للموّال في الأغنية العربية، سواء باللهجة اللبنانية أو المصرية أو الخليجية أو المغاربية، أصول وأُسس وتقنيات ينبغي توافرها في أي حنجرة يريد صاحبها أو حاملها إنشاده. بمعنى أن أي غناء"فالت"، أي غير إيقاعي، محكوم بمجموعة من المعايير الأدائية الصعبة التي لا تستطيع تحمّلها الأصوات العادية، وحتى الأصوات الجيدة أحياناً، ومن تلك المعايير القدرة على الإمساك بذبذبات الصوت وحركاته والانتباه بدقة الى كل نوتة تُغَنّى، فكأن الموّال هو حبل مشدود من ناحية الى أخرى بقوة، وعلى مَن يريد السير عليه أن يكون صلباً شديد التركيز والوعي لما يفعل، وإلا فإنه يفقد توازنه ويقع. في تاريخ الغناء العربي، هناك أسماء كبيرة جداً نجحت في الاستحواذ على إعجاب الجمهور الواسع، بأغانيها، ومستوى أدائها لتلك الأغاني المرتبطة بإيقاع واضح ومباشر يضبط حركاتها، لكنها كانت عاجزة عن أداء المواويل وحتى"الآهات"أو"الليالي"التي كانت سائدة في المراحل الماضية بين مقاطع الأغاني أو في بداياتها، لأن المواويل"حرّة"في تركيبتها اللحنية والأدائية، وتالياً فإن"متطلباتها"لا تقف عند حد... بينما تنحصر متطلبات الأغاني في الانضباط الأدائي بالإيقاع الذي بدوره يمنح الصوت سكّة تسهّل"تسليم"الأغنية للمستمع خالية من الاهتزاز. غير أن بعض المغنين والمغنيات اليوم يلجأون الى أداء المواويل وهم غير مهيّئين لها، وأصواتهم غير مسيطرة على انفعالاتها ونقْلاتها من نوتة الى نوتة أو من"مَدّة"الى مَدّة"، والمدّ الصوتي في الموال شرط لازم. من هؤلاء النجوم المغنية باسكال مشعلاني التي تحاول في بعض الحفلات الغنائية الحية تقديم بعض أبيات العتابا اللبنانية التي تخضع لشروط الموال في تقنياتها الأدائية، فينكشف ضعف شديد في التركيز الصوتي عندها، و"نشاز"لا لبس فيه، واهتزاز في السكة الأدائية. ليست باسكال مشعلاني مضطرة، لأداء أبيات العتابا، لأنها ليست قادرة، هكذا ببساطة. ومن لا طاقة له على أمر لا يلزم نفسه به خشية التعرض لنتائج سلبية، في وقت يمكن ملاحظة تقدم متميز في أداء باسكال الأغاني الإيقاعية سواء اللبنانية او المصرية نظراً لطواعية صوتها لهذه الأنواع، فضلاً عن الخبرة التي باتت تملكها في اختيار ما يناسبها من الأغاني الشعبية الراقصة أو الرومانسية أحياناً مع أفضلية أو أرجحية للشعبي الراقص لأنه أكثر أماناً لها من العثرات التي تنتظرها في غيره غالباً. نجحت باسكال في طَرْح صوتها بأغانٍ نالت استحساناً، وبعض الملحنين اللبنانيين والمصريين بات يخصها بالأغاني الملائمة لصوتها وشخصيتها، ومن غير المفيد، الاتجاه الى نوعية أخرى، أقلّه الموال بالتحديد، أو العتابا على وجه الدقة أكثر. ذلك أن العتابا اللبنانية"خطرة"ولا يكفي فيها ثبات الصوت وعدم ارتباكه فحسب، بل هناك شروط أخرى لطبيعة"المدّات"الصوتية التي ينبغي أن تحمل في ثناياها النَّفَس اللبناني الفولكلوري المحلي الذي يختلف عن أي موال مصري أو بغدادي أو شامي أو غير ذلك. ومن الضروري الإشارة الى أن كثراً من نجوم لبنان يؤدون العتابا، لكن قلة هي التي تؤديها بالشكل الصحيح، المتجذر في طبيعة تراث لبنان الغنائي الغني فنياً. فليست كل عتابا... عتابا وإن تكن قلة أيضاً من المستمعين تلاحظ ذلك أو تدركه. باسكال مشعلاني، ربما تعتقد انها غير معنية بهذه القلة التي تلاحظ وتدرك الفروقات من المستعمين لأن أغلب الجمهور لا يناقش في ما يحب من النجوم وما يكره، إلا أن اسمها الذي يتوهج حيناً ثم"يغيب"حيناً آخر ينبغي أن يفتح عينيها على حقائق العلاقة السوية مع الجمهور، فالاكتفاء بالكليبات ومدلولاتها الحسية هو نوع من المقامرة. نشر في العدد: 16730 ت.م: 2009-01-23 ص: 30 ط: الرياض