ساد جو من الهدوء الحذر امس، منطقتي باب التبانة وجبل محسن، اللتين شهدتا اشتباكات مسلحة حتى فجر امس أسفرت عن عشرة قتلى سبعة منهم في باب التبانة آخرهم الطفل مازن مصطفى الذي توفي متأثراً بجروح اصيب بها، وثلاثة في جبل محسن، اضافة الى عشرات الجرحى. ولم يخرق الهدوء الذي جاء نتيجة انتشار القوى العسكرية والامنية في شارع سورية الفاصل بين المنطقتين وفي عدد من الأحياء الداخلية، إلاّ دوي رشقات نارية خلال تشييع ضحايا اشتباكات اليوم السابق، في حين سُجل انسحاب تام للمسلحين من المحاور التي شهدت المعارك اول من امس. إذ كان وزير الداخلية أعلن بعد الاجتماع الأمني الذي عقد في سراي طرابلس ليل اول من امس، أن جميع الأطراف موافقة على دخول الجيش وقوى الأمن الداخلي إلى مناطق الاشتباكات، وأن الخطة الأمنية لإنهاء التوتر ستبدأ عند الخامسة فجراً (امس)، وقال إن القوى الأمنية ستردّ على من لا يلتزم بوقف إطلاق النار، وإن أي شخص سيستهدف هذه القوى «سيتحمل مسؤولية ذلك». بيان الجيش وأعلنت قيادة الجيش في بيان صادر عن مديرية التوجيه أمس أن «وحدات الجيش أكملت ظهراً انتشارها في جميع أحياء منطقة التبانة وجبل محسن، إضافة إلى شارع سورية، خلافاً لما أورده بعض وسائل الإعلام، فيما تستعد وحدات أخرى تابعة لقوى الأمن الداخلي للانتشار لاحقاً في هذه المناطق». وأضافت أنه «تم إعادة الاستقرار إلى الأحياء المذكورة، وتستمر قوى الجيش في تعزيز إجراءاتها الأمنية، بما في ذلك ملاحقة المسلحين ورصد أي مكان قد تطلق منه النيران، لمعالجته فوراً وفي الشكل المناسب». وفور انتشار الجيش زار النائبان محمد كبارة وروبير فاضل منطقة التبانة والتقيا الأهالي في شارع سورية، واطلعا على الأضرار التي لحقت في المنطقة، ووعدا بالعمل سريعاً على قيام الهيئة العليا للإغاثة بالكشف على الأضرار تمهيداً للتعويض. اجتماعات ليلية يذكر أن انتشار الجيش جاء ترجمة للاجتماعات الأمنية والسياسية التي شهدتها طرابلس حتى منتصف ليل اول من امس، ابرزها اجتماع عقده رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في دارته في طرابلس في حضور الوزراء: محمد الصفدي، مروان شربل، أحمد كرامي وفيصل كرامي، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، ورئيس فرع مخابرات الجيش في الشمال العميد عامر الحسن، وقائد وحدة القوى السيارة العميد روبير جبور، وعدد من قادة الأجهزة الأمنية في الشمال ونواب. وأكد المجتمعون على «الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، اتخاذ كل الإجراءات الحازمة فوراً لوقف الاشتباكات في مدينة طرابلس من دون تمييز»، كما شددوا على «سحب الغطاء السياسي من جميع قيادات المدينة عن كل العابثين بالأمن والاستقرار، وإزالة جميع المظاهر المسلحة من كل الشوارع والأحياء، وخصوصاً في مناطق القبة وجبل محسن والتبانة، ومنع الظهور المسلح، والطلب من الأجهزة الأمنية الضرب بيد من حديد، والتعامل بصرامة وحزم مع كل من تسول له نفسه العبث بالأمن والاستقرار في المدينة». وعلمت «الحياة» ان ميقاتي أجرى خلال الاجتماع اتصالاً بقائد الجيش العماد جان قهوجي، بينما تواصل وزير الداخلية مع الامين العام ل «الحزب العربي الديموقراطي» رفعت عيد، وطرحت خلال الاجتماع افكار عدة، منها ان ينتشر الجيش في جبل محسن وقوى الامن الداخلي في التبانة، الا ان اللواء ريفي تحفّظ على الاقتراح، وقال: «نحن حاضرون للمشاركة في اي خطة متوازنة يضعها الجيش، لكن لا يجوز ان تكون هناك مناطق مفتوحة في وجه قوى امنية ومقفلة في وجه أخرى، وهذا أمر من غير الجائز الوقوع فيه». عندها تقرر تنفيذ انتشار مشترك وجاءت تعزيزات اضافية للجيش. وجرى خلال الاجتماع التطرق الى كيفية بدء الاحداث، وبدا واضحاً وجود احتقان يحتاج الى معالجة فورية تبدأ بجعل هذه المناطق منزوعة السلاح. وطرحت أسئلة تتعلق بالمصالحة بين الأطراف المتقاتلة، وهل ان هذا القرار تملكه الأطراف المتقاتلة ام أنه في مكان آخر. وعلمت «الحياة» أيضاً أن مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار تواصل مع الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري وقائد الجيش وهيئات المجتمع المدني، التي كانت نفذت اعتصاماً أمام السراي في طرابلس رفضاً للاقتتال. وأبلغ الشعار قائد الجيش بأن الوضع الأمني في المدينة لم يعد مقبولاً. وجرى خلال الاجتماع تبادل لوائح بأسماء المسلحين من الطرفين الذين يخرقون التهدئة، وطالب المجتمعون بوضع الأطراف أمام مسؤولياتها. وسأل الشعار عن المستفيد من تفجير الاوضاع ومن استيراد الازمة السورية الى داخل لبنان، واتهم مسلحين في جبل محسن بإشعال الوضع. كما كان اتصل ليل اول من امس برئيس المجلس النيابي نبيه بري وطالبه بالتدخل لدى عيد لوقف القتال، وردّ بري امس فاتصل بالشعار وأخبره بأنه حاضر لكل ما تتطلبه التهدئة، لأنّ لا مصلحة لأحد بإبقاء طرابلس ساحة لتبادل الرسائل. وأشار الشعار الى ان الجيش يعلن استعداده للانتشار على الارض لكنه لا يرغب بتكرار حادثة عكار. وأكد انه لا يجوز ان تبقى في طرابلس جزراً أمنية. مصادر في الشمال ونقلت مصادر شمالية استياء الأهالي من الانتشار المتكرر للجيش اللبناني والقوى الامنية بعد كل اشتباك يحصل ثم انكفائهم لاحقاً، مؤكدين ان الحل لا يكون فقط في الحديث عن رفع الغطاء، بل بعلاج ميداني ووقف التسليح والتمويل وسحب السلاح الموجود. الى ذلك، دعت الهيئات الاقتصادية والاتحادات العمالية ونقابات المهن الحرة ونقيب المحامين غسان الداية والنقيب السابق للمحامين في الشمال رشيد درباس وهيئات المجتمع المدني ورئيس وأعضاء في مجلس بلدية طرابلس بعد اجتماع عقدته امس، الى اعتصام في ساحة التل الخامسة بعد ظهر الخميس المقبل للتعبير عن الاستياء العارم الذي يلف أحياء مدينة طرابلس نتيجة الأحداث التي تعصف بها والتي تأتي على إمكانية تحسين اوضاعها المعيشية. وطالبت بجلسة طارئة لمجلس الوزراء في طرابلس من اولوياتها معالجة قضايا المدينة بدءاً من الوضع الأمني وصولاً الى وضع خطة تنموية شاملة لها، على أن تبدأ من أحيائها الأكثر فقراً. وناشدت القوى السياسية الالتزام بما أعلنته عن رفع الغطاء السياسي عن المسلحين، داعية الى اضراب وحداد اليوم الإثنين لجميع القطاعات. علوش الى ذلك، رأى عضو المكتب السياسي في «تيار المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش، أنّ «تردي الأوضاع في طرابلس واشتعال الجبهة بين جبل محسن وباب التبانة، يعودان إلى قرار مخابراتي سوري تشارك فيه أطراف محلية على المستويين المؤسساتي والشعبي»، مشيراً إلى أنّ «الإصرار على استمرار النكء بالجرح النازف وفتح هذه الجبهة أدى فعلياً إلى شل منطقة طرابلس شللاً تاماً وإلى تدهور الأحوال في الشمال حيث يتم وضع ربع سكان لبنان تحت الخطرين الأمني والاقتصادي». وأسف في حديث لموقع «ناو ليبانون» لكون «الواقع في طرابلس يرتبط مباشرة بالنظام السوري وهو سيستمر على هذا المنوال إلى أن «يُقطع رأس» هذا النظام أو يصدر قرار حاسم بسحب كل السلاح غير الشرعي من عاصمة الشمال». آليات للقوى الأمنية خلال انتشارها في شارع سورية بين باب التبانة وجبل محسن (الحياة)