أرأيتم طائراً يطير بلا جناحين؟ أو بجناح واحد؟ أو بجناح مهيض متدل بلحم جسمه؟ بالتأكيد لا أحد رأى مثل هذا المنظر العجيب، إلا اللهم في أفلام الخيال أو في الأحلام المزعجة. الديموقراطية لا يمكن تأسيسها إلا بجناحين، فهي لا تستقيم ولا تنهض بجناح واحد، أو بجناح مهيض، والجناحان هما"السلطة والمعارضة". السلطة التي تدير البلد والمعارضة التي تراقب وتستجوب وتسائل وتحاسب، وقد تسقط السلطة إذا اتسعت أخطاؤها أو تحولت إلى جريمة. إن المعارضة في البلاد الديموقراطية، قيمة أساسية من قيم العملية السياسية والنظام الديموقراطي، فهي ليست، كما يتصورها البعض، مجرد مجهود لعرقلة تحقيق الإنجازات أو لمعاكسة برامج الحكومة لإفشالها، أومسعى دائماً لوضع العصي في عجلة الدولة لتكبو، أو أنها، المعارضة، مشروع قتل وتصفية من قبل المؤسسة الأمنية، أبداً، إنها كالحكومة لها برامج ومشاريع ورؤى ومفاهيم، تقترب أو تبتعد عن برنامج السلطة، وفق الظروف والمعطيات، إلى درجة أن لها في بعض البلدان، كما في بريطانيا، حكومة ظل، تمارس عملها وكأنها في السلطة. ولأن المعارضة مشروع من اجل بناء البلد، لذلك فهي تختفي أو تؤجل كل مشاريعها عندما تصطدم بمفردة الأمن القومي، إذ لا مساومة على ذلك، ولذلك ففي كل البلدان الديموقراطية عندما يتعرض الأمن القومي لأبسط تهديد فإن كل القوى السياسية، سواء تلك التي في السلطة أو في المعارضة، تؤجل كل خلافاتها إلى حين زوال التهديد أو الخطر المحدق بالأمن القومي، أما أن تستغل المعارضة أي تهديد يتعرض له الأمن القومي من أجل المتاجرة أو زيادة الضغوط على القوى السياسية الحاكمة لتحقيق المزيد من الابتزاز، فهذه ومثيلاتها ليست معارضة وإنما هي قوى مخربة، فالأمن القومي لا مساومة عليه وهو ينبغي أن يكون بمثابة الخط الأحمر الذي لا تختلف عليه القوى السياسية. ولا يمكن لمعارضة أن تكون الجناح الثاني في العملية الديموقراطية إلا بثلاثة شروط: الأول: أن تكون سياسية وليست دينية أو أثنية أو طائفية، لتمثل الرأي العام وليس رأي طائفة أو ما أشبه. الثاني: أن تكون وطنية وليست منفذة لأجندات خارجية. الثالث: أن تكون خارج السلطة، أما إذا كانت في السلطة وتؤدي دور المعارضة، فتلك جريمة لا تغتفر. نحن في العراق، ومنذ التاسع من نيسان أبريل عام 2003 تاريخ سقوط نظام الطاغية صدام حسين وحتى الآن، لدينا مولود مشوه، فالطائر الذي خرج من البيضة له مواصفات غريبة، فمن جانب التصق جناحاه ببعضهما فلم يعد المواطن يميز بينهما، إذاً بمن هو في السلطة يهدد بأن ينتقل إلى المعارضة، وكأن المعارضة سبة أو عمل قبيح أو أنها مطلوبة للتهديد وليس في سياق متزن وواضح وبأجندات وأهداف واضحة. لماذا يكرر المسؤولون في العراق استخدامات المبني للمجهول أو الألغاز أو الجمل الإنشائية المكررة كلما تحدثوا عن الأجندات الخارجية المتورطة بالعنف والإرهاب الذي لا زال يحصد أرواح الأبرياء؟ إلى متى تظل الجهات الأمنية والسياسية في العراق تجامل وتداري عندما يصل الحديث عن الإرهاب وعن القوى التي تقف وراءه؟ وهل يجوز المجاملة على حساب الدم العراقي؟ أم هل يجوز المتاجرة به من خلال الصفقات السرية، الأمنية منها والسياسية والمالية؟ إن كل دول العالم التي تحترم نفسها وتحرص على شعبها وأمنه ودمائه ومستقبل أبنائه، تسارع، فور إراقة قطرة دم واحدة إلى الكشف عن الجهة أو الجهات التي تقف وراء الفعل الشنيع بلا مجاملة أو محاباة، إلا في العراق الذي لا زال الفاعل مجهولاً والذي يدعمه مجهول لا تعرفه الضحية، وعندما تسال الدولة عن السبب تخبرك أن ذلك لدوافع تتعلق بالأمن القومي، فمتى كانت سياسة التستر على الإرهاب ومصادره وهويته عنصر دعم ونقطة قوة للأمن القومي في أي بلد؟ إن الإرهاب والمتسترين عليه وعلى مصادره شركاء في الجريمة، فالذي يتستر على القاتل لا يقل خطورة عن القاتل نفسه، كما أن المتستر على الجريمة وعلى من يرتكبها سيان أمام القانون والقضاء، ولذلك فإن المادة الرابعة من قانون الإرهاب الذي شرعه مجلس النواب ساوى بين الإرهابي والمتستر عليه. الإرهابي إذا افتضح أمره لا يكرر أفعاله الشنيعة، لأنه لا يعود قادراً على التخندق خلف متاريس دول الجوار وصديقاتها للاستقواء بها. نزار حيدر - بريد إلكتروني