ما فتئت روسيا تؤكد منذ وصول فلاديمير بوتين الى الحكم، أنها تسعى إلى إمداد أوروبا بكامل حاجاتها من الغاز والنفط، ولم تترك منبراً أو مؤتمراً لتثبت حسن نواياها. ومع تزايد التوتر نتيجة الحرب في جورجيا وازدياد مخاوف الأوروبيين، استعادت الخطوط الروسية بعضاً من أهميتها، وراح الكرملين يروج لمخططاته الجديدة في نقل النفط والغاز إلى أوروبا، على أنها الأمثل. فالجانب الروسي اعتبر طلب آذربيجان زيادة ضخ النفط عبر خط"باكو - نوفورسيسك"إلى نحو 250 ألف طن يومياً من نحو 85 ألفاً، إشارة إلى أن الخطوط الروسية أكثر أمناً. وتطمح روسيا إلى رفع طاقة الخط المحاذي لبحر قزوين، لزيادة حجم الغاز الوارد إلى داخلها من تركمانستان وكازاخستان، وفق الاتفاق التاريخي الذي توصل إليه فلاديمير بوتين في أيار مايو الماضي عندما كان رئيساً لروسيا، ما يقطع الطريق على المشاريع البديلة. وأشار خبراء إلى أن خط السيل الجنوبي"ساوث ستريم"، على رغم تقدمه خطوات عن"نابوكو"، يمكن أن يواجه مشاكل حقيقية. فمن المقرر أن ينقل الخط ثلاثين بليون متر مكعب عبر البحر الأسود ثم يتفرع في بلغاريا إلى أنبوبين، واحد يتجه جنوباً إلى اليونان وإيطاليا والثاني عبر رومانيا والمجر وتشيخيا والنمسا إلى إيطاليا، ولا يزال في مراحله الأولى. وعلى رغم جهد بوتين الواضح، فإن دولاً مثل صربيا، لم تقر حتى الآن المشروع، وقد يواجه مشكلات فعلية في حال اعتراض أوكرانيا على مروره في مياهها الإقليمية، خصوصاً أنها تستأثر حالياً بنحو 70 في المئة من ترانزيت الغاز الروسي إلى أوروبا الغربية. ويشير خبراء آخرون إلى أن تكلفة المشروع يمكن أن ترتفع في شكل كبير، لتصل إلى ضعفي ما قدّرته الدراسات الأولية بعشرة بلايين يورو. أما مشاريع نقل النفط إلى أوروبا، وعلى رغم الرسائل الإيجابية التي تلقتها موسكو من آستانة في شأن مواصلة ضخ معظم الإنتاج عن طريق روسيا، ودعم مشروع بورغاس ? ألكسندروبوليس، فيشير خبراء إلى أن"ترانس نفت"الروسية، المحتكرة لأنابيب النفط، تنقل النفط الكازاخي بخسارة، وأن زيادة طاقة الأنابيب السوفياتية القديمة المحاذية لبحر قزوين، في حاجة إلى بلايين الدولارات. كما أعلن الجانب الكازاخي، مراراً أنه غير مستعد لتوظيف أي مبالغ في هذه المشاريع، ويمكن ان يدرس مشاريع تتضمن زيادة ضخ النفط عبر"باكو - جيهان"أو زيادة التصدير إلى الصين، التي تعتبر من أكبر الرابحين في صراع روسيا والغرب على نقل مصادر الطاقة، فهي بدأت فعلياً في مشاريع على الأرض مع كازاخستان وتركمانستان واوزبكستان، لتلبية حاجتها المتنامية على الطاقة. ولعل إحدى النتائج المترتبة على الحرب في القوقاز، ازدياد الأهمية الاستراتيجية لحوض قزوين وازدياد التنافس بين روسيا والغرب والصين على الظفر بحصة أكبر من ثروات المنطقة، لكن بشروط جديدة تمنح دول آسيا الوسطى مزيداً من القدرة على المناورة وفرصاً باستفادة أكبر من ثرواتها الطبيعية، على رغم حكم الجغرافيا القاسي الذي حرمها من منافذ بحرية مباشرة إلى المستهلكين.