إذا كانت القصيدة بالنسبة لأشجان هندي هي الحياة؛ فإننا لا نقبل أن نكون على أطراف القصيدة.. هكذا وبلا تلكؤ نخوض مع صاحبة (ريق الغيمات) نقاشا متعدد الوجوه من داخل هذه التجربة الإنسانية والحياتية والشعرية؛ حيث لا نتردد في محاصرتها بأسئلة لطالما فضلت تجنبها. فمن حساسية التصنيفات الشعرية والاجتماعية، تدور هذه الأسئلة وصولا إلى رأيها في التعاطي الصحفي مع صورتها الإعلامية التي تصر على أن لا تطغى على شخصيتها الشعرية. مطلين بنقاشنا هذا من على شرفات عوالم "نصوصها المزهرة".. وحول عناوين تمس الذات والتجربة والرؤى الشعرية والإنسانية لأستاذة الأدب السعودي والحديث في جامعة الملك عبد العزيز، جاء هذا الحديث؛ ولكن لأننا أجرينا هذا الحوار بعيد مشاركتها الأخيرة في أمسية الشعر "الجنادرية" بالدمام، فلا ضير إذن، أن نبدأ من حيث انتهت الأمسية: * ما الذي تشعرين به وأنت تقرأين الشعر "من وراء حجاب"؛ لجمهور من الرجال؟ - أشعر أن ثمة ضرورة تحتم هذه الوضعية. لست في صدد كتابة سيرتي الذاتية أبداً.. حتى أكتب الرواية ديواني الأول الموجود في المكتبات ليس هو ديواني الأول * حسنا.. الفرق إذن عندما تقرأين الشعر لجمهور مباشر؟ - بالتأكيد، التأثير يكون أكبر وبالنسبة لي في الالقاء وحتى على المتلقي فيما يبدو لي.؛ لأن إلقاء النص ليس صوتا فقط، هناك عوامل توصيلية إلى جانب الصوت من شأنها –إذا أوديت بشكل صحيح- أن ترقى بعملية التلقي والإيصال بأن تصل القصيدة بشكل أفضل. * إذن هل شعرت وانت في قاعة السيدات أنك تقرأين إلى جمهور نسائي فقط؟ - لا.. قرأت مواجهة أمام السيدات وكانت الشاشة التلفازية خلفي؛ فقمت وعدلت الشاشة بحيث تكون عن يساري حتى اشعر أنني في جو الأمسية. * وماذا عن طقس إلقاء الشعر الذي اعتدت عليه في الأمسيات العامة؟ - القاء الشعر بمثابة كتابة موازية وأخرى وجديدة للنص الشعري، لأنك أمام الجمهور تقوم بكتابة النص مجددا بكل جزء فيك يتفاعل مباشرة مع الجمهور، من خلال لغة التخاطب والجسد وكل جزء فيك يتكلم ليكون كتابة أخرى. * ولكن هنالك من يرى أن إلقاء الشعر عادة تاريخية من إنتاج الرجال؟ - لا أرى ذلك. هي حالة إنسانية في التفاعل والاتصال المباشر مع المتلقي. وليست كيانا جامدا كي نقول انها تخص الرجل دون المرأة. مع أنني لا أحبذ الخوض في مسائل الفروق بين الذكر والأنثى وهذه الثنائية المعروفة الذي يفتعل منها الصراع. * حسنا.. في العام 2008، كتب الناقد المغربي سعيد بنكراد يقول: "ان اللغة في جميع الأحوال هي صنيعة من صنائع الرجل" وصولا إلى أن " المرأة في الأصل تكتب بلغة غير لغتها وهي مدعوة إلى بناء عوالم لا تعرف عنها الشيء الكثير".. ما رأيك؟ - هل المرأة ولدت خرساء بالأصل وفيما بعد تعلمت الكلام! المرأة ولدت كما ولد الرجل بحنجرتها وبكامل الآلة الصوتية التي تخرج منها، فهي ليست خرساء بالولادة حتى يقال انها تعدت على لغة ليست لها في الأصل. ربما تاريخنا العربي هو من كرس "حكاية" اللغة الذكورية هذه. ولكن أيضا أقول ان لغتنا العربية هي ارحم من لغات أخرى كاللغة الانجليزية. إذ أن اللغة العربية توضح مع من أتكلم ذكرا كان أو أنثى، بخلاف الانجليزية التي اقول فيها ( (you ولا أعرف إذا كان المخاطب رجلا أو امرأة. ثمة كينونة في اللغة العربية فمن هذا الذي سيأتي ليزعم سلبها من المرأة؟!. الأمر الآخر، المرأة الآن أصبحت طبيبة وباحثة علمية وتقدم منجزات ومبتكرات واختراعات علمية متفوقة وكلها عبر هذه اللغة. ولم يقل أحد أنها لم تفقه هذه اللغة وإلا لما أنجزت وتقدمت في مجال العلوم والآداب كذلك. أجل ربما في التاريخ كانت اللغة الذكورية مسيطرة أما الآن ما عادت حكرا على الرجال. * كيف تتعاملين مع مسألة ظهورك الإعلامي على مستوى "الصورة" في الصحافة المحلية؟ - أتعامل مع هذه المسالة بوعي شديد؛ لذا عندما يتطلب أن أتواجد إعلاميا فإن هذا التواجد يجب أن يكون لحاجة وضرورة، وبشكل حقيقي يعكس إذا ثمة عمل حقيقي أقوم به. أما الظهور "البوستري" فلا أتعاطف أو أتعاطى معه؛ لدي مشروع جاد للشعر وللحياة ولا تغريني الأضواء والتوهج، لأن شدة تسليط الضوء على شيء بذاته يؤدي إلى حرقه حسب الطبيعة الفيزيائية والكيميائية للأشياء. * إلى أي مدى تساهم الصورة الشخصية للكاتبة في الترويج لمنتجها الأدبي؟ - لا أتصور صحفيا بوعيك، يمكن أن يتبنى وجهة النظر هذه والتي تتضمن كمية ما، من التحريض. * دعيني أعترف لك بأنه "تكنيك" استفزازي وربما هو أيضا، نقلٌ لما يدور في ذهن البعض، خصوصا وان الصحفي يفترض أيضا أن يطرح أسئلة الآخرين؟ - لا يهمني ما يدور في أذهان البعض؛ ما يهمني هو أن يسلط الضوء عمدا على منجزي الشعري كإنسانة لا على صورتي؛ وهنا يجب أن أشير إلى أن صورتي لو لم تكن تدل على هويتي كإنسانة موجودة لما كانت في متناول النشر. الأمر الآخر، لا أحب أن أعامل صحفيا كنجمات التلفزيون؛ وإن كنت لست ضدهن. ولا أخفيك أن موضوع تركيز البعض على الصورة دون الاهتمام بتجربتي الشعرية، يزعجني بالفعل. لأنني أمتلك منتجا حقيقيا ولا أحتاج ترويجه بالصورة. * هنالك ظهور بارز للمرأة السعودية خلال الأيام الثقافية السعودية في الخارج.. هل تجدين أن ثمة موازيا لهذا الظهور في الداخل؟ - مطمحٌ كبير أن يواكب ويصاحب هذا التقديم الكبير والبارز للمرأة السعودية في الخارج، تقديمٌ أجمل وأفضل للمرأة السعودية في الداخل. إن إشراك المرأة السعودية في العديد من الأنشطة والفعاليات الثقافية وغيرها في الخارج له مدلول ايجابي على المرأة السعودية من جهة وأيضا ساهم هذا الحضور في بناء وتصحيح صورة المرأة السعودية في ذهن الآخر. * تعرفين نفسك على صفحتك في الفيسبوك ب "شاعرة وأكاديمية ومستقلة".. ما الذي تعنينه بمستقلة؟ - شخصيا، لا أحب أن أكون مجذوبة وليس منجذبة - أي بفعل فاعل- إلى أي طرف كان ولا أحب التحزبات بأي شكل كانت؛ بين ذكر أو أنثى أو شاعرة وشاعر..الخ. كما أنني لا أحب هذه التسميات المعلبة والجاهزة كليبرالي وغيره؛ لا أحب أن احسب كاسم على جهة بعينها أو أحسب على هذه الجهة "الليبرالية" فرضا؛ فقط لأني كتبت أو ظهرت لي صور في الجرائد؛ ليس لدي مشكلة مع أي اتجاه أو أي شيء في الحياة وهذه من الأمور التي اشتغلت على نفسي كثيرا حتى أصل إليها؛ في أن أخلق هذا التوازن بيني وبين هذا العالم؛ وفي أن لا يصبح لدي كره لأي شيء؛ ولكن في النهاية لي اختياري في أن أكون حرة وصاحبة قراري وان لا أصنف وفقا لاختيار الغير وليس اختياري. * حول فكرة الاستقلال، هل ثمة أحدٌ مستقلٌ هذه الأيام .. خصوصا إذا كان ينتمي إلى مؤسسة ما؟ - كلامك صحيح، لأن الاستقلال نفسه أيضا تصنيف. ربما يتقاطع المرء مع مختلف التيارات وفقا لقناعته ولكن متى يكون المرء مستقلا؟. يكون عندما لا يدخل المرء طرفا في مشاريع تتبناها هذه الجهات أو يتحول إلى جزء في صناعة قرار هذه الجماعات والاتجاهات. ليس كل من ينتمي لهذه الاتجاهات هو في الأساس مدرك لما تتبناه من أفكار. * إلى أي مدى يشكل انتماء الشاعر للمؤسسة التعليمة الرسمية نوعا من الحاجز الذي "يمنعك ربما من قول كل ما ترغبين قوله.. شعرا"؟ - من جهة نعم و أخرى لا. هذه المؤسسة عودتني كيف أنسى أنني شاعرة عندما أتواجد بداخلها، فأنا داخل عملي أكاديمية تماما. أجل هنالك نوع من الحاجز الذي يمنع ليس لأنني انتمي للمؤسسة التعليمية وإنما لأنني امرأة في هذا المجتمع؛ فأنا لست قادمة من المريخ وإنما ابنة هذا المجتمع. فالمؤسسة الاجتماعية تمارس سلطتها علينا ومن ينكر هذا الشيء كمن لا يرى بشكل صحيح. أما من يريد أن يقوم بكسر صدامي مع الواقع فلا أتصور أنه سيصل إلى نتائج سليمة. * ولكن هنالك كثيرون دخلوا الشعر من نافذة التمرد على اعتبار أنه مساحة للتمرد أيضا؟ - أجل يتضمن الشعر كثيرا من التمرد على أمور كثيرة في الحياة؛ ولكن هذا التمرد يجب أن يكون بوعي وإلا أصبح بلا جدوى، ففي النهاية هذا الشاعر إنسان يعيش في وسط اجتماعي. لذا على المتمرد أن يكون تمرده تمرد بناء وليس هدم؛ كأن يقول: انه لا يكون شاعرا إلا بالتكسير والمصادمة. هذه لغة وأسلوب أصبحا من الماضي. أفهم التمرد في الشعر بأنه بناء رؤى جديدة تهدم وتزيح الصور والرؤى والقوالب القديمة والبالية بكل هدوء وأناقة. * وهل الشعر قادر على الهدم وإزاحة الصور القديمة؟ - الشعر الحقيقي قادر بالتأكيد.. الشعر القائم على مشروع وليس قصائد متفرقة هنا أو هناك. * إجمالا من يقرأ شعرك يعرف أن التمرد ليس من الموضوعات الرئيسية في شعرك؟ - هذا الأمر صحيح وغير صحيح وحتى في حياتي العادية أنا لا أميل للتمرد.. فأنا متلازمة مع شعري، لا أنفصل عن قصيدتي أبدا ولا أحب أن ينفصل الشعراء في سلوكهم عن قصائدهم. لذا أقوم بعملية توازن بين سلوكي وقصيدتي ولا أنفصل عن نصوصي إطلاقا. اسمي نفسي أنني متمردة على ما يستحق التمرد عليه بنبرة أكثر وعيا؛ ولأدعي، ربما أكثر عمقا وليس بهذه السطحية والقشرية التي تعيدنا للفرقعات والضجيج والصخب الإعلامي. * كيف تنظرين وتقيمين النشاط الشعري والأدبي والثقافي داخل الجامعات المحلية؟ - أرى الثقافة تمضي في مسرب والجامعات في مسرب آخر؛ إلا أن عليهما أن يلتقيا. والزواج المشروع بين الثقافة المعاصرة والجامعة لا بد أن يتم؛ فبدون الثقافة أهداف الجامعة كمؤسسة تعليمية لن تكتمل. وكذلك الثقافة. فبين النوادي الأدبية والجامعات مثلا، لا نجد هذه الصلة التي تذكر؛ لذا على الجامعات أن تنفتح أكثر على الأندية الأدبية وعلى كافة المشتغلين بالأدب والثقافة لتزويد الطلبة بماهو أكثر حيوية وتفاعلا. وهنا لا ألوم النادي أو الجامعة وإنما هنالك حلقة مفقودة بين المؤسستين.. لا شك أن حضور وتواجد شخصيات إبداعية وأدبية وثقافية في الجامعة سيترك أثرا طيبا ومثمرا بين الطالبات وهو ما نفتقده للأسف على مستوى عموم الجامعات. هنالك بعض الحالات و التجارب إلا أنها تحتاج إلى تعميم أكبر بين الجامعات. * هل تقرأين لأصوات نسائية شعرية جديدة؟ - عندنا؟!.. لا أعرف لماذا الأصوات النسائية قليلة لدينا. ولكن افرح عندما أقابل واقرأ لصوت شعري جديد. وتَذكر أنني أيضا لا أزال في البداية وكلنا في النهاية.. جدد! * أنت بدأتِ نشر الشعر في العام 1996؟ - بدأت عندما كنت في المرحلة المتوسطة. غير أن البدايات الفعلية والتي صاحبتها مشاركات شعرية كانت في أواسط التسعينيات (1995) و في (1996) كانت أول مشاركة خارجية لي في (أبوظبي). ومنذ ذلك العام بدأت التعامل الحرفي مع الكتابة والإعلام. * ولكن طوال هذه السنوات لم تنشري سوى ثلاث مجموعات شعرية.. لماذا؟ - صحيح هذا الأمر. تعرف أن من الفترة الأولى التي بدأت فيها الشعر، هنالك قصائد عديدة هي في الحقيقة ديواني الأول؛ وللعلم أن ديواني الأول الموجود في المكتبات ليس هو ديواني الأول؛ لدي ديوان أول ومجاز من "الإعلام" وكان سيصدر من نادي أبها الأدبي، وقتها.. وكان ديوانا عموديا تضمن أيضا بداياتي في التفعيلة كما أتذكر في قصيدة "رذاذ المطر". * ولماذا لم تنشري هذا الديوان؟ - أردت أن أتمهل لأني اعتقدت أن بالإمكان ان أنجز ما هو أفضل منه ولكنني حرقت مرحلة للأسف وأضعتها وهذه تؤرخ لمرحلة بدايتي في الكتابة الشعرية إلى سنواتي في الجامعة (البكالوريوس). أفكر جديا أن أعيد نشر هذه المجموعة في الفترة القادمة. * ولكن هنالك شعراء ألقوا بشعر بداياتهم في سلة المهملات لأنهم وجدوا أنها لا تجتاز الشرط الفني للكتابة، كما اعترف لنا قاسم حداد في حوار سابق؟ - لو كنت سأتخذ هذا الأسلوب، لرميت قصائد منشورة في دواويني الحالية. ليس هذا سبب عدم نشري لقصائد البدايات، فأنا احتفظ بنصوصي حتى ولو لم أكن راضية عنها. * ولكن كتابة الشعر ليست فقط تدوين للمشاعر بقدر ما هي صنعة تستوجب توفر الشروط الفنية للكتابة الإبداعية الشعرية؟ - بالتأكيد ولكن متى نعرف أننا استوفينا الشروط الفنية.. هذا لا يحدث بعيد الانتهاء من كتابة النص لأننا نكون منبهرين به ونعيش حالة النشوة معه ولكن بعد مدة عندما نعود إلى النص نرى أنه ينقص هذا الجانب أو ذاك. وكذلك مع كتابة نص آخر.. وللأسف لن ولم يستوفي النص شروطه وقد يموت الشاعر وهو يشعر ان نصه لم يستوف شروطه الفنية. * وماذا عن مجموعتك الشعرية الرابعة؟ - موجودة وأغلب ما ينشر من نصوص جديدة لي هي من هذه المجموعة، غير أني لم أقرر حتى الآن بأن أدفع بها للنشر. * تُدرسين تحليل النصوص والأسلوب ولكن لا يوجد لديك أي نشاط في كتابة مقالات نقدية حول الشعر داخل الصحافة. لماذا؟ - اشتغل في النقد على مستوى أوراق العمل داخل القسم أو الكلية وفي بعض المؤتمرات. ففي كل فصل دراسي يجب أن نقدم ورقة عمل للمجلس العلمي. إذن أكتب المقالات والدراسات النقدية للجامعة أما الشعر هو لي وللحياة العامة. لذا أصر على حضوري أن يكون كشاعرة وأرفض أن يغيب شخصيتي الشعرية؛ عملي الأكاديمي. تريدُ القول ان هنالك شعراء لم يؤثر بهم النقد وبقي الأسم الشعري هو البارز، أقول لك: لا، فتصوري الشخصي يستحيل الجمع بين إبداع في القصيدة وإبداع مرتجى في كتابة النص النقدي. أجل هنالك من يرى في أدونيس النموذج الناجح في الجانبين. ولكن كرأي شخصي: احترم أدونيس كشاعر ولكن كما أراه هو ناقد ومفكر في المقام الأول. انظر، النص الشعري له متعة وبهجة، لا يكفي أن تقرأه بعقلك كما هو الحال مع شعر أدونيس الذي اقرأه بعقلي مع غياب متعة تلقي النص الشعري. فانا لا اشعر أنني أمام نص شعري أقول بعد إتمامه.. "الله"؛ وطبعا ليس من الخطأ أو العيب أن نقول: "ياسلام".. "الله" وهذه أول علامات الدهشة. * إلى أي مدى يؤثر التيار والإجماع الشعري السائد على خياراتك كشاعرة في التحول من شكل إلى شكل كتابي آخر كأن تنتقلي من القصيدة العمودية إلى التفعيلة وهكذا؟ - لا اكترث كثيرا بالتصنيفات الشعرية ولا يعنيني ما يذهب إليه ما اسميته بالتيار الشعري. ما يهمني هو أن تكون القصيدة شعرا وليس الاعتناء بالشكل المسبق للكتابة على حساب روح القصيدة. اجل هنالك موجات في كتابة الشعر وقد تأخذ شكلا رؤيويا كموجة قصيدة النثر ولكن يجب أن لا نفصل التيارات الحديثة عن سياق تاريخ تطور الشعر العربي، وأن نكون أقل تعصبا في التعاطي مع الأشكال الشعري المقترحة. ولكن أيضا هنالك مشكلة مع قصيدة النثر بسبب الاستسهال الحاصل في التعاطي مع هذا الشكل من الكتابة الذي كل من أراد أن يكون شاعرا حرق المراحل ودخل إلى قصيدة النثر. * تريدين القول أن ثمة "سوقا سوداء" لقصيدة النثر؟ - أجل، بالضبط.. ليس بسبب من نظر وكتب لها من الشعراء الجادين وإنما بسبب من فهمها بشكل سطحي وسهل على أنها قصيدة منفلتة من كل شيء؛ متغافلين أن قصيدة النثر تملك إيقاعا داخليا وبها تكثيف للغة وصورة مبهرة ودهشة ولحظة مفاجأة و فيها الاشتغال الخاص على العنصر الدرامي أيضا. * من خلال قراءتي لمتفرقٍ من أشعارك، لاحظت أن ثمة قاموس أزهار وحدائق "جنائنية" وعوالم متنزهة داخل مجموعاتك الشعرية؟ - أجل صحيح. هل تصدق أنك أول من يقول لي هذه الملاحظة ويلتفت إلى هذا الأمر من بين من قرأ شعري؛ هنالك من التفت إلى المطر أو الماء في دواويني ولكن لم يلتفت أحدٌ من قبل لما أنا ملتفتةٌ إليه وأقوم بكتابته. * حسنا.. ولكن من أين لك كل هذا العالم المزهر.. داخل النص؟ - من روحي التي اشتغل عليها كثيرا. أنا أحب أجواء الحدائق وعوالمها العبقة. ولكم تأسرني الأزهار والورد في المتنزهات. في الحياة العادية لا أميل كثيرا لأجواء البحر رغم إنني ابنة الساحل. هنالك مسألة أخرى وهي أن الوقت الكبير الذي قضيته في انجلترا ساهم في انفتاحي على هذه المناخات المزهرة.. الآن اشتاق لحديقة بعينها هناك، ولحدائق في مدن صغيرة وفي الضواحي اللندنية. كذلك الحدائق الكبيرة في لندن ك"هولند بارك" الموثقة اسما وذكرى في إحدى قصائدي وهي قصيدة "صباحك سكري". أحبُ جدا أجواء الورد وروحي كم تصفو عندما أكون في تلك الأماكن. * ألا يعيدك هذه القاموس الزهري إلى مرحلة الكتابة المبكرة لتلك الطالبة المراهقة المتعلقة بالورود كماهو معتاد؟ - لا، لم أنشغل بالكتابة عن الورد في تلك الفترة. أعتقد أن الكتابة بهذه اللغة مرتبطة بالنسبة لي بمرحلة النضج الفكري. عندما بدأت أتلمس شفافية النور في كون الله. عبر الاتصال بالطبيعة والكائنات. بعيدا عن ذاتي والمشاهدات العادية اليومية وربما قراءتي المبكرة للشعر الأندلسي أيضا فتحت روحي ووعي على تلك الأجواء التي أسميتها أنت بالحدائقية. * متى تكتبين الشعر.. هل عبر الاستجابة للحمى الشعرية أو من خلال استحضار فكرة تستدعي أدواتها التي تحتاج إلى بحث واستعداد؟ - أكتب في لحظة "الحمى" الشعرية. هناك من الشعراء من يذهب إلى تدريب قلمه، ومعه حق، حتى لو لم ينشر النص. التدريب مهم جدا للكاتب، والممارسة الكتابة الشعرية ضرورية لأن هجر الكتابة مدة طويلة في انتظار لحظة "الحمى" المفصلية الحاسمة.. قد يؤدي إلى ضعف أدوات الكتابة لديه؛ لذا، إذا لم تطور الكتابة حتى ولو بنصوص لم تكتمل، عليك تطويرها بطرق أخرى. أيضا هنالك القراءات والمشاهدات، حتى أن مشاهدة فيلم مهم – كما يحدث معي شخصيا في مشاهدة أعمال سينمائية مهمة – أو الاقتراب من بيئات جديدة عبر السفر الذي الذي اجد فيه تطوير للتجربة وعمل تراكمات في المشَاهَدِ و المقروء والمسموع الذي يعتمل بداخلي ليولد لدي لحظة الحمى والتي عندما تأتي، لا يصبح لديك مجال آخر، فإما أنت أو النص. * هنالك هجرات متزايدة من "الشعر" إلى "الرواية" هل فكرت في صعود هذا الركب وأن تكتبي روايتك أولى؟ - لا، وهل أتممت مشروعي الشعري حتى أبدأ الرواية. (بانفعال تعلق) هل عملت شيئا يستحق حتى أقول انني سوف أذهب إلى غيره. انني أعمل بيدي وكل جوارحي ووعي بالقصيدة كي أخرج منها بشيء. الأمر الآخر أن كثيرا من الكتاب لا يكتب رواية وإنما سيرة ذاتية؛ بخلاف الفن الروائي الذي يقوم على أسس وشروط فنية. لذا لست في صدد كتابة سيرتي الذاتية أبدا. * ما رأيك بتصنيف الشعراء.. أدونيس مثلا اختار ثلاثة أصوات كأفضل شاعرات عربيات؟ - لست مع أفضل وأول وأكبر ولكن في النهاية هي آراء خاصة حتى لو كان هو أدونيس أو القصيبي من قالها وكل إنسان حر في أن يقول ما يعجبه ويراه. أما أنا فأهرب من الإجابة لو سألتني من هو أفضل أو أول..الخ. * ذكرت الراحل القصيبي.. هنالك من استهجن ولم يعجبه تصنيفه لك كأفضل شاعرة عربية، بل وثمة من ربط بين رأي القصيبي فيك بمعرفته الشخصية بك؟ - هذا الأمر ليس دقيقا، في لندن كنت طالبة وقد حظيت باحترام وتقدير السفير الراحل؛ كطالبة وشاعرة سعودية قامت بنشاط شعري في الملحقية الثقافية بلندن عام (2000). ومنذ مرحلة دراستي في لندن لم ألتق الدكتور القصيبي؛ وقد أدهشني أن الدكتور، لا يزال يتابع شعري عندما صرح في العام 2008 برأيه الذي ورد في سؤالك، والذي جاء قبل عامين من رحيله. الأمر الآخر أن الشاعر القصيبي رجل حكمة وإدارة ومسؤولية، لا يمكن أن يتفوه بكلمة من باب المجاملة أو الحديث العابر. * هل أزعجك تعليق البعض ضد رأي القصيبي فيك؟ - لا، ليس شيئا خاصا ما يزعجني وإنما لأننا لا نجيد العمل بروح الفريق. عندما يختار القصيبي أشجان أو أي شاعرة سعودية كأفضل شاعرة عربية موجودة، فإن هذا رصيدٌ وطني يحسب للشاعرات السعوديات والأدب السعودي ككل وليس لهذا الفرد أو ذاك. ولكن للأسف نحن نكسر بعضنا عوض أن نتقوى ببعض. ولأني أرى أن اسم وطني اكبر من اسمي. * أشجان.. إلى أي مدى للرجل سلطة عليك؟ - إلى المدى الذي تسمح به الطبيعة البشرية والأعراف الطبيعية ولا اقصد هنا بالأعراف العادات و التقاليد. أنا لا أؤمن بالمساواة لسبب بسيط هو أنني لا أشعر بالنقص أمام الرجل حتى أطلب منه المساواة؛ افهم أن العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تكاملية وفي العلاقة التكاملية لا يوجد أعلى وأدنى! * على ذكر المساواة بين الرجل والمرأة.. ثمة دعوات نسائية لمشاركة المرأة في الانتخابات البلدية المقبل؟ - "الله يقويهم". أمرٌ مثل هذا يفضل فيه اخذ رأي المرأة، وهي مسألة موجودة في ديننا وعاداتنا الأصيلة. ولا اعتبرها من نتاج الثقافة الحديثة وإنما عودة لعادة من التراث الديني والعربي الأصيل، حيث كانت المرأة تقف قبالة الصحابي أو الخليفة لتطرح رأيا هنا أو أمرا هناك. وبالتالي مشاركة المرأة هي ما يجب أن يكون، ولكن لأننا انقطعنا عن تراثنا وماضينا اعتقدنا أن مشاركة المرأة من منتجات العصر الحديث. د. غازي القصيبي