سباق محموم بين النظام العراقيوالولاياتالمتحدة اللذين يصعدان التوتر باختلاق الذرائع للحرب. النظام يحاول جعلها مخرجاً لأزمته ولرفع العقوبات، والولاياتالمتحدة تحاول جعلها وسيلة لاذلال النظام واجباره على تقديم مزيد من التنازلات وتدمير مقدراته مستخدمة الضغط النفسي والسياسي لاحداث امكانية لاسقاطه، بينما تستمر معاناة العراقيين من ارهاب النظام والحصار وحال الأنهيار التي يستثمرها النظام اعلامياً كلما طال امد الحصار. وانطلاقا من تصورها لارادة الشعب العراقي رفعت المعارضة العراقية شعار اسقاط النظام واقامة بديل وطني يقبله الشعب من دون ان يتحقق مضمون هذا الشعار طوال ثماني سنوات بسبب مصاعب وعقبات ذاتية واقليمية ودولية. هذه النتيجة لا تعني ان النظام مقبول وشرعي ويمثل مصالح العراق شعباً ووطناً لأنه لم يسقط حتى الآن، هذا النظام الذي يعتبر نجاته من السقوط في الحرب العراقية - الايرانية وحرب الخليج "انتصاراً". اما المعارضة فهي امام خيارات ليس بالضرورة ان يكون "قانون تحرير العراق" واحداً منها. فهناك فرق بين اهداف الولاياتالمتحدة وأهداف الشعب العراقي. هدف اسقاط النظام يتشابه شكلاً ويختلف في مضمونه لدى الطرفين، فالضربات الصاروخية والجوية لن تحل المشكلة وانما تزيدها تعقيداً، وهي تبدو استعراضاً مدمراً للقوة فوق المجتمع الدولي. من الطبيعي ان التغيير السياسي في العراق مهمة عراقية، والأطروحة هذه صحيحة وتعبر عن عاطفة وطنية. لكنها تتردد من دون ان تجري اية تعبئة لخلق حالة ميدانية تحقق مضمونها، ومن دون ان تجري الاستفادة من العوامل الاقليمية والدولية التي تساعد على تحقيق هذه الاطروحة في اطار المصالح الوطنية للعراق، وفي مقدمها تمكين الشعب العراقي من حكم نفسه بنفسه بصورة ديموقراطية. يتطلب تحقيق هذه المهمة الوطنية مثلاً ان تطالب المعارضة بتجميد العمل بقانون تحرير العراق واعتباره حجر عثرة امام التحرر المنشود، والبحث عن بدائل لا تتنافى مع الشرعية الدولية التي تحترم ارادة الشعب العراقي في تقرير مصيره وحكم نفسه بنفسه. ويتطلب ذلك ان تعمل المعارضة على تجسيد ارادة الشعب العراقي لدفع المجتمع الدولي والامم المتحدة والشعوب العربية والاسلامية الى مساندة الشعب العراقي للحصول على خبزه وحريته. فالى جانب قرارات تدمير الاسلحة التي اصبحت جوهر ومختصر المشكلة، هناك قرارات يجب ان يطبقها مجلس الامن والولاياتالمتحدة مثل القرار 688 الذي لا يتم التطرق الى ضرورة تنفيذه. ان وجود ثلاثة ملايين عراقي خارج العراق هو جزء من ارادة عراقية يجب ان تكون فاعلة ومنظمة تستطيع ان تلتحم مع ارادة ملايين العراقيين في داخل العراق. وقوى المعارضة العراقية من احزاب وتجمعات وشخصيات يجب ان تعبر عن الارادتين معاً حينما تبادر الى الشروع بنشاط سياسي فعال ومنظم من اجل الربط بين حق العراقيين في العيش دون حصار او عقوبات تأديبية تأخذ شكل ابادة جماعية منظمة، وبين حقهم في العيش متمتعين بالحقوق المدنية التي تصون حياتهم ومعتقداتهم السياسية والدينية والفكرية والثقافية. ولتحقيق الارادة المشتركة لا بد من العمل على تطوير فكرة الجبهة الواسعة على اساس الوحدة في الهدف والاختلاف في الفكر لا يمكن للايديولوجيا وجملها الثورية الفارغة سوى رفض الاختلاف والعمل على تعميقه واشراك اكبر قدر ممكن من العراقيين في الجهود الرامية لاسقاط النظام عن طريق التوجه اليهم والعمل معهم وتوسيع دورهم في القرار السياسي. وقد يبقى كل قول وكل موقف وكل دعوة "حبراً على ورق" كما كان الموقف طوال سنوات، لكن الجدية والصدقية والواجب الاخلاقي تجاه معاناة الشعب تحتم التعامل مع الافكار الواقعية تعاملاً ايجابياً نابعاً من المصلحة الوطنية وتفضيلها على المصلحة الحزبية المحدودة وعدم الوقوف منها موقفاً سلبيا لاجهاضها. غير ان الهجوم الاعلامي على المعارضة يزعزع في احيان كثيرة تماسكها، فقداستطاع النظام العراقي، بواسطة وسائل اعلام موالية، التأثير اعلامياً وسياس ياً على مواقف وسمعة المعارضة، وساعدته سلبيات كثيرة لم تستطع المعارضة تجاوزها وحولت مهمة اسقاط النظام من مهمة وطنية عراقية الى مهمة أميركية. اضافة الى ذلك كشفت الضربة العسكرية الاخيرة غياب مركز القرار السياسي المعارض، وغياب الصوت الاعلامي المعارض المؤثر في ظل نفوذ الاعلام العربي الموالي للنظام، وانصب التفكير في اغلب ما صدر من بيانات وتصريحات على اطلاق الايديولوجيا من عقالها وعلى تبرئة الذات. وشهدت اجواء الضربة عدداً من المواقف العراقية والعربية استخدمت الحصار والعدوان الأميركي لدعم دكتاتورية النظام سياسياً واعلامياً. ان موضوعة العدو الخارجي وخلق الازمات والحروب وهيمنة فكرة المؤامرة الدولية للتستر على مسؤولية النظام، استخدمت خلال اكثر من ثلاثين عاماً لتبرير الحكم الاستبدادي وقمع الحريات وتكريس عبادة الفرد والتفريط بمصالح الشعب واجاعته، وتغطية حملات الاعتقالات والاعدامات وكم الافواه وتصفية المعارضة، واهدار خيرات البلاد على النزعات العسكرية العدوانية، وتفويت الفرص على المطالبة بالديموقراطية وتعزيز اجهزة الامن والاستخبارات. وكذلك جربت تنازلات الدكتاتورية للعدو الخارجي من اجل البقاء في السلطة على حساب سيادة واستقرار وامن العراق، كما جرب سلوك القيادة في الازمات والحروب وتركها الشعب والجيش أعزلين تحت نار العدو بينما تأخذ كل الاجراءات الاستثنائية لحماية نفسها والمتاجرة سياسياً واعلامياً بدم الشهداء المدنيين الذين يسقطون من جراء القصف. ان حرص بعض السياسيين من مختلف الاتجاهات وبشتى الدوافع لا يظهر الا في الشعارات المعادية لأميركا والتي تتسع كرد فعل على انفراد الولاياتالمتحدة بالقرار. هذه الشعارات تصبح كما كانت طوال عقود بديلاً من المطالبة بالحريات التي يشكل غيابها جوهر الازمة في العراق. ان خليطاً من الاتجاهات السياسية بعضها صادق النوايا اجتمعت مواقفها في سياق الدفاع عن النظام العراقي بحجج ونوايا شتى، تتستر تحت شعار الدفاع عن الشعب العراقي والخوف من تقسيمه والتذرع بهيمنة الشيعة والاكراد وغيرهما من حجج وذرائع، بينما تعادي وتهاجم هذا الشعب اذا انتفض وطالب بحريته وكرامته وكرامة جيشه المهدورة في هزائم النظام، وتحيل كل مسعى في هذا الاتجاه الى خيانة وولاء لأميركا. رفع الحصار هو مطلب العراقيين. ولا يمكن للمزايدة ان تسود في هذه القضية. والى جانب هذا المطلب لا يمكن المزايدة ايضا بالشعارات الثورية الفضفاضة على المطالب الاساسية لشعب حرم من حقوقه طوال ثلاثين عاما بسبب السياسة العنجهية والعدوانية للنظام. مطلب العراقيين الواقعي والملح هو رفع الحصار وتوفير الحرية والامن والعدالة والاستقرار، لكن مطلب رفع الحصار هذا وحده اخضع للمزايدات السياسية لخدمة اطراف متعددة ومتناقضة. مع هذا يبقى هذا المطلب، مطلب العراقيين وحقهم في رفع الحصار مثل حقهم في نيل الحرية. من جهة ثانية تبدو سياسة الولاياتالمتحدة تشجيعاً للنظام على معاقبة الشعب العراقي، لأنها تعرف كيف تتعامل مع مغامراته وعنجهيته وتقديمه الفرص والمناسبات للولايات المتحدة للبطش بالعراق وتدمير قدراته. وصار ملايين العراقيين يؤمنون ان النظام وأميركا يلعبان لعبة مشتركة لابادة الشعب العراقي وتدمير قدرات العراق، وكانت الضربات الاخيرة مثالاً. الابتزاز الذي يمارس خلال شن الحملات الاعلامية المدافعة عن النظام والمعادية للشعب العراقي، عبر صحافيين موالين وقنوات فضائية موالية للنظام يغطي تردد ضمير هؤلاء عن ادانة الجرائم التي يرتكبها النظام ضد الشعب العراقي. واذا كان وجود مثل هذا النظام ذريعة للمجتمع الدولي وللامم المتحدة لفرض الحصار واستمراره، وذريعة للانشقاق العربي، وتشجيعاً للتمادي الاسرائيلي في التعنت والتمسك بمصادرة حقوق الشعب الفلسطيني، كما يشكل وجوده ذريعة لاستمرار الحرب والتدمير الشامل لقدرات العراق وانتهاك سيادته وسعي بعض الاطراف الاقليمية والدولية للتهديد بتقسيمه، فان المصلحة الوطنية والقومية تفرض على الجميع واجب الدفاع عن الشعب العراقي ومستقبل ووحدة العراق وسيادته بالمطالبة باسقاط هذا النظام واقامة بديل دستوري مقبول، خصوصاً انه لا امل في استجابة هذا النظام لأي مطلب عراقي او عربي قومي بتحسين ظروف العراقيين، فضلاً عن عدم قدرته على توفير الحريات والضمانات والاستقرار. ان السبيل الوطني للخروج من الازمة جهد جماعي منظم وممنهج وفاعل. ولهذا السبب تكتسب المبادرة الجماعية اهمية كبيرة في نجاح اي مشروع، خصوصاً مبادرات الاجيال الجديدة المثقفة والواعية والممثلة لمستقبل عراق ديموقراطي من دون عقد الماضي، لتحقيق المهمة الكبرى. كما يقع على عاتق المثقفين التنويريين الديموقراطيين واجب النهوض بالافكار الجديدة وجعلها الاطار الثقافي البديل لأفكار الماضي التي ارست دعائم ثقافية تدعم العدوان والدكتاتورية وغياب الحريات وخراب البلاد من اجل عبادة الفرد. وحتى الآن تنقسم المعارضة على "قانون تحرير العراق" بينما هي مدعوة الى 1 العمل لعقد مؤتمر وطني عام لجميع الاتجاهات والقوى والشخصيات، وانتخاب قيادة جماعية تحظى بالصدقية والثقة كونها تحظى بقبول العراقيين وتمثل رغباتهم عن طريق توسيع مشاركتهم في الخارج بترشيح وانتخاب هذه القيادة المعتمدة على دعم عراقي شعبي. 2 الشروع ببناء المؤسسات البديلة المؤقتة منذ الآن لتكون مرجعية دستورية لعمل المعارضة والتعامل مع المجتمع الدولي عبر مؤسساته الشرعية. 3 وضع برنامج عمل مرحلي شامل وواقعي يتضمن الجوانب السياسية والاعلامية والميدانية. 4 التعامل مع المواقف الاقليمية والدولية الرافضة للنظام العراقي تعاملاً قائماً على الاستقلالية والتكافؤ ووحدة الارادة العراقية وتمثيل المصالح الوطنية والمصالح المشتركة وحث هذه الدول على توفير مستلزمات دعم القوى المعارضة لتحقيق المصالح المشتركة القائمة على مبادئ حسن الجوار. 5 اتباع اساليب ديموقراطية في العمل والتعامل، واشراك كل العراقيين في الخارج والداخل من اجل تحقيق هدف اسقاط النظام وتوسيع دور المثقفين التنويريين والمستقلين وجمهور العراقيين في القرار السياسي والعمل المعارض. 6 العمل على توفير الشروط اللازمة لقوة المعارضة وتأثيرها في الاحداث وتمثيل مطالب الشعب العراقي تمثيلاً يكرس صدقية المعارضة ودورها الفعال في عملية اسقاط النظام وبناء النظام القادم. * كاتب عراقي مقيم في لندن.