بعد عشرة أيام حافلة بالنشاطات والفعاليات المسرحية والفنية والاجتماعية والترفيهية المنوعة اختتمت في 22 كانون الثاني يناير الجاري، فعاليات مهرجان الفجيرة الدولي الرابع للمونودراما الذي غدا علامة بارزة في الإمارة الطامحة إلى تكريس أجواء محفزة ومنشطة للفعل الإبداعي الفني بما يعكس صورة حضارية وعصرية عنها. فعلى رغم احتفائه بالشكل والمظاهر الاحتفالية والبروتوكولية، خصوصاً في حفلتي الافتتاح والختام كأي مهرجان فني، إلا أن أولوية مونودراما الفجيرة تبقى لإيصال رسالة مسرحية ممتعة وهادفة عبر تقديم عروض إبداعية وإنسانية لا تتوخى الكسب المادي وحصد الجوائز الطائلة بقدر حرصها على تقديم أعمال تلامس أوتار الخير والجمال في نفوس المتلقين. وكما هو معروف، فإن فن المونودراما يعتبر أحد أرقى الفنون المسرحية وأصعبها، كونه يعتمد على ممثل واحد مع ما يقتضيه ذلك من قدرات تمثيلية وتعبيرية فائقة ومن تكثيف لكافة خيوط اللعبة الدرامية وخطوطها واختزالها في شخصية واحدة. ولا شك في أن الاهتمام بهذا النوع الفني عبر مهرجان الفجيرة الدولي من شأنه توسيع آفاقه ومساحاته في فضاءات الفن والمسرح خليجياً وعربياً، بما يحفز الحركة الفنية والثقافية بعمومها. إذ ليس سراً أن المسرح هو أبو الفنون، فالمهرجان يندرج في سياق حرص دولة الإمارات على الاهتمام بمختلف ميادين الفن والثقافة وحقولها مسرحاً وسينما ودراما وشعراً ورقصاً وموسيقى ... بما يحقق الارتقاء بالذائقة الفنية والجمالية للمجتمع الإماراتي والعربي عموماً وتوسيع آفاق التبادل والتثاقف والتفاهم بين مختلف شعوب المعمورة من بوابات الفن. فتحْتَ سماء الفجيرة اجتمعت خلال مهرجانها المونودرامي ثقافات ونتاجات مسرحية منوعة من أميركا واليابان إلى الإمارات وتونس ومن روسيا وسويسرا إلى السعودية والبحرين... وفي كل عام تنظم عشرات المهرجانات والملتقيات الفنية والإعلامية والثقافية والفكرية في طول الإمارات وعرضها، من أبو ظبي ودبي وصولاً إلى الفجيرة، ما ينعكس إيجاباً على مجمل الحراك الثقافي والمعرفي في المجتمع الإماراتي والخليجي عموماً. وشهد المهرجان مشاركة واسعة لمختلف بلدان الخليج وفنانيها، حتى بات منصة لتلاقي وتلاقح مدارس واتجاهات مسرحية وفنية مختلفة، وهذا من شأنه إغناء المشهد المسرحي في مختلف دول الخليج العربي وتزخيمه ورفده بخبرات ومعارف عربية وعالمية متنوعة. فالطابع الدولي للمهرجان لا يقتصر على الاسم فقط، بل يستقطب عشرات الفنانين العالميين ويعرض الكثير من الأعمال والنتاجات المسرحية المونودرامية من أنحاء العالم. ولا يقتصر المهرجان على الإطار المحلي الإماراتي أو حتى الإقليمي الخليجي والعربي، بل غدا مناسبة عالمية مرموقة لها حضورها ومكانتها في خريطة المهرجانات الدولية المسرحية. وتكفي الإشارة في هذا الصدد إلى حجم المشاركة الدولية الفاعلة في الدورة الرابعة للمهرجان عبر الهيئة الدولية للمسرح التابعة لمنظمة"يونيسكو"ورابطة كتاب المسرح الدولية ورابطة الممثل الواحد الدولية ومجموعة الاتصال المسرحي الاميركية التي تضم في عضويتها 450 مؤسسة فنية أميركية ومؤسسة كنيدي للفنون الاميركية ومهرجان فارنا البلفاري، فضلاً عن مدراء وممثلي الكثير من المهرجانات المسرحية من مختلف دول العالم حيث وقعت هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام بروتوكولات واتفاقات شراكة وتعاون مع عدد من هذه الهيئات والمهرجانات الدولية، ما يؤشر إلى المكانة المتقدمة التي بات يحظى بها المهرجان في دورته الرابعة، الأمر الذي يؤمل أن ينعكس في دوراته المقبلة نحو مزيد من التجدد وبث ثقافة حب الحياة وتذوق الفنون وفي مقدمها الفن المسرحي. وهذا ما دفع المجلس التنفيذي للهيئة الدولية للمسرح خلال اجتماعاته على هامش المهرجان إلى اختيار الفجيرة مقراً ثانياً له بعد باريس، في خطوة لا تخفى دلالاتها لجهة تعزيز التواصل والتبادل المسرحيين بين الغرب والشرق والشمال والجنوب. نشر في العدد: 17097 ت.م: 25-01-2010 ص: 35 ط: الرياض