الغناء باللهجة اللبنانية، بالنسبة الى غالبية المغنين العرب، يحتاج دراية معينة في اللفظ والحركات الصوتية"الخاصة"، كأي غناء محلي في أي بلد عربي، لذلك فهو صعب نسبياً ويتحاشاه الكثيرون... الا عندما يطلب اليهم ذلك في بعض الحلقات التلفزيونية وتحديداً بعض المقابلات مع الاعلام اللبناني، ف"يضطرون"لأداء بعض الأغاني المعروفة لبنانياً كنوع من المجاملات لا أكثر. أكثر أغنية لبنانية بصوت مغن عربي نالت شهرة وانتشاراً في الماضي القريب نسبياً كانت أغنية"حبيبي نجار"للمغنية المصرية شريفة فاضل من تلحين فيلمون وهبي أواسط السبعينات من القرن الماضي. سرت"حبيبي نجار"سريان النار في هشيم الجمهور والاذاعات والحفلات الصيفية التي كانت منتشرة على امتداد مناطق الاصطياف التقليدية في لبنان. ومن يومها لم"يجرؤ"فنان عربي على دخول التجربة... حتى قررت المغنية الجزائرية وردة تقديم أغنية مصرية طبعاً هي"لبنان الحب"خلال الحرب الأهلية اللبنانية، لكن اذا بها هي والموسيقار محمد عبدالوهاب ملحن الأغنية يُدخلان في نهاية أحد المقاطع الغنائية تلك الجملة الفولكلورية اللبنانية التراثية المتمثلة في"يا ميجانا... يا ميجانا"وهي الجملة المعروف انها تسبق"العتابا"اللبنانية وتعتبر مدخلاً وحيداً لانشاد أي"بيت"عتابا من قديم الغناء اللبناني حتى اليوم... وكانت بعد ذلك محاولات محدودة الانتشار حتى اختار المغني الكويتي نبيل شعيل"حبك حبيبي مسك الختام"قبل سنوات، وصوّر لها فيديو كليب على ثلوج لبنان، من تلحين جوزف جحا الملحن اللبناني الذي شهد اسمه شيوعاً في التسعينات ثم اختفى أثره إذ قيل إنه أقام في القاهرة و"نسي"التلحين. أحسن شعيل أداء الأغنية مع"المدات"اللبنانية المحلية"الخاصة"والحركات الغنائية المضبوطة، ونالت الأغنية رواجاً شعبياً لدى الجمهور اللبناني الذي نادراً ما يسمع مغنين عرباً ينشدون أغاني لبنانية جديدة غير شائعة ومعروفة للكبار، إذ استقبل الأغنية ومغنيها بحب كبير تجلّى أكثر من مرة على لسان شعيل نفسه الذي راح يتحدث ويسهب في ما فعلته"حبك حبيبي مسك الختام"بينه وبين الجمهور والاعلام اللبنانيين من الرباط القوي والتناغم. ... وظلت هذه الاغنية وحيدة أو شبه وحيدة مع بعض المحاولات المحدودة غير الناجحة حتى كانت أغنية"بين الناس"للمغني التونسي خريج"ستار أكاديمي"أحمد الشريف، والتي كشفت مدى أثر المرحلة الزمنية الفنية التي يمضيها المشاركون العرب في لبنان في ذلك البرنامج التلفزيوني الذائع الصيت، وقوة التفاعل مع اللجهة الغنائية اللبنانية، وقد احتلت الأغنية موقعاً متميزاً في بدايته الفنية، فضلاً عن أنها قرّبت أكثر فأكثر بينه وبين الجمهور اللبناني الواسع الذي كان يتابع"ستار أكاديمي". ... حتى جاء المغني التونسي أيضاً صابر الرباعي، أخيراً، ليطلق أغنية"ع الطاير"كلمات نزار فرنسيس وتلحين صابر نفسه وهنا الخبر باللهجة اللبنانية. واذا كانت شريفة فاضل اختارت فيلمون وهبي شيخ الأغنية الشعبية في ذلك الوقت، ووردة اختارت محمد عبدالوهاب وهو المصهر الفني الواسع لجملة"يا ميجانا"ونبيل شعيل اختار جوزف جحا، وأحمد الشريف اختار الملحن سمير صفير، فإن المغني صابر الرباعي اختار صابر الرباعي الملحن لا أي ملحن لبناني ليلحن أغنية"ع الطاير"، وبالأسلوب الفولكلوري اللبناني. صحيح أنه استفاد من بعض الجمل اللحنية اللبنانية المعروفة لصياغة لحن أغنيته، لكن الصحيح أيضاً هو أنه مَلَكَ ذلك الاحساس الغنائي المحلي الفولكلوري الذي مكّنه من أن ينجز أغنية لبنانية حقيقية، معتمداً على ثقافته الفنية وذائقته الغنائية وقدراته التلحينية الجيدة. والأغنية تحظى بقبول متزايد وترحيب جماهيري لكونها تمثل تنويعاً جدياً في تجربة الرباعي الغنائية والتلحينية وتلحظ اعجاباً بالغناء اللبناني. ومع أن شريفة فاضل ونبيل شعيل وأحمد الشريف ومثلهم وردة الجزائرية قد تحاشوا جميعاً أداء"بيت العتابا"اللبناني في أغانيهم، لأنه يتطلب خصوصية أدائية دقيقة ومعقدة على رغم بساطته الظاهرة، فإن صابر الرباعي اقتحم"المحظور"وأنشد بيت عتابا في أغنية"ع الطاير"بنَفَس إدائي لبناني صحيح من الألف حتى ما قبل الياء منه بقليل إذ أن"قفلة"أداء بيت العتابا أتت مختصرة لناحية المد الصوتي. ولعل شأن الرباعي في هذه النقطة بالذات شأن وردة الجزائرية مع محمد عبدالوهاب في أداء"يا ميجانا... يا ميجانا"إذ أتت القفلة أشبه بقفلة مقطع غنائي مصري. وهذا ليس نقيصة بقدر ما هو انسياب فطري في الأداء الى حيث اعتاد صوت المغني أو المغنية الايواء"والاستقرار". يبدو ان الرباعي سيفتح خانة جديدة في من يجتذبهم الغناء باللهجة اللبنانية من نجوم العرب.