أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس، عودة فرنسا الى القيادة العسكرية لحلف شمال الأطلسي، للمرة الأولى منذ قرار سلفه الراحل الجنرال شارل ديغول الانسحاب منها قبل 43 سنة، متمسكاً باستقلالية فرنسا الاستراتيجية عبر امتلاكها قوة ردع نووية. ولم يسحب ديغول بلاده من عضوية الهيكلية السياسية للحلف. وانتهز ساركوزي أمس، فرصة اختتام ندوة عقدت في إطار الكلية العسكرية في باريس، ليعلن رسمياً القرار الذي اتخذه العام الماضي. ويبدو أن ساركوزي الذي حرص منذ انتخابه رئيساً على التقارب مع الولاياتالمتحدة، مقتنع بأن عودة فرنسا الى القيادة العسكرية الأطلسية تمكّن بلاده من دفع مصالحها على الساحة الدولية، وتعزيز تأثيرها في دفع التغيير داخل الحلف، وفي الوقت ذاته، استعجال وضع سياسة دفاع أوروبية. في المقابل، أقنع ساركوزي واشنطن بتخصيص موقعين قياديين في الحلف لضابطين فرنسيين، بعدما اقتصر شغلهما على الأميركيين، أحدهما قيادة منطقة لشبونة حيث مركز قوة التدخل السريع ل"الأطلسي"، والثاني في نورفولك فيرجينيا يعنى بالتغييرات في الحلف. ويستند قرار ساركوزي العودة الى القيادة العسكرية في الحلف الى خلفية قرار الرئيس السابق جاك شيراك حول عودة فرنسا الى عضوية الحلف، لكن هذه العودة لم تكن كاملة لأنها لم تشمل القيادة الموحدة. وقال ساركوزي:"حان الوقت لإنهاء هذا الوضع، ففي ذلك مصلحة لفرنسا وأوروبا". وأضاف:"في نهاية هذا المسار الطويل، ستكون فرنسا أكثر قوة وتأثيراً. لماذا؟ لأن الغائبين دائماً على خطأ، وعلى فرنسا أن تشارك في القيادة، لأن علينا أن نكون في المكان الذي تُتخذ فيه القرارات والمعايير، بدل ان ننتظر في الخارج إبلاغها إلينا. مع دخولنا، سيكون لنا موقعنا بين القيادات الحليفة الكبرى، وسنحافظ على قوتنا المستقلة للردع النووي". وسيُعرض نص قرار العودة الى قيادة الحلف، على الجمعية الوطنية الفرنسية البرلمان للحصول على ثقة النواب. وأشار استطلاع للرأي العام الى أن 52 في المئة من الفرنسيين يؤيدون عودة باريس الى القيادة العسكرية ل"الأطلسي"والتي اتخذ ديغول قرار الانسحاب منها عام 1966، لأنه اعتبر أن الحلف يعتمد أولويات واشنطن. وسعى الرئيس الراحل الى انتهاج"طريق ثالث"بين الإدارة الأميركية والاتحاد السوفياتي في حينه. وقابلت المعارضة الاشتراكية قرار ساركوزي بتحفظ، معتبرة أنه يُفقِد فرنسا استقلاليتها، كما قال النائب جان مارك ايرو. كما انتقد الرئيس السابق للحكومة دومينيك دوفيلبان القرار، معتبراً انه سيسبّب مشاكل لفرنسا، خصوصاً في ظروف مماثلة لتلك التي واكبت معارضة باريس للحرب على العراق. أما الرئيس السابق للحكومة آلان جوبيه فتساءل في مقال نشرته صحيفة"ليبراسيون"أمس، هل من مصلحة فرنسا العودة عام 2009 الى القيادة العسكرية للحلف. وقال إن أحداً لا يعرف كيف كان ديغول ليجيب عن هذا السؤال اليوم، ولكنه كان اتخذ قراره وفقاً للمصلحة الوطنية. وزاد جوبيه الذي ترأس الحكومة في عهد شيراك، أن التقارب بين فرنسا والحلف الأطلسي بدأ في عهد الرئيس السابق الذي حدد شرطين، يقضيان بتقاسم عادل للقيادة بين الأميركيين والأوروبيين، وتعهد الشركاء الأوروبيين بإطلاق سياسة أمن ودفاع أوروبية. وتأخر مسار ذاك التقارب نظراً الى عدم توافر الشرطين. واعتبر جوبيه أنه ينبغي النظر بعمق وحذر الى هذا الموضوع، والتساؤل هل الإدارة الأميركية مستعدة لتقاسم حقيقي للمسؤوليات العسكرية ضمن الحلف الأطلسي؟ أما الدفاع الأوروبي، فقال جوبيه إنه لا يزال أمامه طريق طويل ينبغي اجتيازه لتكون له صدقية. نشر في العدد: 16778 ت.م: 12-03-2009 ص: الاولى ط: الرياض