنني لم أجتهد في دفع"القبلة"البسيطة التي كلفتني الكثير، إذ يقرر الشرع أن كفارة المعاشرة الزوجية في نهار رمضان على كل من الزوجين على الترتيب: قضاء ذلك اليوم مع عتق رقبة، فمن لم يجد فليصم شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فليطعام ستين مسكيناً. ضحية أخرى من جانبها، تروي أسماء نوح:"كان زوجي في العادة يودعني بحضن وقبلة إلا أنه في نهار رمضان يحرمني منهما وأكون بذلك حزينة.. كما أنه أخيراً أصبح يتجنبني ويمتنع تماماً عني في ليالي رمضان، وأنا استغرب من نواياه التي تدعوه إلى الابتعاد عني في رمضان ، هل هي ورع وتقوى أم أن هناك أموراً أخرى لا أعلمها". لكن ما الذي يدفع بعض الأزواج إلى رفضهم غير المعلن لشريكهم الآخر في نهار رمضان، ولا يستطيعون التعبير عن هذا الرفض إما لأسباب شعورية أو لا شعورية، وهم يتعللون بالصيام في رمضان للبعد عن الطرف الآخر، وكأن ما يبعدهم ليس ما في داخلهم من رفض أو نفور، ويعتبرون الصيام مجرد مبرر لهذا النفور والرفض. فتاوى محيرة لم تكن الفتاوى الفقهية في مسألة تقبيل الرجل لزوجته في نهار رمضان حاسمة وواضحة، بل تتجه مرة إلى الأصل وهو أنها"حلال"، وتميل في الغالب إلى الأخذ بمبدأ الحذر والسلامة فتقول ب"التحريم". يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :"تقبيل الرجل امرأته ومداعبته لها في نهار رمضان جائز ولا حرج فيه، لأن النبي ? صلى الله عليه وسلم ? كان يقبل وهو صائم، ولكن إن خشي الصائم الوقوع فيما حرم الله عليه لكونه سريع الشهوة، كره له ذلك". أما عضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان فيحذر الصائم من الإقدام على تقبيل زوجته، ويقول:"النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم لأنه كان عليه الصلاة والسلام مالكًا لنفسه وعارفًا بأحكام صيامه عليه وما يؤثر فيه وما يفسده، أما غيره من الناس فإنهم لا ينبغي لهم الإقدام على القبلة لأن ذلك مدعاة لأن يحصل منهم ما يفسد الصوم مع جهلهم وضعف إيمانهم وعدم ضبطهم لأنفسهم، فالأحسن للمسلم أن يتجنب ما يثير شهوته وما يخشى منه إفساد صيامه أما النبي صلى الله عليه وسلم فكان يفعل ذلك لأنه عليه الصلاة والسلام كان ضابطًا لنفسه وكان عليه الصلاة والسلام أتقى الناس لله وأخشاهم لله وهو أدرى بما يحفظ صيامه، فغير الرسول صلى الله عليه وسلم ممن لا يأمن نفسه ينبغي له أن يبتعد عن هذه الأمور في أثناء الصيام". بينما ترى أستاذة الفقه في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الأزهر الدكتورة سعاد صالح أن ال"قبلة بشهوة محرمة في نهار رمضان". قبلة غير بريئة لم يستطع الشيخ سلمان العودة أن يخفي ابتسامة عارمة من على شاشة MBC في برنامجه اليومي الرمضاني"حجر الزاوية"حين اتصلت سائلة تقول بصوت متقطع مرتبك:"ما رأيك يا شيخ في قبلة بريئة في نهار رمضان"؟ ليقاطعها الشيخ مندهشاً متداركاً ابتسامته :"بين زوجين"؟ فسارعت المتصلة بالتأكيد، وحين أجاب الشيخ على سؤالها قال:"لا بأس بقبلة بريئة في نهار رمضان"، وأضاف مبتسماً:"حتى وإن كانت قبلة غير بريئة أيضاً". لكن عميدة سابقة لكلية الشريعة في جامعة الأزهر الدكتورة آمنة نصير تحاول أن تسمو بالقبلة في نهار رمضان وتحصرها في معانيها الروحانية البريئة، قائلة:"كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقبل السيدة عائشة رضي الله عنها في نهار رمضان، وهذا نوع من المودة والرحمة والحنان والسكن والسكينة وليست قبلة الغرائز، لأن الإسلام دين سمح يرعى المشاعر البشرية ولا يجرمها أبداً، طالما هي في الإطار الصحيح". وتضيف:"إذا كانت الزوجة تعودت أن تقبل زوجها قبل خروجه للعمل أو أنه قد تعود تقبيلها عند عودته، فليس في هذا شيء في نهار رمضان، بل نحن في حاجة لتنمية هذه المشاعر في البيت أمام الأطفال، لأن هذا يعطيهم الإحساس بالاستقرار والحب، أما المزايدة بتحريم ذلك فهو نوع من التسلط باسم الدين".