حقوق الملكية الفكرية موضوع له وجوه عدّة، منها حفظ حقوق المؤلف وأعماله من القرصنة أو الاستغلال التجاري الذي قد يعود على غيره بالنفع، بينما هو أو هي محروم من نصيبه من العوائد المالية بسبب تعدي جهة ما على حقوقه... وجهة النظر هذه منتشرة في الأردن حيث شنّت حملات توعية كثيرة من أجل تحقيق حلم الملكية الفكرية هذا، خلال السنوات القليلة الماضية. أما بالنسبة لمناهضي العولمة والرأسمالية، فإن قوانين الملكية الفكرية المتبعة عالمياً والتي يقوم العالم العربي بنسخها من دون اكتراث للخصوصية الثقافية لبلدانه فهي وجه آخر لعملية خنق الإبداع وتحويله من لغة الخلق والتكوين والعطاء إلى لغة المال والأعمال والاقتصاد. حقوق التأليف الموسيقي أمر شائك وحديث العهد أردنياً. فهناك من أعادوا صوغ موسيقى لموسيقيين آخرين من المنطقة العربية والأردن، من دون إذنهم وقاموا بنشرها في ألبومات موسيقية، وما زالوا عرضة للمساءلة متى ما توجهت الأنظار إلى موضوع الحقوق الموسيقية. والأنظار الآن منصبة على العلامات التجارية وعلى قرصنة الأفلام الهوليودية أكثر من غيرها. وما زالت الموسيقى في أسفل سلّم الأولويات. ربما سيعجب هؤلاء نمط منشق عن حفظ الحقوق المعتاد"copyrights"، إذ أُتيح الآن نمط مختلف لحفظ الحقوق يطلق عليه تعبير"copylefts"يشجع دعاته الموسيقيين على اختلاف جنسياتهم مشاركتهم في حركة يسار موسيقية، تناهض الرأسمالية وتمجد الحرية والإبداع الحر. الجماعات المناهضة لمعسكر حقوق الملكية الفكرية موجودة في الغرب، منذ بزوغ فجر التحكم بحقوق التأليف وسن القوانين المناسبة لها. فهناك كتاب ومفكرون وأكاديميون كثر وجماعات أخذت على عاتقها عقد لقاءات وتنظيم فعاليات، الهدف منها الإطاحة بالأسلوب الرأسمالي حسب اعتقادهم في التعاطي مع مسائل حقوق النشر والتوزيع والتأليف والعلامات التجارية، وغيرها من أشكال السيطرة الاقتصادية. أرشيف الموسيقى المفتوح لم تنتظر هذه الجماعات دعوة رسمية للقدوم إلى عمّان، منذ فترة قريبة، لتنشر ما في جعبتها من حلول جديدة وأفكارٍ مختلفة في شأن الحقوق الفكرية الموسيقية. قد يشكل هذا الفكر طوق نجاة للموسيقيين المستقلين والبديلين والإلكترونيين من أصحاب التوجهات الإبداعية الحرة أو التجريبية، المبتعدة في روحها عن المتاجرة بالفن، ممّن يعزفون موسيقاهم في زوايا مختبئة عن الفضائيات العربية في عمّان والمنطقة العربية. أيلين سمبسون وبن وايت موسيقيان بريطانيان جاءا ليبحثا عن طرق جديدة لتحرير الموسيقى من قبضة شركات الانتاج التجارية في العالم من خلال مشروعهما"Open Music Archive"أو أرشيف الموسيقى المفتوح. أثناء وجودهما في عمّان بدا لهما أن الحرب على القرصنة هي حرب أحادية الجانب في الدول التي وقعت معاهدات دولية مثل اتفاقية التجارة الحرة مع أميركا أو اتفاقية منظمة التجارة العالمية WTO ومن بينها الأردن. فقد كانت معظم الأخبار والتحقيقات الصحفية التي اعتنت بنشر هذا الفكر، منصبّة حول موضوع حفظ حقوق القطاع الخاص أكثر من أي شيء آخر. لكن لم يبدُ على أيلين وبن اكتراثهما كثيراً بالحقوق الاقتصادية للشركات الباحثة عن الربح، وانصب همّهما بدلاً من ذلك على حق الموسيقي في التأليف والاستعارة الموسيقية من موسيقيين انتقلوا إلى دار البقاء أو هم معاصرون له، من دون اعتباره لصاً موسيقياً. يقول بن متّفقاً مع إيلين:"الموسيقى ترغب بأن تكون حرة..."، ويشير الى أن"الشركات التجارية الكبرى تستخدم قوانين الحماية الفكرية من أجل إغلاق الباب على الموسيقى، إذ يصعب على الموسيقيين استخدام تأليفات غيرهم أو استخدام مقتطفات منها، أو حتى استخدام كلمات لأغان أو لإيقاعات في مؤلفاتهم الجديدة. هذا النوع من الملكية والسيطرة يحدّ من حريتنا ويعيق إبداعنا". وبحسب قوانين التأليف في الأردن، يحق للمموسيقيين إعادة استخدام وتقديم موسيقى لزميل لهم بعد رحيله بخمسين سنة، بينما في بريطانيا يحق للموسيقيين استغلال موسيقى أسلافهم بعد الوفاة بسبعين سنة. من أجل هذا يقترح بن وإيلين على موسيقيي المنطقة الانضمام إليهم وتسجيل أعمالهم الموسيقية في شكل يسمح لهم بالمحافظة على حقوقهم المعنوية كمؤلفين، وأيضاً على حقوقهم المالية. ولكن بقالب فكري جديد، سيكون برأيهما، أكثر فاعلية في التعاطي مع خصوصية المنطقة العربية حيث تكثر الاستعارات الموسيقية وإعادة الإنتاج التأليفي لموسيقيين آخرين، وذلك من خلال تبني مفهوم ال"copylefts". الفرق بين ال"copyrights"وال"copylefts"، حسب تعبير بن، هو أن النوع الأول يقول:"هذا عملي ولا يمكنك استخدامه من دون أخذ إذني"، أما النوع الثاني يقول:"هذا عملي ولكنك تستطيع أن تستخدمه لأي مشروع تريده... على شرط أن تشير إلى أنه عملي أو إلى اقتباسك منه". وحتى لا تضيع الجهود في ما يخصّ التأليف الموسيقي الذي لا يوجد فيه اقتباسات واضحة من أعمال سابقة يشجع موقع بن وأيلين الألكتروني www.openmusicarchive.org تسجيل الأعمال الموسيقية ضمن رخصة"Creative Commons"والتي تعمل حالياً على تطوير عقد قانوني لتسجيل المواد الموسيقية من الأردن، وذلك بالتنسيق مع شركة طلال أبو غزالة المسؤولة أردنياً عن قضايا حقوق الملكية الفكرية، حسب الموقع. وتختلف هذه الرخصة عن رخص حقوق الملكية الفكرية التقليدية، بأنها تفتح مجالات كثيرة للموسيقيين لحفظ أعمالهم أو جعلها مشاعاً يمكن استخدامه أو حتى منع الآخرين من استخدامها إلا بإذن يسمح لهم بذلك. ومن أجل أن يخلق هذان الموسيقيان مساحات للإبداع الموسيقي والاقتباس، قاما منذ سنتين بتطوير أرشيفهم الموسيقي على الانترنت، كي يجد فيه الموسيقيون الجدد مواد موسيقية غربية من عالم البلوز والجاز وغيرها رُفع الحظر القانوني عنها بعد أن مضى على وفاة أصحابها سبعين عاماً وبهذا أصبحت هذه المواد ملكاً عاماً ومشاعاً يمكن لأي شخص اقتباسها لموسيقاه الالكترونية مثلاً أو لاستخدام الكلمات أو الألحان في عمل جديد، شرط احترام أسس المشاركة الموسيقية وعدم حصر العمل الجديد في رخصة ملكية فكرية"يمينية".