تبدو ناتاشا مشغولة بهاتفها النقال. لكنها هذه المرة لا تستخدمه للتواصل بل لحساب نفقات الشهر، فهي تريد إيجاد صيغة تمكنها من اجتيازه من دون الحاجة للاقتراض، لا سيما أن والدها نبهها إلى أنه لا زيادة على المصروف. تقول ناتاشا، الطالبة في السنة الجامعية الثالثة، إن الغلاء الذي طرأ على أجرة المواصلات التي تقلها إلى الجامعة أثر كثيراً على جيبها، فلم يعد المصروف الذي تناله من والدها يكفيها، وهي تعذر والدها الذي لم يستفد من الزيادات التي مُنحت على الرواتب كونه يملك متجراً صغيراً للبقالة. وتظهر ناتاشا قدراً كبيراً من التفهم لوضع والدها المعيل الوحيد لاخوتها الذين ما زالوا على مقاعد الدراسة، إذ أن والدتها لا تعمل. بيد أن الشابة تخشى الأسوأ، وتوضح"منذ بداية العام والأسعار في ارتفاع مستمر، كل شيء زاد ثمنه، الكتب، والقرطاسية، والمواصلات، والطعام، أخشى ألا أتمكن من تدبر أمري بعد حين". وعلى رغم أن سياسة وزارة التعليم العالي في قبول الطلاب في الجامعات الرسمية تتجه نحو تحقيق ألفة مجتمعية بين طلاب البلاد، إلاّ أن زيادة أجور النقل العام أثقلت كاهل الطلاب الذين يقطنون في محافظات ويدرسون في أخرى. ومنذ تحرير أسعار المشتقات النفطية مطلع شباط فبراير الماضي جمحت أسعار مختلف السلع والخدمات. وتؤكد ناتاشا، التي تقطن مدينة الزرقاء التي تبعد عن إربد، حيث تقع جامعتها نحو 80 كم، أن أجرة المواصلات ارتفعت أكثر من نصف دينار ما شكل عبئاً هائلاً عليها. ومع الطفرة الكبيرة التي طرأت على أثمان المحروقات قفزت أسعار الوجبات، حتى"الشعبية"منها، قفزة هائلة عجز الطلاب عن مجاراتها. وتقول ناتاشا:"ثمن سندويش الفلافل تخطى حاجز الثلاثين قرشاً بعد أن كان لا يتجاوز الخمسة عشر قرشاً، ووصل سعر وجبة الشاورما إلى 1.30 دينار بزيادة تجاوزت الأربعين قرشاً". وفي محاولة للجم الأسعار أصدرت دائرة ضريبة الدخل والمبيعات قراراً بداية الشهر الجاري يقضي بتخفيض أسعار الوجبات في المطاعم الشعبية، ومنها تخفيض سعر الدجاجة الفروجة الواحدة من 3.40 إلى 3.20، ووجبة شاورما الدجاج العربي من1.40 إلى 1.30، وتخفيض أسعار المشروبات والساندويشات للتخفيف على المستهلكين، مقابل إعفائها من ضريبتي الدخل والمبيعات. فكانت المفاجأة رفض العديد من المطاعم قائمة الأسعار التي حددتها الدائرة متنازلة عن امتياز الإعفاء الضريبي، ساعية وراء تحقيق هامش ربح أعلى يعينها على الوفاء بالتزاماتها. ويرى نقيب أصحاب المطاعم في إربد يوسف أبو منصور أن قائمة الأسعار الجديدة لم تكن منصفة ورتبت خسائر كبيرة على المطاعم التي التزمت بها هروباً من الالتزام بضريبة المبيعات. ما دفع أكثر من 400 مطعم شعبي في إربد للخضوع لضريبة المبيعات بغية تحقيق أرباح أفضل تمكنها من دفع أجور العمال، ومصروفات المحل من الخدمات المختلفة. ولتبرير رفع أسعار الوجبات الشعبية التي طالما كانت وجهة الفقراء وذوي الدخل المحدود، يقول صاحب مطعم شعبي، فضل عدم ذكر اسمه،"إنه اضطر إلى ذلك استجابة للارتفاع الكبير الذي طرأ على أسعار المواد الأساسية المستخدمة في المطاعم، كارتفاع سعر عبوة الطحينية الكبيرة من 22 ديناراً إلى 66 ديناراً، وارتفاع أسعار زيوت القلي، والخضار الأمر الذي أدى إلى وقوعه تحت رحمة الدائنين الذين لم يتمكن من سدادهم في الوقت المحدد". وفي مواجهة جموح أسعار الأطعمة، عمدت ناتاشا وصديقاتها في الجامعة إلى إحضار سندويشات من المنزل لسد جوعهن، وتقول"لم يكن أمامنا حل آخر، بتنا نعجز عن تأمين لقمة تسندنا في الدوام الطويل، فاقترحت على صديقاتي أن نحضر طعامنا معنا لتوفير النقود للمواصلات". وتلفت ناتاشا، وطلبة آخرون في جامعة اليرموك التي تدرس فيها، إلى أن إدارة الجامعة"خصخصت مقصفها"الأمر الذي نجم عنه ارتفاع أسعار الوجبات الغذائية فيها بعد أن كانت ملاذ العديد من الطلاب، مطالبين الجامعة بالتراجع عن ذلك بتوفير وجبات للطلاب بأسعار تفضيلية. من جهته، يعتبر رئيس جامعة اليرموك الدكتور محمد أبو قديس أن الأسعار داخل الحرم الجامعي"مقبولة"مقارنة بالأسعار الأخرى خارج الجامعة، داعياً الطلاب إلى تقديم شكاوى بحق أي كشك داخل الجامعة يبيع بأسعار مرتفعة.