تولي روسيا أهمية كبيرة لمنطقة حوض قزوين، نظراً الى مخزونها الكبير من النفط والغاز. وطالما سعت موسكو إلى إحباط المشاريع الغربية لبناء شبكات خطوط جديدة لنقل النفط والغاز من منطقة آسيا الوسطى إلى أوروبا، تستثنيها وتحرر دول المنطقة من الاعتماد على الخطوط الموروثة من العهد السوفياتي والتي تملكها شركات حكومية روسية. وكثفت روسيا في الآونة الأخيرة جهودها لكسب ودّ الدول المحورية في آسيا الوسطى مستغلة أي تغيير فيها لمصلحتها، وبدا ذلك واضحاً في محاولات جذب القيادة الجديدة في تركمانستان. ويبدو أن الرئيس فلاديمير بوتين يريد تحقيق إنجاز شخصي له مع اقتراب موعد مغادرته الكرملين، عبر الإشراف المباشر على تحقيق أهداف"دبلوماسية الطاقة الروسية". ولذا اختار القيام بجولة في آسيا الوسطى على رأس وفد كبير، يضم ممثلين عن شركات الطاقة الروسية الكبيرة، في إطار محاولات بلاده تقريب هذه الدول إلى سياستها وإبعادها عن فلك السياسة الأوروبية والأميركية أو حتى الإيرانية والصينية. وكانت أستانة عاصمة كازاخستان حليف روسيا الكبير أولى محطات جولة بوتين الآسيوية، وخرجت منها موسكو بتعهدات كازاخية لتصدير القسم الأكبر من نفطها وغازها من طريق روسيا. ووقعت عدداً مهماً من الاتفاقات في مجالات النفط، والغاز والطاقة النووية وبناء المركز الدولي الأول المشترك لتخصيب اليورانيوم. ولفت محللون إلى أن روسيا قايضت أستانة في موقفها من مشاريع نقل النفط والغاز الأميركية والأوروبية عبر قاع بحر قزوين، مروراً بأذربيجان وجورجيا وتركيا، فاقترحت رفع سعر الغاز الذي تصدّره كازاخستان من طريق الأراضي الروسية إلى 145 دولاراً لكل ألف متر مكعب. وستدرس روسيا رفع كمية النفط المصدر من كازاخستان عبر أراضيها من 23 مليون طن إلى 40 مليوناً، مع إمكان رفع الكميات إلى 67 مليون طن، ورفع سعر ترانزيت كل طن إلى 38 من 29 دولاراً. ويعني ذلك استثمار مبلغ بليوني دولار إضافياً في مشروع زيادة سعة أنبوب النفط الممتد من كازخستان إلى روسيا. ويشير خبراء إلى أن روسيا ستجد الأموال اللازمة خصوصاً أن النفط الكازاخي سيساهم في تأمين المبالغ الضرورية لضخها في مشروع نوفوروسيسك بورغاس - ألكسندروبوليس المنوي إنشاؤه بمشاركة روسيا وبلغاريا واليونان، ما يعني عملياً عدم ضخ نفط كازاخستان عبر خطوط أخرى مثل باكو - تبليسي -- جيهان وغيرها، ما يجعل هذه المشاريع غير مربحة وصعبة التنفيذ. وفي"عشق أباد"فتحت زيارة بوتين آفاقاً واسعة للتعاون بين البلدين، وبنت على نتائج القمة السابقة التي عقدها الرئيسان في موسكو الشهر الماضي، وأسست لعلاقات استراتيجية بين الطرفين. واستطاعت موسكو إقناع الرئيس محاميدوف بالخروج من حال العزلة التي فرضها الرئيس السابق صابر نيازوف، ما يمهد الى تأسيس تحالف جديد في حوض بحر قزوين تكون فيه تركمانستان عضواً فاعلاً إضافة إلى كازاخستان وروسيا. وتعهدت الشركات الروسية بزيادة التعاون مع تركمانستان في مجال التنقيب عن النفط والغاز، مبدية استعدادها للاستثمار في تطوير البنية التحتية لحقول النفط والغاز فيها لرفع إنتاجها إلى 80 بليون متر مكعب، وزيادة إنتاج النفط إلى نحو 10.4 مليون طن العام الحالي. ولفت محللون إلى أن جولة بوتين في آسيا الوسطى نجحت في التصدي لتوسيع النفوذ الأميركي والأوروبي في هذه المنطقة". وأعربت مصادر في الكرملين عن رضاها للنتائج الكبيرة التي حققتها الجولة الأطول للرئيس الروسي في دولتين فقط سبعة أيام. وأثمرت الجهود التي قادها بوتين شخصياً توقيع اتفاق ثلاثي بين روسياوتركمانستان وكازاخستان في مدينة"تركمانباش"، وكلف رؤساء هذه الدول حكوماتهم بإعداد نص الاتفاق النهائي لبناء خط أنابيب لنقل الغاز يمر بمحاذاة بحر قزوين من أراضي تركمانستان مروراً بكازاخستان، ليصل إلى شبكة غاز بروم الروسية. وطالبوا باستكمال المخططات ودراسات الجدوى الاقتصادية والوثائق القانونية، حتى يكون الاتفاق جاهزاً للتوقيع في الأول من أيلول سبتمبر من العام الحالي. وألمح بوتين إلى تطابق مواقف الدول الثلاث في شأن تقسيم ثروات بحر قزوين، وقال إن"اجتماع اليوم خطوة مهمة نحو التحضير لقمة زعماء البلدان المطلة على بحر قزوين"، غامزاً على ما يبدو من قناة أذربيجان التي اختارت حضور قمة أخرى للطاقة في بولندا. ولفت الرئيسان الروسي والتركماني إلى أن المفاوضات"تطرقت إلى التعاون في منطقة بحر قزوين". وأكد محاميدوف أن"المحادثات الخاصة بتحديد الوضع القانوني لبحر قزوين ستكلل بالنجاح وستحل عاجلاً أم آجلاً". زيارة بوتين إلى أستانة وعشق أباد، قطعت الطريق أمام مشاركة الرئيسين الكازاخي نور سلطان نازربايف والتركماني بيردي محاميدوف في قمة للطاقة في مدينة"كراكوف"البولندية، عقدت بالتزامن مع جولة بوتين بمشاركة رؤساء أذربيجان وجورجيا وأوكرانيا ولاتفيا، فضلاً عن الرئيس البولندي، لمناقشة إيصال الغاز والنفط من حوض بحر قزوين إلى أوروبا من دون المرور بروسيا. وعزف الرئيسان عن المشاركة في هذه القمة أدّى عملياً إلى فشل محاولات استثناء روسيا ونعى وزير الطاقة الروسي فيكتور خريستينكو عملياً مشروع مد أنبوب لنقل الغاز عبر بحر قزوين، وقال إنه"غير قائم الآن، لأن الأنابيب الحالية والمقرر بناؤها تكفي لتلبية احتياجات أسواق الغاز في رابطة الدول المستقلة وأوروبا"، في إشارة إلى إعلان كراكوف الذي تبنته بولندا وليتوانيا وأوكراينا وجورجيا وأذربيجان. ولفت الى"عدم وجود مشروع بناء أنبوب لنقل الغاز عبر بحر قزوين إلا على شكل إعلان لعدد من البلدان، التي تتصور أنها تستطيع من خلاله حل المسائل المتعلقة بتوفير بدائل لطرق نقل النفط والغاز".