تربط تركيا مصادقة برلمانها على بروتوكولات تطبيع العلاقات مع أرمينيا بانسحاب القوات الأرمنية من الأراضي الأذرية حول إقليم قره باخ. والربط هذا يحمل الرئيس الأرمني، سيرج سركيسيان، على التفكير ملياً في سحب توقيع بلاده على المعاهدات الموقعة. والسبب في إعادة النظر في تطبيع العلاقات بسيط. فالمعارضة الأرمنية، ومعها اللوبي الأرمني في الخارج ترى ان الرئيس الأرمني خُدِع، وانطلت عليه حيلة تركية. فهو لم يحصل على شيء لقاء توقيع تلك البروتوكولات. وثمة قرائن على أن سركيسيان قد يتراجع عن التطبيع مع تركيا، إذا لم يصادق البرلمان التركي في آذار مارس القادم على المعاهدتين اللتين وقعهما وزيرا خارجية البلدين في تشرين الأول اكتوبر الماضي. وقد يخلص سركيسيان الى أن تركيا أخلت بوعودها، وأدارت ظهرها للمصالحة والتطبيع، وترمي الى كسب الوقت فحسب. فعلى رغم ان البروتوكولات الموقعة لا تذكر اقليم قره باخ، يعلن رئيس الوزراء التركي، رجب طيب اردوغان، أن البرلمان التركي لن يصادق على المعاهدات الا بعد حصول تقدم في موضوع قره باخ. وموقف اردوغان غير منصف ويفتقر الى المنطق. وهو يشبه موقف الاتحاد الأوروبي الذي تنتقده تركيا. فالاتحاد يطالب تركيا بفتح موانئها أمام السفن القبرصية قبل أن يفي الاتحاد بوعده رفع الحصار الاقتصادي عن شمال قبرص التركية. ففي كلتا الحالين، يُربَط الوفاء بالوعود السياسية بتطور سياسي معين يفرضه الطرف الآخر فجأة بعد الاتفاق. ويرى كثر في تركيا أن ثمة أوجه شبه بين إحالة البروتوكولات هذه الى البرلمان التركي وبين اتفاق دخول الحرب على العراق الى جانب أميركا. والاتفاق هذا نقضه البرلمان في الأول من آذار 2003. فالحكومة التركية استعجلت، والتزمت وعوداً لا يستهان بها أمام الرأي العام الدولي من غير أن تكون على ثقة من قدرتها على الوفاء بالتزاماتها. ولا شك في ان رهن تركيا المصادقة على البروتوكولات بموافقة البرلمان غير منطقي. فالحكومة لم تستشر البرلمان عندما قررت الاعتراف باستقلال كوسوفو، وأنشأت علاقات ديبلوماسية بها. وهل يعقل أن تخشى تركيا، وهي الدولة القوية، رد أذربيجان، وهي الأخ الأصغر، الى هذا الحد؟ وترى أرمينيا أن تركيا توسلت حيلة ديبلوماسية للحؤول دون اعتراف ادارة الرئيس الأميركي، باراك اوباما ومجلس الشيوخ، بمذابح الأرمن. فتركيا لا تريد تطبيع العلاقات بأرمينيا. ويتنامى شعور الأرمن بأن واشنطن خدعتهم. ويبدو أن أنقرة بادرت الى اقتراح مشروع تطبيع العلاقات، وتلقفت ادارة اوباما الاقتراح من أجل تجنب أزمة ديبلوماسية بين البلدين في مطلع ولاية الرئيس الأميركي. ولا ريب في أن واشنطن تولي مسألة أرمينيا مكانة عالية. ولكنها غلبت كفة علاقاتها بتركيا في وقت يحارب الجيش الأميركي بأفغانستان والعراق. وقد تمهل واشنطنتركيا عاماً آخر للوفاء بوعودها. والمهلة هذه تحتاج اليها واشنطنوأنقرة، على السواء. وخرج سركيسيان خالي الوفاض من المناورة التركية، وأسهم في تخفيف الضغط الأميركي على تركيا. وقد يحسب بعضهم أن تركيا كسبت معركة ديبلوماسية. ولكنها، في المدى البعيد، قد تخسر اكثر مما تربحه اليوم. وإذا كانت تركيا تريد فعلاً طي صفحة الماضي، وتعويض الأرمن ما عانوه سابقاً، فالتطبيع مع دولتهم، وبناء علاقات جيدة مع الأجيال القادمة، هو السبيل الوحيد للتغلب على أوجاع الماضي. والحيل الديبلوماسية لا تدمل جروح الماضي. *"طرف"التركية، 3 /1/ 2010 نشر في العدد: 17078 ت.م: 2010-01-06 ص: 26 ط: الرياض