تمثل الكهوف المنتشرة في أنحاء سلطنة عمان أسراراً يجري العلماء تجاربهم لكشف طلاسمها وفك رموزها خاصة أنها تبلغ 2000 كهف، وهي بذلك تنضم الى دائرة الأسرار العمانية التي تحتوي أكثر من ألف أثر ما بين قلاع وحصون وبيوت أثرية يرجع بعضها الى تاريخ ما قبل الاسلام، وألوف الأشجار الضخمة الكثيفة والنباتات الطبيعية النادرة تعود الى ملايين السنين كما يؤكد المتخصصون في متحف التارخ الطبيعي، الى جانب العثور على 142 قطعة من النيازك مصدرها القمر وكوكب المريخ، وتشكل قيمة علمية مهمة على المستويات الاقليمية والدولية، بل صنفت قطعة واحدة منها تزن 233.4 غرام من بين أهم 18 قطعة مريخية تم العثور عليها حتى الآن في العالم. وللكهوف العمانية أهمية سياحية تكمن في كونها برنامجاً دائماً لمحبي المغامرات والاثارة الرياضية غير التقليدية، وهنا تتجلى القيمة الجمالية للكهوف بما فيها من عذرية لم تصل إليها أيادي العصرنة ولا تزال بكراً في عطاءاتها. وتقدر أعمار بعض الكهوف في السلطنة بأكثر من 25 ألف سنة ما يفتح آفاقاً أكثر رحابة للراغبين بدراسة الكهوف في واحدة من افضل المناطق الجيولوجية في العالم. وهناك كذلك أهمية اقتصادية اذ تسعى الجهات المعنية الى استغلال المياه الموجودة في هذه الكهوف، خصوصاً أن المخزون المائي يحتفظ بدرجات عالية من البرودة ما يشكل فرصة للسياح للتجوال بالقوارب المطاطية للمرور من تحت تكوينات الكهوف الجيولوجية. أما الأهمية العلمية فتتجلى في مجسماتها الجيولوجية وكتلها الصخرية وفتحاتها الغريبة وعمقها وظلامها التي تحتاج كلها لتقنيات تمكن من رؤية معالمها وشواهدها ومنظومة من الأسرار تتكشف رويداً رويداً على أيدي الباحثين والعلماء لتكشف حلقة مفقودة في سلسلة تاريخ المنطقة وجغرافيتها. تُرى ما هي قصة الكهوف العمانية التي تبلغ أكثر من 2000 كهف ؟ وماذا تجدي دراستها؟ وما أصلها؟ وكيف تتجاوز هامات هذه الكهوف مع أشهر الكهوف في العالم مثل كهف"شوفيه"أقدم كهف في العالم الذي اكتشفه الفرنسي جان ماري شوفيه جنوب شرق فرنسا عام 1994 وعليه تشكيلات ورسومات تعود الى حوالي 30 ألف سنة، وكهف"بوستجونيا"الذي يقع في سلوفينيا وهو أكبر الكهوف في أوروبا ويمتد 51 ميلاً وجرى اكتشافه عام 1852، وكهف"أسود البحر"كأكبر كهف بحري تضمه أميركا يبلغ ارتفاعه ما يعادل مبنى مكوناً من 12 طابقاً وطوله يساوي ملعب كرة قدم، وكهف"الريح"في ولاية كلورادو الأميركية. أشهر وأهم الكهوف العمانية كهف"مجلس الجن"، وهو ثالث كهف في العالم، اذ يتسع كمدرج لسبع طائرات مساحته 4 ملايين متر مكعب تحيط به مغارات عدة، ويقع في هضبة سلمى في جبل بني جابر بسلسلة الحجر الشرقي، وكهف"العراقي"في ولاية عبري شمال عمان، وكهف"الهوتي"في ولاية الحمراء بتشكيلاته المثيرة للغرابة، خصوصاً بحيرته المائية التي يبلغ طولها 950 متراً وأسماكها النادرة ومنها أسماك بلا عيون، وكهف"جرنان"في ولاية ازكي داخل عمان ويعد أكثرها غموضاً حتى ليصعب الوصول إليه في ضوء الأساطير التي تنسج حواليه! أما في محافظة ظفار جنوبعمان، فتشكل الكهوف لغزاً آخر، خصوصاً كهف"طبق". وحول مدينة صلالة قلب ظفار تتناثر مجموعة من الكهوف مثل كهف"المرنبف"الذي يطل على شاطئ المغسيل، وتتفجر فيه العيون المائية من تلقاء نفسها في صورة جمالية تستقطب الزائرين الذين يحلو لهم التقاط الصور عند تلك العيون التي في أطرافها سحر وبهجة وتشكيلات جمالية يستثمرها المتخصصون للترويج السياحي، وكهف"سحر"الذي يبعد 12 كيلومتراً عن صلالة، وكهف"عين حمراء"الواقع على بعد 23 كيلومتراً من صلالة وتعشش فيه آلاف الخفافيش، وكهف"وادي دربات"الذي تصل اليه بعد 40 كيلومتراً من صلالة، وكهف"اعتبر"أو"بئر الطيور"ويقع شرق صلالة في جبل سمحان. ومن أهم الشركات العمانية التي تبذل جهوداً استثمارية على هذا الصعيد شركة حسن جمعة باقر للتجارة والمقاولاتالتي يعتقد مسؤولوها أن سياحة الكهوف من الأهمية بمكان، ويسردون أسباباً عدة منها: أولاً، أنها عملية سياحية غير مسبوقة نحرص على ألا تفقد جمالها الطبيعي الأصلي بل ندمجها مع تقنية اليوم. ثانياً، أنها تمثل استثماراً جديداً لكفاءة الشركة واثباتاً للذات كعنوان جديد لنا في عالم المقاولات بممارسة فن المقاولة في المناطق الصلدة من خلال شركة وطنية تلتزم بالجودة العالمية وتتعامل بأقل الأسعار. ثالثاً أنها مصدر لتشغيل العمالة الوطنية بفتح فرص عمل للكوادر العمانية 30 في المئة نسبة التعمين. رابعاً أنها تشكل فاتحة سياحية لسلسلة من الاستثمار السياحي. وربما كان كهف"الهوتة"مثالا نموذجياً لذلك التعريف الذي يقول أن الكهوف هي النظائر تحت الأرضية لما نراه على سطح الأرض من أودية ومجار مائية، إذ أن لهذا الكهف فتحتين يدخل من أحدهما ماء الوادي المنحدر من أعلى الجبل وتسمى هذه ب"الهوتة"أما الأخرى الفلاح فيخرج الماء عبرها بعد توغله داخل أروقة الكهف ودهاليزه المتصلة. وينبع غنى هذا الكهف من امتلائه بعدد كبير من التراكيب والأشكال الكهفية البديعة كالصواعد والهوابط، وفيه أمثلة نموذجية لما يسمى بصواعد جذع الشجرة والصواعد المركبة كالمصاطب والصواعد متناسقة القطر، كما أنه يذخر بعدد لا بأس به من الأحواض الجافة، ويوجد أيضاً في بحيرة الكهف أنواع من الأسماك العمياء نادرة الوجود. تسعى وزارة السياحة من خلال تنفيذ مشروع تأهيل وتطوير كهف الهوتة الى خلق أنماط سياحية جديدة واستغلال الامكانات السياحية المتنوعة بهدف تعزيز برامج التدفق السياحي وتشجيع السياحة الداخلية والتأسيس لمشاريع سياحية بيئية تسهم في تنمية وتطوير القطاع السياحي في السلطنة. وعينت الوزارة مكتب عمان للاستشارات الجيولوجية كاستشاري عام للمشروع يتولى الاشراف على مجموعة من المكاتب والشركات المتخصصة وهي المتحف الوطني الطبيعي في النمسا، ومكتب ورجستا وين النمساوي، وشركة ترايد عمان العالمية، وشركة مجان لللاستشارات الهندسية. وتقوم الوزارة بأعداد دراسة لتنفيذ مشاريع مشابهة لتطوير وتأهيل بعض الكهوف الرئيسية في مناطق السلطنة المختلفة لتهيئتها للاستغلال السياحي المنظم مثل كهفي"طوي اعتبر"و"طبق"في محافظة ظفار. وهناك أيضاً خطة لتنمية سياحة المغامرات في الجبال كجبل شمس والجبل الأخضر بالاضافة الى الكهوف والمشي في الجبال، وعدة مشاريع تعلق بسياحة المغامرات. ويقول محمد بن حمود التوبي وكيل وزارة السياحة ان الوزارة بصدد تنفيذ دراسات علمية جيولوجية تتعلق بدراسة خصائص الكهوف ومميزاتها تليها دراسة هندسية معمارية لتطوير تلك الكهوف والسبل المثلى لاستغلالها بحيث يكون لكل كهف خصوصية تميزه عن الآخر، وأن الوزارة تقوم باعداد وثائق مناقصة تلك الدراسات لطرحها أمام الشركات العالمية المتخصصة في دراسات الكهوف وكيفية استغلالها مشيراً الى أن الدراسة ستشمل في محافظة ظفار كهف"طبق"وحفرة"طوى اعتبر"بهدف تهيئتها للاستغلال السياحي المنظم. ويشير التوبي الى أن للكهوف أهمية كبيرة نظراً الى كثرة مرتاديها ولاستقطابها شرائح واعداداً كبيرة من السياح الذين تتنوع هواياتهم بين المغامرة والترفيه والرياضة. من جانبه يقول محمد السناني مدير التخطيط والتنمية السياحية بوزارة السياحة ان مشاريع تطوير الكهوف ستساهم بلا شك في تنشيط السياحة البيئية لتلك المواقع المتميزة ببيئتها الطبيعية البكر والمتمثلة في الغطاء النباتي الكثيف وتواجد الأحياء البرية والطيور واعتدال المناخ، وستعمل على تدفق السياح طوال العام الى تلك المناطق الخلابة، موضحاً ان الكهوف في سلطنة عمان تعتبر مناطق جيولوجية مخبأة في باطن الأرض وهي كنوز طبيعية استغرق تكوينها آلاف السنين وتنفرد بخصائص وتكوينات نادرة وهي تراث وطني يتطلب ضرورة صونها ورعايتها كجزء مهم من التراث العماني الطبيعي والبيئي والسياحي.