قدم الاتحاد الأوروبي دعماً لتونس من أجل تحديث قطاعات الإعلام والقضاء والتعليم العالي والصناعة والثقافة... وسواها من القطاعات، تنفيذاً لاتفاق الشراكة الذي توصل إليه الجانبان عام 1995. وشكل مشروع تحديث الإعلام أحد الملفات الساخنة التي أثارت جدلاً واسعاً في شأن تطوّره وطريقة إدارته ونتائجه، ربما لحساسية القطاع الكائن على مفترق كبير بين رياح السياسة وضوابط المهنة. كانت تونس أول بلد من الضفة الجنوبية للمتوسط وقّع اتفاق شراكة مع الاتحاد في أفق إنشاء منطقة أوروبية متوسطية للتبادل الحر. ويرمي المشروع الذي خُصصت له اعتمادات ب 2.15 مليون يورو، إلى تعزيز دور الصحافة المحلية في تحسين مهنية وسائل الإعلام وبخاصة صحف القطاع الخاص. وساهم البرنامج في تطوير مستوى الصحافيين والمُكونين وأصحاب المؤسسات الإعلامية بُغية إيجاد فئة جديدة من المهنيين المُجربين والمتمرّسين. جسور ودورات تدريب ركز المشروع على إقامة جسور بين الإعلاميين المحليين والمؤسسات الإعلامية العريقة في أوروبا، مفسحاً أمامهم المجال لتلقي دورات تدريبية متخصصة في بلدهم. وكان"المركز الأفريقي لتدريب الصحافيين والإتصاليين"التابع لوزارة الإعلام التونسية هو الجهة التي أدارت العملية من الجانب التونسي بالتعاون مع مركز الصحافة الأوروبية في ماستريخت ومعهد الصحافة التونسي، ما أثار انتقادات بين الصحافيين المستقلين بسبب ارتباط المركز الأفريقي بالدولة. وعلى رغم ذلك، أكدت مسؤولة الإعلام في سفارة المفوضية الأوروبية في تونس ستيفاني كاريت أن أكثر من أربعمئة صحافي وصحافية شاركوا في دورات تدريبية بمن فيهم عاملون في صحافة القطاع الخاص ومطبوعات مستقلة. وسافر 63 صحافياً في إطار البرنامج إلى مركز الصحافة الأوروبية في ماستريخت للمشاركة في دورات تكوينية أو تلقوا دورات تدريبية في وسائل إعلام أوروبية نظمها المركز. وأرسل صحافيون تونسيون إلى أوروبا لتغطية أحداث مهمة لحساب مطبوعاتهم في إطار البرنامج، فيما تلقى آخرون تدريباً في"المركز الأفريقي"في بلدهم. وتوزعت الدورات السنوية على محاور عدة، بينها التحقيقات الصحافية والإخراج بواسطة الكومبيوتر والتصوير الصحافي وإدارة المؤسسات الإعلامية، وشمل البرنامج خريجي"معهد الصحافة"التونسي العاطلين من العمل الذين أعطوا فرصاً لتلقي دورات تدريبية متخصصة تُسهل حصولهم على عمل. كما استفادت فئة أخرى من الدورات، وهي فئة المُكونين الذين تلقوا تدريباً مكثفاً كي يساهموا لاحقاً في تكوين الإعلاميين. واستفادت مؤسسات إعلامية محلية من المساعدة الأوروبية لمعاودة توزيع مواردها البشرية وتحقيق الاستفادة القصوى من كفاءاتها. وأكد صحافيون كُثر تحدثت إليهم"الحياة"أنهم استفادوا من الدورات التدريبية التي تلقوها في المركز، لكن عاملين في صحافة المعارضة شكوا من كون مشاركتهم كانت محدودة. وأفاد حاتم شعبوني، أحد المسؤولين في صحيفة"الطريق الجديد"الناطقة باسم الحزب الشيوعي سابقاً "حركة التجديد"حالياً، بأن لا أحد من العاملين في الصحيفة أعطي فرصة للمشاركة في الدورات التدريبية. أما محمد الحمروني، المحرر في صحيفة"الموقف"، فأكد أنه الصحافي الوحيد من هذه الأسبوعية المعارضة الذي أتيحت له فرصة المشاركة في دورة خُصصت للتدريب على سكرتارية التحرير. لكن مسؤولاً في صحيفة حكومية، فضل عدم ذكر اسمه، عزا قلة عدد المشاركين في الدورات من العاملين في الصحافة المستقلة والمعارضة إلى كون غالبية الصحافيين في البلد يعملون في مؤسسات إعلام رسمية، وخصوصاً"وكالة الأنباء الرسمية"ومؤسستي الإذاعة والتلفزيون وصحيفتي"لابراس"و"الصحيفة"الناطقتين باسم الحكومة. ورأى أن البرنامج أتاح لمؤسسات محلية عدة تقوية بنيتها الإدارية والمالية وتحسين أساليب الإدارة. كذلك حصل"المركز الأفريقي"على تجهيزات متطورة، مثل مكتبة متخصصة وعدد من التجهيزات للتدريب على البث الإذاعي والتلفزيوني نقلته إلى العصر الرقمي، بالإضافة إلى إنشاء موقع الكتروني خاص بالمركز. ثلاثة إخفاقات أثار المشروع جدلاً كبيراً داخل تونس طيلة سنوات تنفيذه بين المستفيدين منه، وهم كُثر، وأولئك الذين لم تُتح لهم فرص الاستفادة من برامجه. وإذا كان الاتجاه العام في الجانب الأوروبي كما في التونسي يميل إلى إبراز إيجابيات المشروع على اعتبار أن وجوده أفضل من عدمه، كونه أعطى فوائد للإعلام المحلي. علماً ان أكثر من 400 صحافي شاركوا في تلك الدورات التدريبية، بمن فيهم عاملون في صحافة القطاع الخاص ومطبوعات مستقلة. وسافر 63 صحافياً في إطار البرنامج إلى مركز الصحافة الأوروبية في ماستريخت للمشاركة في دورات تكوينية، أو تلقوا دورات تدريبية في وسائل إعلام أوروبية. لكن هناك اعترافاً في الأوساط الرسمية في تونس بأن البرنامج أخفق في ثلاثة مستويات: - لم يتمكن من إنشاء موقع الكتروني لجمعية الصحافيين التونسيين التي كانت أحد الشركاء في المشروع، قبل حلها وتحويلها إلى نقابة للصحافيين. - لم يُحقق إنشاء ناد للصحافة في إطار الجمعية، مثلما كان مقرراً، ولا في إطار النقابة لاحقاً. - لم يُساعد في إقامة ناد افتراضي للحوار بين الإعلاميين التونسيين. كذلك لم يُتح البرنامج أيضاً لكثير من الصحافيين الذين تحفظت السلطات عن مشاركتهم الاستفادة من المشروع، فحُرموا من تلقي تدريب في المركز الأفريقي أو المشاركة في دورات في أوروبا أو حتى في تونس.