عاد كابوس التفجيرات إلى مدن تركيا، وضرب هذه المرة وسط العاصمة أنقرة موقعاً في المذبحة 86 قتيلاً على الأقل و186 جريحاً في اعتداء «مسيرة السلام» ووصف بأنه الأكثر دموية في تاريخ الجمهورية. وأعلنت الحكومة الحداد ثلاثة أيام وأرجاً الرئيس رجب طيب أردوغان زيارة مقررة غداً الى تركمانستان، بعدما غطت تداعيات الخبر والرعب الذي أثاره، على خبر مهم انتظرته البلاد طوال أسابيع، وهو تعليق حزب «العمال الكردستاني» عملياته الى ما بعد الانتخابات الاشتراعية المبكرة المقررة في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وكما في 20 تموز (يوليو) الماضي حين سقط 32 قتيلاً في صفوف ناشطين مناصرين للقضية الكردية في مدينة سوروتش القريبة من حدود سورية، استهدف الاعتداء الذي نفذ عبر تفجيرين، مسيرة للأكراد في محيط محطة القطارات الرئيسية في أنقرة، حيث قدِم آلاف الناشطين من أنحاء تركيا بدعوة من نقابات ومنظمات غير حكومية وأحزاب يسارية وكردية للتجمع تحت شعار «نريد السلام الآن» من أجل المطالبة بوقف القتال الدائر منذ تفجير سوروتش بين الجيش و «الكردستاني». وحصد هذا القتال أكثر من 150 قتيلاً من رجال الأمن، وحوالى ألفي قتيل من عناصر «الكردستاني». وبثت محطة «أن تي في» صور فيديو التقطها هاوٍ أظهرت مجموعات من الناشطين يغنون ويرقصون يداً بيد قبل سقوطهم أرضاً جراء عنف أحد الانفجارين. وقال أحمد أونين الذي كان يغادر المكان مع زوجته: «لا أفهم كيف تحولت تظاهرة من أجل السلام إلى مجزرة». واضطرت الشرطة في المكان إلى إطلاق عيارات نارية في الهواء لتفريق متظاهرين غاضبين احتجوا على مقتل زملاء لهم، هاتفين: «الشرطيون قتلة». ودان أردوغان الهجومين اللذين «استهدفا وحدة تركيا وسلامتها»، داعياً الى «التضامن والعزم كأفضل رد ذي معنى على الإرهاب»، بينما صرح رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو بأن «ثمة أدلة قوية على تنفيذ انتحاريين الهجومين اللذين قد يكون شنهما تنظيم داعش أو الكردستاني أو حزب التحرير الشعبي الثوري». ورفض وزير الداخلية سلامي ألطن أوك، كشف معلومات عن آلية التنفيذ أو من يقف وراء التفجيرين، باعتبار أن «هذا الأمر قد يضر بالتحقيقات». كما رفض اتهام المعارضة أجهزة الأمن بالتقصير في حماية المتظاهرين وتفتيش المنطقة، مشدداً على أن التفجيرين حصلا في موقع بعيد من ساحة التظاهر ولا يخضع لحماية أمنية. كما نفى صحة تقارير عن تحذير أجهزة الاستخبارات من تنفيذ «داعش» عمليات انتحارية في أنقرة. وفيما تعتبر المعارضة أن الخروق الأمنية «مقصودة من أجهزة الأمن المتواطئة مع المنفذين»، احتشد مئات من المحتجين في إسطنبول مساءً مرددين شعارات مناهضة للحكومة في محاولة للسير نحو ساحة تقسيم بوسط المدينة. وهتف هؤلاء «استقِلْ يا أردوغان» و «حزب العدالة والتنمية قاتل»، متهمين الرئيس وحزب «العدالة والتنمية» الحاكم بالمسؤولية عن العنف. وحذر زعيم حزب «الشعوب الديموقراطي» الكردي صلاح الدين دمرطاش من عودة تركيا الى عهد التسعينيات من القرن العشرين، «حين كان رجال العصابات وعناصر الأمن يقتلون الأكراد ويجري التستر على جرائمهم التي تقيَّد ضد مجهولين». وأشار إلى أن السلطات «عجزت عن كشف تفاصيل تفجير سوروتش على غرار تفجير دياربكر الذي استهدف الأكراد أيضاً عشية انتخابات مطلع حزيران (يونيو) الماضي، كما لم توضح الحكومة سبب عدم منع أجهزة الأمن التفجيرات على رغم توافر معلومات مسبقة لديها عن مشبوهين يخططون لتنفيذها». واللافت أن الاعتداء الجديد جاء غداة ظهور زعيم المافيا القومي سيدات بكار بشكل، المعروف بارتكابه جرائم ضد الأكراد، في شكل مفاجئ وصادم خلال مسيرة جماهيرية «للتنديد بالإرهاب والكردستاني» في مدينة ريزه مسقط رأس أردوغان على البحر الأسود، ومطالبته بدعم أردوغان وحزب «العدالة والتنمية» في الانتخابات، في مقابل توعده «الكردستاني» بأن «أنهاراً من الدماء ستسيل للانتقام منه». وتأتي «العملية الإرهابية» أيضاً في ظل مواجهة العلاقات بين تركيا وأكراد المنطقة اختبارات صعبة بعد إعلان موسكو وواشنطن في شكل منفصل تعاونهما العسكري مع القوات الكردية التي تقاتل تنظيم «داعش» في سورية، علماً أن أنقرة تعتبر هذه القوات الفرع السوري ل «الكردستاني» الذي تصنفه إرهابياً، كما لدى الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة وروسيا. وفي ردود الفعل الخارجية، ندد البيت الأبيض ب «الاعتداء الإرهابي المروع الذي يؤكد انحطاط أخلاق أولئك الذين يقفون وراءه، ويذكّر بضرورة مواجهة التحديات الأمنية المشتركة في المنطقة». وأكد أن «الولاياتالمتحدة ستواصل الوقوف جنباً إلى جنب مع الحكومة والشعب التركيين في مواجهة آفة الإرهاب. ورغم محاولة ردع هذه الجهود، فإن مثل أعمال العنف المروعة هذه تزيد عزيمتنا». ودعت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني تركيا إلى «البقاء موحدة». وقالت في بيان مشترك مع المفوض الأوروبي لشؤون التوسعة يوهانس هان: «على الشعب التركي وكل القوى السياسية البقاء موحدة لمواجهة الإرهابيين وجميع الذين يحاولون تقويض استقرار البلاد التي تواجه تهديدات كبيرة». كذلك، ندد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند «بهجوم إرهابي شنيع» فيما قدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعازيه لأردوغان. وأعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل أنها تلقت النبأ «بحزن وصدمة بالغين»، معتبرة أن الهجوم «موجه ضد الحقوق المدنية والديموقراطية والسلام». كما ادانت القاهرة ما جرى.