أوضحت الشاعرة والإعلامية مها السراج أن مشاركتها في مهرجان الشعر العالمي، الذي نظم في باريس أخيراً، فاجأت المشاركين من دول غربية عدة، «بخاصة أن كثيراً من دول الغرب تحمل صورة نمطية مشوهة عن المرأة السعودية» لافتة إلى تحلق كثير من الشعراء والشاعرات حولها «وأبدوا دهشتهم لوجود إبداع شعري نسائي لدى المرأة السعودية، ولربما كان العائق هو لغة شعري العربية إلا أن هذا العائق كان عاماً على الجميع لأن الشعراء كانوا يلقون شعرهم بلغتهم الأصلية، ولكن كان هناك شعاراً اتخذه المهرجان وهو أن الشعر موسيقى عالمية تعزف بكل اللغات ويفهمها الجميع». واعتبرت السراج مشاركتها في مهرجان عالمي، «ذات قيمة عالية لما تضمنه برنامج المهرجان من ندوات ومحاضرات وأمسيات شعرية متنوعة، فتحت أمامي نافذة للحوار الفكري مع الآخرين في هذا العالم الذي يضمنا تحت سمائه». وقالت في حديث ل «الحياة» إن المشاركة كانت مفاجأة لي أيضاً، «لأنني اكتشفت توجهاً أدبياً متنوعاً ومختلفاً عما اعتدنا على تناوله في مدارس الشعر الحديثة في المنطقة العربية، فقد تعرفت على انفتاح وتحرر في داخل البناء العام للقصيدة فالكلمة كانت تتبع معناها وتعتمد على الأداء الإيمائي والتعبيري، والصور لم تكن تغرق في الرمزية كثيراً .... أما المواضيع فقد كانت إنسانية لأبعد الحدود فالشعراء ينشغلون بما يحدث حولهم، ويحاولون البحث عن النقاء والنزاهة والسلام والتصالح ما بين البشر ... شارك شعراء من أفريقيا ومن كندا وإيران وتركيا وكولومبيا وبلجيكا والولايات المتحدة ودول أخرى متعددة. تمازج فكري وحسي ألغى كل الحواجز اللغوية والحدود المكانية. كان شعاراً ثابتاً منذ بدء المهرجان أن نسمع ونرى ونشعر. إنها أدوات الشاعر في مراقبته ورؤيته للعالم والأشياء. كما أن فنوناً أخرى شاركت في هذا الاحتفال الفكري والإنساني كالموسيقى والغناء والعرض السينمائي. واحتفل المنظمون بإطلاق قناة خاصة بالمهرجان على اليوتيوب وكان ذلك تطوراً لهذا المهرجان في دورته الخامسة». وقرأت الشاعرة مها السراج قصيدة «العالم ليس لأحد ما»، وهي عبارة عن ترنيمات تبوح بها طفلة صغيرة تشاهد عنف الحياة ومعاناة البشر، «فتحكي عن عالم يتصارع حوله الإنسان فيفقده. إنها رغبة الصغيرة في أن يتحرر الإنسان من أنانيته، ويرى الوجود حوله كانتماء وليس كامتلاك. إنه عالم نعيشه لنتركه في نهاية الأمر». أصدرت السراج ديواناً واحداً هو «الوقت منتصف البرد» يتضمن 11 قصيدة، تبحث من خلالها «عن أسطورة خارج قانون القدر لأكتب قصة الحزن والفرح، ولأجادل ذاتي من خلال استعادة الزمن واستحضار الحدث. كل الأوقات تشبه البرد وكل الأوقات تدفئها أحلامنا وطموحاتنا». وقالت إنها تستطيع أن تقوم تجربتها الخاصة، «فأنا أكتب الشعر لأنني أرى أموراً في ذاتي وفي العالم الذي أعيشه بطريقة مختلفة، وما أجيده هو التعبير عن تلك الرؤى. تجربتي في بداياتها وأبحث دائماً عن الأقرب لنفسي، فأنا أسرد داخل القصيدة ولعل ذلك ما يجعل قصيدتي مختلفة بعض الشيء. أرى الكلمات والصور تأخذ شكلها المتواتر من دون أن أتدخل في تواليها. أميل إلى المفردات البسيطة ولا تجذبني المفردات الضخمة والمعقدة. أصنع حديقتي الشعرية من روحي وبالتالي فهي تحمل من شخصيتي الشيء الكثير». وتستغرب السراج «عدم مبالاة النقاد من النتاج الشعري للمرأة في بلادي، ولكنني في الوقت نفسه أجد أن هذا طبيعي في ظل ندرة الناقد المتخصص لدينا، فالنقد أصبح يمثل مشكلة على مستوى الوطن العربي وليس على المستوى المحلي فقط، فالنتاج الإبداعي يتحرك بقوة ولا يقابله حركة نقدية تواكب هذا التطور الإبداعي المستمر». وحول كيف يمكن التخلص من هيمنة الثقافة الذكورية، تقول: إنها ثقافة مجتمع يا سيدي الكريم وليست ثقافة الرجل وحده. ومسؤولية التغيير تقع على الأطراف المعنية، فالأم والأب مسؤولان عن غرس فكر عادل ومنطقي في النظر إلى دور المرأة أياً كان هذا، سواء فكرياً أم اقتصادياً أم سياسياً وما إلى ذلك. مجتمعنا يحتاج إلى إعادة النظر في كل الموروثات الفكرية القديمة، فما كان يصلح سابقاً لم يعد يتناسب ومكانة المرأة في عصرنا الحالي بخاصة بعد أن بدأت تستعيد حقوقها المسلوبة وبشكل نظامي. إن هذه الهيمنة الفكرية الذكورية ما هي إلا نتيجة لهيمنة الثقافة الرجعية للمجتمع». وفي ما يخص دخول المرأة في مجلس الشورى والمجالس البلدية، قالت إن «هذا يعني أن المرأة أصبحت تملك ما يملكه الرجل من حقوق وإن كان هذا لا يكفي، فما سلب من المرأة كثير ولكنني أعتبرها خطوة على الطريق الممتد والذي يصل إلى هدف المساواة الحقيقية في الحقوق والواجبات مع الرجل. إن الطموحات كثيرة وما أنجز يعتبر بداية مبشرة لتحقيق تلك المساواة. هذه الصلاحيات التي أعيدت للمرأة السعودية هي في نظري مسؤولية تقع على المرأة لتساهم بشكل فاعل في مسيرة التنمية. ما يتبقى الآن هو أن تعرف المرأة السعودية كيف تتعامل مع هذا الواقع الجديد، فالأمر يحتاج إلى شخصيات مفكرة ونزيهة وواعية ومدركة للمتغيرات». مثقفون كثر يشتكون أن الجهات الرسمية لا ترشحهم للمهرجانات الدولية، إنما ترشح المحسوبين عليها، ما تعليقك؟ تتفق السراج ما مع يتم ترديده حول المحسوبيات في المشاركة الدولية، «هناك محسوبيات وأسماء بعينها يتم ترشيحها للتمثيل الدولي، وبالنسبة لي فأنا لن أنتظر أن يأتيني ترشيح ما من جهة ما، فأنا أتواصل مع الجهات المنظمة للفعاليات في الخارج، بقدر ما يتاح لي من دراية بها وأبحث عن المعرفة والاحتكاك وتطوير الذات وتبادل الخبرات بمجهود فردي».