استعادت مدينة طرابلس أنفاسها أمس، ودبت الحركة في شوارعها وأحيائها من جديد في ظل انتشار فوج المغاوير وفوج التدخل الثالث في الجيش اللبناني والفهود والتدخل السريع في قوى الأمن الداخلي فيها، وتحديداً في منطقتي"التماس"في باب التبانة وجبل محسن بعد المعارك العنيفة التي شهدتها هاتان المنطقتان الأحد والاثنين الماضيين. ولم يعكر الهدوء سوى طلقات نارية متفرقة سجلت لدى تشييع عدد من الضحايا في باب التبانة، وسط مطالبة القيادات السياسية في المدينة بضرورة تحويل اتفاق وقف النار الى مصالحة حقيقية. واستكمل الجيش اللبناني انتشاره ليل أول من أمس في الأحياء الداخلية لباب التبانة وجبل محسن، وفي سوق الخضر، وشارع سورية، والملولة، والأحياء الداخلية للجبل، وتفقد المواطنون الأضرار التي لحقت بمنازلهم وممتلكاتهم وسياراتهم فيما منع الجيش المواطنين من الدخول الى بعض الأماكن التي شهدت سخونة خشية من وجود قذائف وقنابل من مخلفات المعركة لم تنفجر بعد. وخلفت المعارك التي شهدتها المنطقة أضراراً بالغة في حي البقار الذي احترق في داخله عدد كبير من المنازل، كما خلف المقاتلون وراءهم عبارات على جدران الأبنية تعبر عن الاحتقان التي عاشته المنطقة في الفترة الأخيرة. وطالب أهالي طرابلس المسؤولين بالتدخل السريع للتعويض عن الأضرار الفادحة التي لحقت بممتلكاتهم، خصوصاً ان عدداً كبيراً من الأهالي خسروا منازلهم بالكامل. وتابع رئيس الجمهورية ميشال سليمان الأوضاع الأمنية في طرابلس، من خلال اتصال هاتفي بقائد الجيش بالنيابة اللواء الركن شوقي المصري اطلع منه خلاله على الإجراءات الأمنية التي اتخذها الجيش. وأثنى سليمان على المهمات التي نفذها الجيش وقوى الأمن الداخلي، مؤكداً"ضرورة التشدد في تثبيت الاستقرار في المنطقة وردع المخلين بالأمن، تجاوباً مع الإرادة الوطنية الجامعة التي ظهرت من خلال مواقف جميع الأطراف الذين طالبوا بحماية الدولة". كما اتصل سليمان بالمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء اشرف ريفي للغاية نفسها، مركزاً على أهمية التنسيق بين الجيش وقوى الأمن الداخلي لإنجاح المهمة الأمنية في طرابلس. وكان ريفي زار منزل عائلة العريف الشهيد سامر الرشيد في بلدة البرج - عكار، وقدم تعازيه به منوّهاً بمناقبيته ومزاياه الوطنية، وكان الرشيد أصيب بطلق ناري مجهول المصدر في صدره لدى قيامه بإجلاء والدته من منزلها في محلة القبة - طرابلس حيث كانت تدور الاشتباكات الأحد. كرامي: هدنة وليست مصالحة وتفقد الرئيس السابق للحكومة عمر كرامي الجرحى الذين أصيبوا في منطقتي باب التبانة وجبل محسن وجوارهما، والذين يعالجون في المستشفى الإسلامي، وبلغ عددهم 57 جريحاً. وقال كرامي عما حصل في طرابلس انها"حوادث عبثية لا طائل منها، وما حدث هو تكرار للحوادث الأليمة بين باب التبانة والقبة وجبل محسن والجوار. ومن زرناهم اليوم هم ضحايا أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل في ما حدث، ونأسف أشد الأسف لأن تتكرر هذه المأساة بسبب ومن دون سبب، ونعرف أن هناك خلفيات طائفية ومذهبية تستغلها السياسة في كثير من الأحيان، وسألنا وتساءل الكثيرون عن الأسباب التي أدت الى وقوع ما وقع، والكل يقول إن هناك طابوراً خامساً يحرك الجبهتين ويعكر صفو الأمن في هذه المدينة الآمنة والمحتاجة الى الأمن والاستقرار والتنمية، لأن وضعها الاقتصادي والاجتماعي هو وضع صعب ومؤلم". وتوقف عند مبادرة مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار"الى جمع أفرقاء من جبل محسن وباب التبانة وجوارهما، وطبعاً نحن نؤيد ما فعله، ونرجو أن يكون أداؤه عنواناً لأعمال رجل الدين، ونلفت مفتي الجمهورية الى ضرورة أن يقتدي بهذا الدور الذي قام به المفتي الشعار". وعلق كرامي على الاتفاق الذي تم التوصل إليه لوقف النار قائلاً:"لنا ملاحظات على ما أعلن، وهو القول إن الاتفاق الذي وقع هو اتفاق مصالحة نهائية، وهذا الأمر ليس دقيقاً، لأن الرواسب التاريخية والأحقاد الموجودة والطابور الخامس، كل هذه الأمور تحتاج الى معالجات مدروسة وجذرية من أجل منع تكرار هذه الحوادث، وأشعر بأن ما حصل حتى الآن هو هدنة نرجو أن تكون طويلة، من أجل أن نستغل لإنهاء هذا الوضع الشاذ". واكد"إن هذه الحروب العبثية التي توقع الضحايا وتعطل الحياة في طرابلس وتسمم الحياة لا يجوز أن تستمر من دون محاسبة، الجيش هو المخول تطبيق القوانين على الجميع منعاً للفتنة ولا يحتاج الى غطاء سياسي من أحد". ووصف الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي ما حصل في الشمال بأنه"في غاية الدقة والحساسية"، وطالب في حديث الى موقع"لبنان الآن"الإلكتروني الجيش بپ"ممارسة دوره"، وحذر في المقابل"من أي تقاعس في وضع حد لما يجري ميدانياً"، وشدد على"عدم جواز المساكنة مع الخارجين على القانون". وقال ميقاتي:"إننا لا نعرف كيف كانت بداية الأحداث التي لم تستند الى أسباب جوهرية ولا كيف انتهت ولا الى ماذا ارتكزت هذه النهاية، وطالما لا تزال هناك تعبئة وتعبئة مضادة عند كل الناس فالأوضاع حتماً ستكون غير مطمئنة ودورنا كسياسيين ان نسهم في المصالحة". ولفت الى ان"السلاح موجود بكميات منذ فترة طويلة. قد لا تكون أسلحة ثقيلة لكن الجميع في لبنان لديهم أسلحة"، وحذر من أن"التأخير في تشكيل الحكومة من شأنه ان يؤجج الوضع الأمني".