دعوى أمريكية تطعن في عقوبات ترامب على المدعي العام للجنائية الدولية    "فيفا" يطرح تذاكر إضافية لمباريات كأس العالم للأندية في أمريكا    انطلاق فعاليات مؤتمر القصيم الأول لطب الأسرة    مجموعة الاتصال الوزارية بشأن غزة تدعو لوقف النار وترفض التهجير    البيت الأبيض يعترف بصعوبة التفاوض على صفقات تجارية متعددة    حسان تمبكتي: التعادل مع الاتفاق غير مقبول وكنا نتمنى تحقيق النقاط الثلاث    المسحل يشارك في اجتماع المكتب التنفيذي للاتحاد الآسيوي    انزلاق طائرة بعد هبوطها واصطدامها بسور مطار فاس في وسط المغرب    التعادل الإيجابي يحسم لقاء الاتفاق والهلال في دوري روشن للمحترفين    اتحاد القدم يختتم دورة المحاضرين في الرياض بحضور 33 محاضراً ومحاضرة    غداً... ختام "جولة الرياض" للجياد العربية    «أمن الطرق»: القبض على شخص في عسير لترويجه (11) كجم "حشيش"        التعادل يحسم مواجهة التعاون والأخدود    ترامب: سياسة الرسوم الجمركية تسير بشكل جيد    محمد صلاح يُمدد تعاقده مع ليفربول    FreeArc سماعات بخطافات للأذن    بر بيش تقيم حفل معايدة الأيتام تحت شعار فرحة يتيم    معايدة الموظفين تكسر الروتين وتجدد الفرحة    أمين القصيم يلتقي مدير مكتب جمعية الوداد الخيرية    أمين عام غرفة جازان: تتويج الغرفة بجائزة التميز المؤسسي ثمرة سنوات من التحديات والتطوير    إحباط محاولة تهريب أكثر من 46 كيلوجرام من "الكوكايين"    الأرصاد: انخفاض في درجات الحرارة شمال المملكة    مشامر الجلوات السبع صناعة هندية وطقوس سعودية    هرمون التستوستيرون عند النساء    روبوتات الإسعافات الأولية    أعراس زمان    الجاسر ريادة المعرفة والتنوير في قلب الجزيرة العربية    شركة "لسان الميزان – محامون ومستشارون" تستقبل الدكتور محمد بادغيش في جازان    قطاع ومستشفى ظهران الجنوب يُفعّل "التوعية بالقولون العصبي"    مستشفى أحد رفيدة يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي للصحة"    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة وهيئة التراث توقعان مذكرة تفاهم    إعادة توطين 124 من طيور الحبارى النادرة في محمية الملك سلمان الملكية    475 ألف غرفة مرخصة في المرافق السياحية بنهاية 2024    4 متوفين دماغيا ينقذون حياة 8 مرضى    جامعة الأميرة نورة تمنح حرم خادم الحرمين الأميرة فهدة آل حثلين درجة الدكتوراه الفخرية في المجال الإنساني والأعمال الاجتماعية    مشروع الأمير محمد بن سلمان يُجدّد مسجداً عمره 13 قرنًا    في الخبر.."جوازك إلى العالم" تنطلق بالثقافة السودانية    الحياة الفطرية تُطلق 25 كائنًا فطريًا مهددًا بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية    90 دولة تشارك بمهرجان الثقافات والشعوب    الإحصاء تنشر نتائج مؤشر الرقم القياسي للإنتاج الصناعي لشهر فبراير    محافظ بيش ينقل تعازي سمو أمير منطقة جازان وسمو نائبه لذوي الطالب معاذ شيبة    محافظ الطوال يعزي أسرة المرحوم الشيخ عبدالرحمن بن حسين النجمي    كنوزنا المخبوءة    «السمان».. زائر موسمي للشمالية    ولادة أول ظبي رملي لموسم ربيع 2025 في السعودية    رفع التهنئة للقيادة الرشيدة.. وزير الطاقة: 14 اكتشافا جديدا للنفط والغاز في الشرقية والربع الخالي    نمو سجلات التجارة الإلكترونية    الصين تنفي إرسال جنود للمشاركة في الحرب بأوكرانيا    الاحتلال يقتحم نابلس موسعا عدوانه بالضفة الغربية    اعتبرها مراقبون ممارسة لإستراتيجية الضغط قبيل التفاوض.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على إيران    ولادة ظبي رملي بمحمية الأمير محمد بن سلمان    حين يتصدع السقف    مملكة الخير وميلاد قطب جديد    الحسد    سطوة المترهلين في الإدارة    أمير حائل يستقبل رئيس الهيئة العليا للحج والعمرة بجمهورية العراق ووزير الحج والعمرة    النقل الإسعافي يستقبل 5 آلاف بلاغ بالمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"موفيولا" بين السياسة والسينما . تيسير خلف يوثق فنياً ما تجاهلته الرواية الفلسطينية
نشر في الحياة يوم 19 - 07 - 2013

يعمل الروائي الفلسطيني تيسير خلف، في روايته الجديدة"موفيولا"دار فضاءات- عمان على مسارين متلازمين، فني- سينمائي، ووطني- سياسي. وهي تأتي بعد روايتين للكاتب، هما"دفاتر الكتف المائلة"1996، وتتحدث عن تحولات مقاتل فلسطيني بعد حصار بيروت 1982، والثانية"عجوز البحيرة"2003، وتتحدث عن مخيم من مخيمات جنوب دمشق من خلال مجموعة من الشخصيات وهواجسها وذكرياتها.
المسار الأول من الرواية الجديدة 206 صفحات، يتمثل في مسيرة السينمائي الفلسطيني إبراهيم سرحان، مخترع آلة الموفيولا المونتاج، بدءاً من سن العاشرة وعلاقته بالكاميرا وبالأخَوَين السينمائيين بدر وإبراهيم لاما، المعروفَين بوضعهما اللَّبِنات التأسيسية في السينما العربية المصرية منذ ثلاثينات القرن العشرين، وانتهاء بحياته في مخيم شاتيلا في بيروت وعمله سمكريّاً مهنة والده، وحتى رحيله في العام 1987، وارتباطاً بعدد من الشخصيات الفنية أبرزها المصور هو محمد صالح الكيالي، الذي يبدو أنه"البطل"المركزي في هذا المسار، بسبب حجم الدور الذي يلعبه في الرواية. والمسار الثاني يتجسد في شخصية الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين، في مقارعته للانتداب البريطاني في الثلاثينات، ومحاولات مقاومة مشروع إقامة الدولة العبرية، وصولاً إلى وفاته في السبعينات، وما بينهما من تشرد ورحيل بين العواصم العربية والغربية.
رواية تدخل في التاريخ الوطني الفلسطيني من خلال عدد من الشخصيات، وتقدم سرداً تاريخياً للحياة الفلسطينية المعاصرة في السنوات الستين الأشد خطورة من عمر قضيتها. وهي الرواية الأولى فلسطينياً التي تدخل هذه العوالم بقدر من التفصيل، وتقدم مادة تاريخية جديرة بالقراءة، فضلاً عن أسلوب مؤلفها القادم من عالم الصحافة، مستغلاًّ أرشيفاً وثائقياً وتاريخياً غنيَّيْن، يعمل على إعادة بناء مادته الروائية منهما، ليخرج من صيغة العمل الوثائقي أو التسجيلي إلى العمل الفني الخالص.
البداية الحقيقية للرواية في يافا، يوم 26 نيسان 1925، وهو يوم لقاء"بطلها"إبراهيم سرحان مع الأخوين السينمائيين الشهيرين بدر وإبراهيم لاما، ثم تتسلسل الحوادث حتى نهاية الرواية في مخيم شاتيلا، في يوم ممطر من عام 1987. لكن مطلعها بدأ مع إبراهيم سرحان في مخيم شاتيلا، يوم 18 أيلول 1982، أي لحظة وقوع مجزرة صبرا وشاتيلا، حيث"لم يأوِ إبراهيم سرحان إلى فراشه مبكراً. ثمة أغنية لعبد الوهاب"سهِرْتُ منه الليالي"... يحاول أن يتذكر المرة الأولى التي سمع فيها هذه الأغنية.. تعيده أغنية عبد الوهاب إلى يافا، ربما في العام 1937، أو ربما 1938، في سينما فاروق الصيفي، أو سينما الحمراء.. ما كان اسم الفيلم؟"دموع الحب"أم"يوم سعيد"؟ لا، إنه"دموع الحب".. نعم، يومها حضر عبد الوهاب وغنى في سينما الحمراء في افتتاح الفيلم.
وما بين البداية السردية والبداية الواقعية للرواية، ينقلنا السارد ما بين زمانين ومكانين، بين يافا منتصف العشرينات، وشاتيلا شتاء 1987، أي بين طفولة سرحان ورحيله، وفي هذه المسافة الزمانية يتحرك السارد ليقدم لنا حيوات شخوصه وتنقلاتهم، عبر صيغة سردية تعتمد"سين"المستقبل، لا فعل التذكر. ومكانيّاً، ننتقل من يافا والقدس بمعالمهما الثقافية والحضارية عموماً، مروراً بدمشق وبغداد والقاهرة، وصولاً إلى روما وبرلين وفيينا وباريس، مع وصف تفصيلي للكثير من معالمها، خصوصاً ما يتعلق بالجانبين الفني- السينمائي، والسياسي- العسكري في مرحلة شهدت تطورات كبيرة على المستويات الفلسطيني والعربي والعالمي، هي مرحلة الحرب العالمية الثانية، ومرحلة قيام الدولة الصهيونية.
لن نخوض في تفاصيل رواية تعج بالسرد الواقعي المحمل في بعض جوانبه بالرمزيات. تفاصيل حيوات تشبه اليوميات لشخصيات تاريخية معروفة، ما يهمنا منها صدقية بنائها الفني، برغم غياب تفاصيل مهمة في ما يتعلق بالجوانب الإنسانية والاجتماعية الخاصة في حياتهم، إذ لا يظهر من حياة المفتي مثلاً سوى الجانب السياسي وعلاقاته مع زعماء العالم، بينما لا يظهر من حياة سرحان ومحمد صالح الكيالي سوى الجانب الفني المتعلق بالسينما والتصوير.
بين الفصل الأول في شاتيلا المجزرة، والفصل الثالث والثلاثين في شاتيلا الحصار والقصف، مشاهد وحكايات ورحلات تبني المشهد التراجيدي لحياة الفلسطيني المشرد المكافح، والمشاهد ذات الحمولات الرمزية المعمقة، فنياً وموضوعياً. في الأول مشهد شاتيلا"يغط في نوم عميق، وأنوار البيوت أطفئت منذ ساعات"، وثلاثة من المسلحين يقتحمون غرفة سرحان في شاتيلا، على صوت عبد الوهاب في آخر الأغنية، في مقطع"ما أَقْصَرَ العمرَ حتى نُضِيعه في النضالِ"، ومحاولة إسكات المذياع بلا جدوى، فيركله مسلحٌ فيسقط أرضاً، ولكنه لا يتوقف، ويستمر"في النضالِ.. في النضالِ.. في النضالِ"، ثم"يصوب بندقيته إلى المذياع.. يخرسه بطلقة من بندقيته ال"M16"، وتكتمل المجزرة. وفي الفصل الأخير شاتيلا في يوم ممطر من عام 1987، وفي حديقة مسجد المخيم، سيبكي الرجال الثلاثة وهم يوارون جثمان سرحان"في قبر حُفر على عجل، على مقربة من مسلحين متوترين، وملتحين.. يصوبون مدفعيتهم باتجاه المخيم".
جماليات المكان الفلسطيني، الحياة السياسية والثقافية في فلسطين في وقت مبكر من القرن العشرين، المهاجرون اليهود إلى فلسطين، والمهاجرون الفلسطينيون المسيحيون خصوصاً إلى أميركا اللاتينية، الطموحات والأحلام الفردية والوطنية لشخوص الرواية، ومصائبهم التراجيدية على الأغلب، وارتباط فلسطين بمحيطها العربي والدولي، وتأثيرات الظرف العالمي على القضية الفلسطينية، مع صعود اليمين الفاشي في كل من إيطاليا وألمانيا، والمصير المأسوي لموسوليني مشهد سحله في الشوارع، وعناصر كثيرة جداً، هي اللَّبِنات الأساسية في البناء الموضوعي لهذه الرواية.
استطاع الروائي جمع مادة من النوادر، المعروفة والمجهولة، المتعلقة بالعالم الذي يبنيه على مهل، ليطرح من خلالها أسئلته على المسألتين الثقافية والسياسية، في الحياة الفلسطينية خصوصاً، والعربية والعالمية عموماً. أسئلة من نمط تقويم شخصية المفتي وسلوكه وعلاقاته، والدور الذي لعبه في القضية الفلسطينية سلباً وإيجاباً. والسؤال حول رموز السياسة العربية الفاعلين، وعلى رأسهم جمال عبد الناصر ودوره وتأثيره ومصيره، ومصير مشاريعه الوطنية والقومية، ومآلات مصر من بعده، وذلك كله انطلاقاً من حضور المصور والفنان والسينمائي.
فمثلاً، تكتسب شخصية القائد الرمز عبد الناصر حضورها من خلال طموح الفنان المصور الكيالي لتصوير فيلم عن السد العالي، ويبدو انحياز الروائي إلى هذا القائد من خلال التحضيرات للمنجز الضخم، وكون السادات هو من قطف ثمار هذه التحضيرات. وكذلك تحضر الجامعة العربية من خلال الدور البيروقراطي لها في تعطيل مشروع فيلم ضخم عن القضية الفلسطينية حيناً، وفي تعطيل منظمة التحرير نفسها حيناً آخر. وسوى ذلك من المواقف التي يبنيها الروائي طارحا من خلالها أسئلة تغوص في وقائع الحياة العربية ومآلاتها، سياسياً وثقافياً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.