سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الاستسلام ليس خيارنا"... يوميات سفير أميركا الصدامي لدى الأمم المتحدة . بولتون : الترويكا الأوروبية وأميركا تراجعت أمام إيران ... ورايس فاجأتني ! 3 من 6
يواصل جون بولتون في هذا الفصل انتقاداته اللاذعة للترويكا الأوروبية، ولا يوفر وزيرة خارجية بلاده كوندوليزا رايس التي يصف مواقفها تجاه ايران بالمترددة فيما تجد"الترويكا"دائماً"طرقاً جديدة للاستسلام"أمام سياسة طهران. ويعتبر بولتون ان عدم التحرك في وجه المخاطر التي تشكلها النشاطات الإيرانية لا يرقى الى اللعب بأمان وتجنب أخطاء العراق... بل يعني بدلاً من ذلك الرهان على نية رجال الدين الحسنة، وتلك مغامرة يائسة حقاً وتحمل معها أعلى المخاطر على سكاننا المدنيين واصدقائنا وحلفائنا مثل اسرائيل". بولتون يحمل ايضاً على رئيس وكالة الطاقة الذرية الدولية محمد البرادعي ويتندر على الاتحاد الأوروبي ويكشف ان رايس لم توافق على تسفيه رسالة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الى بوش. في ما يلي حلقة ثالثة من كتاب بولتون: في أعقاب انتصار بوش في الانتخابات الرئاسية في 2 تشرين الثاني نوفمبر 2004 ، قدّمت الترويكا الأوروبية آخر اقتراحاتها إلى إيران، على أمل بأن تحصل على قرار إيران الجدي الحاسم بتعليق كل نشاطات التخصيب وإعادة المعالجة. وسمعنا منهم في شكل متكرّر، وبخاصة من وزير الخارجية البريطاني جاك سترو والمدير السياسي البريطاني جون ساورز، أنّه اتفاق منجز في شكل أساسي، ولا ينقصه سوى بعض النقاط، وأنّ التقدّم يتحقّق في شكل جيد، وأنّ العمل جارٍ على إنهاء التفاصيل الأخيرة، وما إلى هنالك. في الواقع كنّا نسمع ذلك إلى أن حلّ 11 تشرين الثاني، عندما تحدّثت إلى ساورز وقال بحماسة عظيمة،"سيعلن الإيرانيون خلال ساعة"أنّهم سيقبلون اتفاقاً جديداً مع الترويكا الأوروبية. وأنّ إيران أرسلت أيضاً"رسالة جانبية"تتعامل مع"قضية أو اثنتين"حيث"ستضع فيهما تفسيرها"، ما يعني أنّ الترويكا الأوروبية ستتبع تفسيرها. قلت إنّ ذلك سيثير مشكلة. وقال ساورز بأقصى ما يمكن من سعادة، لا"بل إنّ إيران سترسل مع البرادعي فيما كنّا نتحدّث، رسالة تؤكّد التعليق وتدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى التحقّق من ذلك. سألت ساورز إذا كان لديه الرسالة الجانبية"فقال نعم لكنّه لم يرسلها إلي. بعد بضع ساعات، اتصل البريطانيون بجيم تيمبي، أحد الموظفين لديّ، ليقولوا إنّهم بعد قراءة"الرسالة الجانبية"طلبوا من إيران ألا تعلن عن"الاتفاق"، وأن تنتظر إلى اليوم التالي على الأقل. من المثير للاهتمام أنّ البريطانيين قالوا عندئذ إنّ الفرنسيين والألمان يعارضون أي"رسالة جانبية"، ما يعني أنّ موقفهم أصلب من البريطانيين! كانت هناك نقطة في الرسالة الجانبية الإيرانية تشير إلى أنّ إيران في حاجة إلى قليل من الوقت الإضافي لإدارة مرفق التحويل في أصفهان، إذ ليس بوسعهم إغلاقه بسرعة. وذلك بالطبع هراء، لأنّ مثل هذه المعامل مصمّمة للإغلاق بسرعة في حال وقوع حادث ما. حصلنا بعد ذلك على نسخة من الرسالة الجانبية، وكانت تحتوي على نقاط مثيرة للمشاكل، مثل الحدّ الزمني للمفاوضات وقرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما أوحى بعدم وجود توافق في التفكير وربما عدم وجود أي اتفاق، على رغم تفاؤل ساورز. اتصل ساورز في الثانية إلا ثلثاً تقريباً بعد الظهر ليقول إنّ سفراء الترويكا الأوروبية في طهران سيردّون على الرسالة الجانبية الإيرانية في المساء، ما سينهي الأمور. سألت عن سبب ثقته، فقال إنّ سفراء الترويكا الأوروبية يعتقدون أنّ الرسالة الجانبية كانت ضرورية لإقناع رجال الدين المتشدّدين بالموافقة، وقد تحقّقت الآن. على رغم أنّ بلير كان موجوداً في واشنطن، فإنّه لم يبحث موضوع إيران مع بوش سوى في شكل موجز. وقال لي باول إنّ بوش كان متردّداً في أن يعبّر علناً عن رأيه باتفاق الترويكا الأوروبية الأخير مع إيران لأنّه رفض للتوّ طلب بلير بأن نعقد مؤتمراً للسلام في الشرق الأوسط أو نعيّن مبعوثاً خاصّاً للشرق الأوسط. على رغم ما قاله ساورز، أخبرنا البريطانيون لاحقاً أنّ رجلهم في طهران لا يريد تقديم ردّ الترويكا الأوروبية لأنّه يعتقد أنّه يُخرّب الاتفاق! وأخيراً أعلنت إيران في 14 تشرين الثاني أنّها توافق على الاتفاق وستعلّق التخصيب وإعادة المعالجة في 22 تشرين الثاني. وأعلن حسين موسويان كبير المفاوضين النووين الإيرانيين:"إنّ أوروبا ستدعم انضمام إيران إلى المجموعة الدولية للدول التي تمتلك القدرة على صناعة الوقود النووي"متى انتهى التعليق . وقال علي لاريجاني، ممثّل القائد الأعلى خامنئي في ذلك الوقت في المجلس القومي الإيراني، إنّ الدبلوماسيين الإيرانيين تخلّوا عن"لؤلؤة دائرية"للحصول في المقابل على"قطعة سكاكر". وعقد روحاني مؤتمراً صحافياً أعلن فيه،"ما من مشكلة إذا أرادت إيران البدء في تخصيب اليورانيوم. ويقال استناداً إلى الاتفاق إنّ الأوروبيين سيدعمون إيران في أن تصبح عضواً في نادي دورة الوقود". يا له من اتفاق! طمأنتنا الترويكا الأوروبية إلى أنّها ضغطت على إيران للتوقّف عن الإدلاء بمثل هذه التصريحات، كما لو أنّ ذلك سيحلّ المشكلة. بل إنّها اعترفت بأنّ من الواضح أنّ إيران لم تتخذ قراراً استراتيجياً بالتخلّي عن السعي الى الحصول على الأسلحة النووية. في يوم الاثنين في 15 تشرين الثاني 2004، افتتح باول اجتماع الموظفين في الخارجية بالإعلان عن أنّه سيستقيل من منصبه كوزير للخارجية، وسيرحل في نهاية فترة بوش الأولى. ثم غادر متوجّهاً إلى البيت الأبيض، وتابع أرميتاج الاجتماع. فوجئت من عدم التصفيق أو أي عرض آخر للدعم عندما غادر، لكن ربما أحدث الخبر صدمة شديدة. وقد استهلك حتماً الكثير من الوقت ما تبقّى من الأسبوع، على رغم أنّ باول نفسه سافر في رحلة مقرّرة من قبل إلى أميركا اللاتينية. في أثناء توقّف لإعادة التزوّد بالوقود في مانوس بالبرازيل، وسط غابة الأمازون الاستوائية، قرّر باول التحدّث إلى الصحافة. أخبرني أرميتاج بأنّ باول تحدّث مطوّلاً عن المعلومات الاستخبارية عن مساعي إيران الى استخدام قدرتها النووية في صناعة الأسلحة النووية التي تجهّز بها رؤوساً حربية متوافقة مع مساعيها في صناعة الصواريخ البالستية. وقد ذهلت، لكنّني ذهلت أكثر عندما اتصل باول نفسه وبدأ بالقول،"لن تصدّق ما فعلته للتوّ". نادراً ما أعجز عن الكلام، لكنّني عجزت في ذلك الوقت. قال باول إنّ أحدهم سأل عن معلومات أذاعتها حديثاً مجموعات إيرانية منشقّة، لا سيما إذا كان عبد القدير خان قد قدّم معلومات عن تصميم الأسلحة. قال باول إنّ المنشقين يكونون مصيبين أحياناً وغير مصيبين أحياناً أخرى، وكان السؤال التالي عن أنظمة الإطلاق. وبدأ لسبب ما بحث المعلومات التي تلقّيناها مؤخّراً، وتعمّق كثيراً. ومما قاله،"شاهدت بعض المعلومات التي توحي أنّهم يعملون بنشاط على أنظمة الإطلاق... فلن تحصل على سلاح ما لم تضعه في شيء يمكن أن يطلق السلاح. وأنا أتحدّث عما يفعله المرء بالرأس الحربي. ونحن نتحدّث عن معلومات تقول إنّهم لا يمتلكون الصواريخ فحسب، بل المعلومات التي توحي بأنّهم يعملون بجدّ على كيفية وضع الاثنين معاً". شعرت بالسرور. أولاً لأنّني لم أفعل ذلك. ثانياً، أعتقد أنّ هذا هو نوع المعلومات الاستخبارية الذي نحتاج إلى إذاعته علناً لإظهار ما تضمره إيران. وبما أنّ باول تحدّث الآن، فبإمكاني الإشارة من دون ارتياب إلى المؤتمر الصحافي في الغابة وأترك للصحافيين التوصّل إلى استنتاجاتهم. ثالثاً، جاءت هذه المعلومات فيما تسرع الترويكا الأوروبية نحو إبرام"اتفاق"مع إيران، وقد سألت ساورز عنها في أحدى محاوراتنا. كنت واثقاً من أنّه لا يبالي البتة بما تقوله المعلومات الاستخبارية، ومن المرجّح أنّه يشككّ فيها أيضاً، لا أنّه لم يكلّف نفسه عناء الاطلاع عليها. بل إنّه كان في الواقع متحدياً في تجاهلها، وقلقاً جداً من اتهامه بالمبالغة في التحدّث عما يعرفه، بسبب إخفاقات الاستخبارات في العراق. هذا هو الإثبات على أنّ الدبلوماسيين، على غرار الجنرالات، يميلون إلى خوض حروب سابقة، وتجنّب الأخطاء التي ارتكبوها في المرة الأخيرة بارتكاب أخطاء في الاتجاه المعاكس. إنّ عدم التحرّك في وجه المخاطر التي تشكّلها النشاطات الإيرانية لا يرقى إلى"اللعب بأمان"وتجنّب أخطاء العراق. بل يعني بدلاً من ذلك رمي النرد على نيّة رجال الدين الحسنة، وتلك مقامرة يائسة حقاً وتحمل معها أعلى المخاطر على سكّاننا المدنيين الأبرياء، وأصدقائنا وحلفائنا مثل إسرائيل. لقد كان هذا النوع من المعلومات عن التسلّح أحد الخطوط الحمر بالضبط التي سألت عنها ساورز وإهرمان من قبل، وقالا في ذلك الوقت إنّها تعني نهاية المفاوضات مع إيران. لكنّها في النهاية لم تعنِ شيئاً من ذلك، ما يثبت ما كنت أؤمن به دائماً، وتحديداً أنّ هذه المفاوضات مسعى تقوم به الترويكا الأوروبية لتثبت أنّها مختلفة عن الولاياتالمتحدة، وأنّ إيران ليس العراق. أما وقد أعلن باول الآن عن بعض المعلومات الاستخبارية على الملأ، فقد أصبح من الصعب جداً على ساورز أو سواه التغاضي عنها . كانت مشكلتنا المباشرة أنّ توقيت هذا الاتفاق الأخير بين الترويكا الأوروبية وإيران، قبل اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة النووية في تشرين الثاني، أجهض ثانية مساعينا الى إحالة إيران إلى مجلس الأمن. والأسوأ من ذلك أنّ الترويكا الأوروبية قد تبذل جهوداً مستمرّة كي يصدّق مجلس المحافظين على الاتفاق، وهم يعملون على ذلك بجدّ بالفعل على رغم أنّنا والأستراليين والكنديين نريد شيئاً أقوى. وفي حين أنّ الترويكا الأوروبية كانت قادرة على المقاومة، فإنّها ذابت أمام حملة الشكوى الإيرانية التي أضعفت مسودّتهم كثيراً. وقد عقدتُ جلسة مباحثات شاملة غرضها الإفادة عن الاتفاق إلى المجلس وبالتالي إيصاله إلى هناك بأي وسيلة، لا لأنّني كنت أعتقد أنّ الترويكا الأوروبية ستقبل بذلك، لكن على أمل بأن تقوّيهم المساومة غير المتكافئة ضدّ الميل إلى الاستسلام. ومن حسن الحظ أنّ إيران فعلت ما كنّا نتوقّعه منها ثانية باقتراحها في اللحظة الأخيرة الاحتفاظ بعشرين جهاز نشط للطرد المركزي"لأغراض اختبارية"، وهي فكرة أيّدها البرادعي بسرعة. كان ذلك بعيداً جداً من الاتفاق أملت بأن ترفضه الترويكا الأوروبية، لكنّها بدأت تبحث عن تسوية على الفور. كانت خطورة أجهزة الطرد المركزي"الاختبارية"بطبيعة الحال أنّها تسمح للإيرانيين بحل المشاكل التقنية المتبقية، وبالتالي تزوّدهم بالمعرفة التي يمكنهم تفعيلها بعيداً من مفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومن دون علمهم أو علمنا. تبيّن أنّ دي لا بولاي وساورز فهما هذه النقطة بوضوح، لكنّ الألمان لم يفهموها .... بدأت رايس ولايتها وزيرة للخارجية متبعة نهجاً متشدّداً مع إيران. لكنّها بدأت بالتذبذب في أواخر شباط 2005، بسبب نيك بيرنز إلى حد كبير، وقد عيّن وكيلاً لوزارة الخارجية للشؤون السياسية، وهو المنصب الثالث في وزارة الخارجية. جدّد بيرنز بسرعة علاقة سابقة مع ساورز وكان قناته الموثوقة إلى الخارجية. أبلغتني رايس في 25 شباط،"إنّنا نفكّر في إدخال بعض التعديلات على سياسة إيران المتعلّقة بمنظمة التجارة العالمية وقطع غيار الطائرات، لا لمساعدة الأوروبيين، ولكن لتجنّب اللوم بأنّنا الطرف المسؤول عن انهيار محادثات الترويكا الأوروبية وإيران. لقد تمكّن الإيرانيون من حشرنا في الزاوية، وعلينا الخروج منها". كان هذا التعليل مضلّلاً لأنّ الاتحاد الأوروبي هو الذي حشر نفسه في الزاوية ويريد أن يجذبنا الآن إليها أيضاً. لم أستطع تصديق عودتنا إلى قضية قطع الطائرات ثانية، بعدما قضي عليها عندما أثارها سترو في المرة الأولى. أعلن عن تسمية جوزيف للحلول محلي في ذلك الوقت، وبدأت أتوارى. ومع ذلك صُدمت عندما أخبرني فيليب زيلكو، مستشار رايس، في 28 شباط أنّ بيرنز سيتولّى قضية إيران لا جوزيف. أبلغت جوزيف بذلك على الفور، فاعترف أنّه غير قلق بالنظر إلى علاقته الوثيقة مع رايس في مجلس الأمن القومي في الفترة الأولى. غير أنّني إذا كنت في حاجة إلى تأكيد حكمة تركي ذلك المنصب، فها هو. كان الانقلاب الذي أحدثه بيرنز أحد أسباب تعاسة جوزيف منذ تسلّمه منصب وكيل وزارة الخارجية للحدّ من الأسلحة. في ذلك الوقت كنت بصدد إرسال رسالتي الرابعة إلى المديرين السياسيين للدول الأوروبية الثلاث في شأن انتهاكات إيران لاتفاقهم هذه المرة حول استمرار بناء مرفق إنتاج الماء الثقيل في أراك، كنّا لا نزال نكتب خطابات قوية تلقيها ساندرز في اجتماع مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية في آذار مارس 2005 . وكنت متشجّعاً لأنّ تعليقات رايس العامّة لا تزال متشدّدة في شأن إحالة إيران على مجلس الأمن، لذا أملت بأنّها تحاول إدخال تغيير تكتيكي على السياسة لا تغيير استراتيجي. على أي حال، كنت في ذلك الوقت غارقاً في معركة تثبيتي في البعثة الأميركية إلى الأممالمتحدة، ولم أعد ألتفت كثيراً إلى العديد من الأمور التي كانت تشغل الكثير من وقتي في السابق. غير أنّ التغيير الكبير جاء للأسف في 11 آذار عندما أيّدت رايس علناً جهود المفاوضات التي تجريها الترويكا الأوروبية، مقابل"التزام"منهم بالذهاب إلى مجلس الأمن إذا ما فشلت هذه الجهود. كان ذلك بالطبع ما أكّدت الترويكا الأوروبية لباول أنّها ستفعله في صيف 2003، عندما بدأوا مفاوضاتهم العقيمة مع إيران. وقد سمح جزء من ذلك التحوّل أيضاً للبرادعي بالحصول على ولايته الثالثة كمدير عامّ للوكالة الدولية للطاقة النووية، وتلك غلطة، لكنّها ربما كانت مقدّرة مسبقاً بعدم حماسة باول لحملتنا ضدّ البرادعي قبل أن يغادر منصبه. قامت إيران مرة أخرى بما ينتظر منها، مثلما كنت أعرف أنّها ستفعل، ما أسعف جهودي للوصول إلى مجلس الأمن. ففي أيار 2005، هدّدت إيران باستئناف التحويل والتخصيب، لأنّ شاحنات جَزَر الترويكا الأوروبية لم تدخل طهران. وفي حزيران يونيو، انتُخب أحمدي نجاد رئيساً، ما قوّى المتشدّدين وأضعف ديبلوماسية"الوجه الباسم"التي انتهجوها في نيويورك. وهكذا عند وصولي إلى الأممالمتحدة في آب أغسطس، كانت إيران نفسها قد غيّرت القوة المحرّكة السياسية لإحالتها إلى مجلس الأمن. وفي مكالمات المجاملة الأولى التي أجريتها، قال نائب المندوب الفرنسي الدائم ميشال دوكلوس دون قيود إنّه يتوقّع أن يرى إيران في المجلس في نهاية آب. وكان جونز باري متشائماً، وقلقاً من أن تعيق روسيا والصين كل ما نحاول فعله. على أي حال، خلصت الترويكا الأوروبية إلى أنّها بحاجة إلى قرار من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يدعو إيران إلى"العودة"إلى"التعليق"الذي"وافقت عليه"، وعملت بشكل محموم ثانية في فيينّا لإنقاذ"اتفاقها". في 11 آب، اعتمد مجلس الوكالة الدولية للطاقة النووية قراراً ضعيفاً آخر، وأجّل الأمور حتى أيلول سبتمبر عندما يتوقّع أن يقدّم البرادعي تقريراً آخر. وكان الأسوأ من ذلك التقارير التي وردت من واشنطن. فقد أخبرني فرد فليتز، وهو من الموظفين العاملين لدي سابقاً، ويعمل الآن مع جوزيف، بأنّ جوزيف يشعر بالاكتئاب من موقف رايس في شأن إيرانوكوريا الشمالية قائلاً،"لم أعهدها هكذا من قبل". في 15 أيلول 2005، عندما عدت إلى واشنطن، أبلغني جوزيف باستياء أنّ رايس تنصت لهيل في شأن كوريا الشمالية، ولسترو وبيرنز في شأن إيران، ولا تنصت إليه بالتأكيد. وجاء مزيد من الأخبار السيّئة في أوائل تشرين الثاني، عندما قال جوزيف،"إنّني معزول، كما أنّنا أنا وكراوتش مقيّدان جداً في ما نستطيع القيام به"، مشيراً إلى الانطباع الواسع الانتشار بأنّ هادلي لا يزال يتصرّف كما لو أنّه مساعد لرايس، على رغم أنّه مستشار الأمن القومي الآن. في اجتماع مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أحصينا أكثر من عشرين صوتاً لإحالة إيران إلى مجلس الأمن، لكنّ الترويكا الأوروبية لم تكن مستعدّة لكسر"روح فيينّا"بفرض التصويت، لا سيما من دون روسيا والصين. وعلى رغم كل مساعي الترويكا الأوروبية، فإنّه لم يكن أمام مجلس الوكالة أي بديل آخر سوى التصويت في 24 أيلول إذا كان يريد الاحتفاظ بدوره. وقد فاز نص الاتحاد الأوروبي الذي يتحدّث عن عدم امتثال إيران لالتزاماتها بموجب معاهدة عدم الانتشار، لكنّه لم يحلها صراحة إلى مجلس الأمن، حيث صوّت اثنان وعشرون بلداً"نعم"بما فيها الهند، وذلك مهم، وواحد ب?"لا"فنزويلا التي يتعذّر كبحها، وامتنع 12 عن التصويت بما فيها روسيا والصين. وهكذا كسرنا"روح فيينّا"قبل المواجهة الأخيرة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شأن الإحالة إلى المجلس، لذا فإنّنا أبعدنا نوبة الخوف من الطريق على الأقل. رب من يسأل كيف يمكن أن تكون إيران في حالة"عدم امتثال"لالتزاماتها بموجب معاهدة عدم الانتشار طريقة الديبلوماسيين لتجنّب كلمة"انتهاك"المخيفة من دون إحالتها إلى مجلس الأمن، لكن هذا ما وصلنا إليه بعد سنتين من العناء. غير أنّ ذلك لم يعنِ الكثير. فما أن انتهى مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أيلول، حتى عادت فيينّا إلى سباتها بانتظار تشرين الثاني، كما لو أنّ إيران ستوقف برنامجها النووي في هذين الشهرين. وفي 26 تشرين الأول أكتوبر، ذكّرنا أحمدي نجاد بما هي المشكلة بالضبط بقوله إنّ إسرائيل يجب"أن تُمحى عن الخريطة". قرّرت أنا وجونز باري وجوب أن يصدر مجلس الأمن بياناً رئاسياً في شأن هذا الاستهزاء بميثاق الأممالمتحدة عضو يدعو إلى القضاء على عضو آخر، لكن في مشاوراتنا في 28 تشرين الأول، اعترضت روسياوالجزائر إذ لا يوجد بند ملائم على جدول الأعمال تثار تحته ملاحظة أحمدي نجاد. وذلك هراء بالطبع. فقمت برسم خريطة صغيرة للشرق الأوسط، ورفعتها في قاعة المشاورات، ثم محوت إسرائيل. واقترحت أنّ ذلك يؤهّل لوضع كلمة أحمدي نجاد تحت بند"الشرق الأوسط"الموجود منذ مدة طويلة على جدول الأعمال. غير أنّ الجزائر والصين قالتا بعد ذلك إنّهما بحاجة إلى تعليمات، ما يعني الاكتفاء بإصدار"بيان صحافي"لم يلفت أي انتباه، كما كانت روسيا والصين والجزائر تعرف. في تشرين الثاني، لم نسعَ ثانية، بطلب من الترويكا الأوروبية، إلى قيام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإحالة إيران على مجلس الأمن. وفي كانون الأول، تناولت الغداء مع كراوتش وبحثنا الفوضى التي تسود البيت الأبيض، وأكّد ما قاله جوزيف في شأن صنع القرار في وزارة الخارجية. وكان كراوتش يعتقد أنّ جوزيف يمكن أن يبقى لمدة سنة في منصبه، لكن ليس أبعد من ذلك. أما بالنسبة إلى كراوتش، فقال إنّه كان نائب نائب رايس، وأنّه لم يكن يستطيع أن يفعل الكثير من دون دعم من فوقه، ما ذكّرني لماذا أنا سعيد بكوني السفير الأميركي في الأممالمتحدة. وكان المراقبون من الخارج يشاهدون الظاهرة نفسها، لا بالنسبة إلى إيران فحسب، ولكن في شكل عام. وكما قال لي قائد إحدى المجموعات، ربما أكون بعد قليل من الوقت"آخر الجمهوريين المتبقّين"في وزارة الخارجية. وخلصوا إلى أنّ رايس لم تعد طليقة. في 10 كانون الثاني يناير 2006، كسر الإيرانيون أختام الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مرفق ناتانز للتخصيب واستأنفوا أعمالهم"البحثية". وبذلك خلصت الترويكا الأوروبية إلى أنّ الوقت حان للتوجّه إلى مجلس الأمن، بعد أكثر من سنتين على وجوب القيام بذلك. بل إنّ روسيا وافقت على مضض، ما أظهر تأثير استئناف إيران أنشطتها التخصيبية في شكل لا لبس فيه ... اتخذ أنان والبرادعي على الفور خطوات لمنع الإحالة. ودعا أنان إلى اجتماع للخمسة الدائمين زائد ألمانيا للتحدّث عن مكالمة مع علي لاريجاني، كبير المفاوضين الإيرانيين الآن. وعندما قال دوكلوس إنّ ملاحظات أنان العلنية غير مساعدة، فقد أنان هدوءه، كما يفعل في الغالب عندما تتحدّاه الحكومات الأعضاء، وقال وهو يرتجف أشياء مثل:"لن أسمح بإلقاء المحاضرات علي"و?"أنا أعرف كيف أقوم بعملي". واقترح البرادعي السماح لإيران بالاحتفاظ بمرفق تخصيب"على مستوى اختباري"، وهي فكرة تشبه كثيراً الاستثناء"البحثي"الذي رفضناه من قبل، مثلما رفضنا هذا الاقتراح، فلم يبطئ ذلك من اندفاع البرادعي. فقد رفض تقديم تقرير تكميلي عن إيران تريده الترويكا الأوروبية والولاياتالمتحدة في الوقت المناسب قبل اجتماع مجلس المحافظين المقرّر في 2 شباط. بدلاً من ذلك تسلّمنا تقريراً من موظف في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد تبيّن أنّه أكثر إفادة من العديد من النواحي، لأنّه لم يخضع للتحرير الشديد المعهود عن البرادعي لمصلحة إيران. وكانت إيران تنسج دعايتها، بما في ذلك استعدادها للنظر في اقتراح روسيا في شأن التخصيب، وهو الاقتراح الذي أيّدته رايس للأسف، ومن ثم أضفت الشرعية ضمناً على أنشطة إيران النووية"السلمية"حتى إذا كانت تنتهك معاهدة عدم الانتشار بالسعي إلى الحصول على الأسلحة النووية .... تحادثت ميركل ثانية مع بوش، وبحثت موضوع إيران إلى جانب جملة من الموضوعات الأخرى، وفي أثناء ذلك أوضح بوش صعوبة المحادثات الأميركية الثنائية المباشرة مع ذلك البلد. فقالت ميركل،"هناك رغبة واسعة في أوروبا لكي تقيم الولاياتالمتحدة علاقات مباشرة مع إيران". فرد بوش:"لكن عندئذ سنصبح البلد الشرير. لا يمكن أن نحلّ هذه القضايا إذا كنّا في المقدّمة، فسيتراجع الاتحاد الأوروبي... وسيلومنا على أي مشكلة". وتابع قائلاً:"وبخاصّة إذا كنت المفاوض، إذ إنّ العديدين في الاتحاد الأوروبي لن يدعموا أي موقف أميركي، وسيقولون إنّنا عدنا إلى الأحادية ثانية، وأنّنا متشدّدون". وأجابت ميركل بأسف،"نعم، إنّكم تتعرّضون للنقد سواء تفاوضتم أم لا"... قرّرت رايس وجوب الانتهاء من البيان الرئاسي لمجلس الأمن قبل اجتماع وزراء خارجية الخمسة الدائمين زائد ألمانيا في 30 آذار، وهو ما فعلناه"وتمّت تلاوة النص في 29 آذار. وكما كنت آمل، رفضت إيران في 30 آذار البيان الرئاسي، وأثبتت لماذا كان يجب أن نتوجّه مباشرة إلى قرار بفرض عقوبات بموجب الفصل السابع. لم يخرج اجتماع وزراء الخارجية في 30 آذار بنتيجة حاسمة. وفي 11 نيسان أبريل، سمعنا من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنّ إيران تمكّنت من تخصيب اليورانيوم على مستوى درجة المفاعل، ما يعني أنّ أجهزة الطرد المركزي التعاقبية ال164 عملت بنجاح، وهي أخبار مرحّبة بالبرادعي عند وصوله إلى طهران في إحدى زياراته الأخرى .... فيما كنّا بانتظار قدوم رايس إلى نيويورك في 8 أيار، تلقّى بوش رسالة طويلة من أحمدي نجاد تعبّر عن أفكاره. رأيت أنّ علينا تسفيه الرسالة، وهو ما وافق عليه طوني سنو، أحد الملتحقين الجدد بالبيت الأبيض، لكنّ رايس لم توافق. وفي تلك الليلة تحوّل عشاء الخمسة الدائمين زائد ألمانيا إلى أحد أعظم الانهيارات المفاجئة في المسألة الإيرانية بأكملها. فقد أمضى وزراء الخارجية ساعتين بمفردهم قبل العشاء، واتفقوا على نهج من مسارين: متابعة قرار الفصل السابع، والسماح أيضاً للدول الأوروبية الثلاث بتقديم حزمة جديدة من الجَزَر والعصي لإيران. وكان هذا النهج قد بُحث بين المديرين السياسيين للدول الأوروبية الثلاث وبيرنز في آذار، لكنّني ظننت أنّنا قضينا عليه إذ إنّه يظهر الضعف أمام إيران في الوقت الذي يجب أن نظهر القوة. ومع ذلك طرح ثانية وقبلته رايس هذه المرة. لم يكن ما قرّره الوزراء واضحاً لأنّ لافروف قال إنّه ليس لديه النية للموافقة على قرار الفصل السابع أو العقوبات. وبالنظر إلى ذلك الموقف، فإنّ احتمال أن تحتوي"العصي"على عقوبات المجلس أو عقوبات غير فعّالة على الأقل كان ضئيلاً. ويعني أيضاً أن المفاوضات على قرار الفصل السابع ستتوقّف تماماً، وهو ما حصل. فمع مسارعة الدول الأوروبية إلى المفاوضات، لم يعد هناك أي سبيل لكي تسمح روسيا والصين بتقدّم المفاوضات في شأن قرار مجلس الأمن ... جاءت أسوأ الأخبار في يوم الثلثاء 30 أيار 2006، عندما علمت بقرار انضمام الولاياتالمتحدة إلى المحادثات الفعلية، إلى جانب الترويكا الأوروبية وروسيا والصين، إذا وافقت إيران على تعليق التخصيب. كانت رايس تقيم عشاء في واشنطن في مطعم"ووترغيتس أكواريل"يحضره هادلي وبيرنز وجوزيف وأنا، لتبلغنا فيه عن ذلك، أو لتبلغني على الأقل، ولتقرير أي من الصحافيين المحافظين نختار لنطلعهم على مقدار روعة القرار. وكان جوزيف قد أعدّني لذلك في مكالمة عبر خط مفتوح يوم الاثنين قائلاً،"إنّ نيك يبتسم ابتسامة عريضة"، وقد أخبرني ذلك بكل ما أريد معرفته. وقال كراوتش إنّه وهادلي ودان بارتلت وجيم ويلكنسون وآخرين قلقون، لكنّ رايس وبيرنز لم يتأثّرا. وقد تحدّثت رايس مع بوش في كمب ديفيد في عطلة نهاية الأسبوع والطريق مفتوح أمامها. سألت كراوتش عن ردّ الفعل المتوقّع من صحافة البيت الأبيض فقال،"ستعتبر الصحافة ذلك ضعفاً، وستجنّ القاعدة". في غضون ذلك، كان زوليك مستقيلاً من منصبه كنائب لوزيرة الخارجية، ما فترة طويلة من الفراغ من دون نائب، فسمحت رايس لبيرنز بملء الفراغ. سألت أبرامز إذا كان هناك أي احتمال لأن أتمكّن من تغيير الاتجاه الذي تسلكه على مائدة العشاء. فنصحني قائلاً،"استمع فحسب"، لأنّ رايس اتخذت القرار. رأت رايس أنّ مسعى الترويكا الأوروبية يقترب من الانهيار، وعلّلت أنّ علينا التدخّل لإنقاذه، كما حدث في بداية الفترة الثانية عندما غيّرت السياسة! كان علينا بالطبع أن نراقب الترويكا الأوروبية وهي تهوي تحت الموج، ثم نواصل المساعي الجادّة لوقف برنامج الأسلحة النووية الإيراني .... في مطعم"أكواريل"، عندما وصلت رايس، اقترب منها روبرت مكنمارا وقال،"إنّني ديموقراطي، لكنّني أعتقد بأنّك رائعة". وردّاً على ذلك طلبتُ حساء الجزر كمقبّل. لم يلاحظ ذلك سوى جوزيف فكبت ضحكه. وسرعان ما وصلنا إلى توزيع مهمات الاتصال بالصحافيين المحافظين، وقد وقعت كلها عليّ وعلى جوزيف. وفيما كنّا نتحدّث على المائدة، اتصل بوش بهادلي على هاتفه المحمول. وفي أثناء محادثتهما الموجزة، قال هادلي إنّه اتصل بتشيني في وايومنغ وأبلغه بالقرار. أعطى هادلي الهاتف إلى رايس، فسمّت الحاضرين السعداء على حفل العشاء، ثم قالت إنّها تحدّثت إلى كيسنجر وبيكر وباول، حيث أمضى باول معظم المحادثة في بحث موضوع العراق. سألت رايس عما سيحدث في مجلس الأمن إذا رفضت إيران تعليق التخصيب، وهو الأمر شبه المحقّق، فقلت علينا التحرّك على الفور لفرض عقوبات بموجب الفصل السابع، وشدّدت على أنّنا سنكون متوقّفين عن الحركة في نيويورك ما دام العمل جارياً على حزمة الترويكا الأوروبية. انتهى العشاء في الساعة 8.40 مساء. لم يبهجني حساء الجزر. لكنّ أقراص السلطعون التي طلبتها حسّنت مزاجي. ... اتبع أحمدي نجاد الموعد الذي حدده بالطبع وردّ على عرض الترويكا الأوروبية في 22 آب، كما قال دائماً إنّه سيفعل. كان غير منسجم كما في رسالته السابقة إلى بوش، لكن بيت القصيد واضح: لن تعلّق إيران أنشطة التخصيب. وقال أيضاً آية الله خامنئي، القائد الأعلى الإيراني، إنّ إيران لا تنوي التخلّي عن برنامجها النووي، ومنعت إيران مفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى مرافق تحت الأرض في ناتانز حيث يمكن أن يتمّ التخصيب على نطاق صناعي. على رغم أنّني وجوزيف كنّا نريد التحرّك بسرعة بعد حصولنا على جواب أحمدي نجاد، فإنّ بيرنز قال إنّ ذلك قد لا يكون رداً كاملاً، ولعله كان يعكس آراء ساورز كما هي العادة. من حسن الحظ أنّ بوش اتخذ موقفاً متشدّداً في مؤتمر صحافي عقد في ذلك الصباح، وتابعته مع الصحافة طوال اليوم. ومما يثير القلق أنّ رايس كانت تضعف مشروع قرار العقوبات في مواضيع مثل القروض الدولية والسفر الجوي على أساس أنّنا لا نريد معاقبة الشعب الإيراني. غير أنّ لهذه القيود بطبيعة الحال تأثيراً أكبر بكثير على النخبة الإيرانية التي نحاول استهدافها، لذا فإنّ تذبذب رايس، حتى قبل أن نوزّع نص مشروع القرار على الترويكا الأوروبية، ناهيك عن روسيا والصين، مثير للقلق. وكنت أحاول أيضاً ترتيب اجتماع مع الترويكا الأوروبية في نيويورك، لكن الألماني شافر طلب من ماتوسك عدم عقد أي اجتماع تمهيدي حتى نتجاوز موعد 31 آب الذي حدّده القرار 1696. ... وزّعت الترويكا الأوروبية مشروعها لقرار العقوبات في 17 تشرين الأول، فوافق عليه بيرنز من دون أن يبلغني أنا أو كراوتش أو جوزيف. كان نصّهم أضعف مما نعمل عليه، ويشمل فكرة الترويكا الأوروبية التي وافقت عليها رايس بِأن نوضح في قرار العقوبات أنّه لا يشمل مرفق بوشهر، الأمر الذي يمكن أن يرضي روسياوإيران. لقد كانت رايس مرنة مع بوشهر منذ أيام الإدارة الأولى، لذا فإنّ موافقتها على رأي الترويكا الأوروبية لم يكن مفاجئاً. وقال كراوتش إنّه سأل بيرنز،"عندما يمتدح جون هذا القرار أمام الصحافة، ماذا ستكون إجابته عن السؤال، ما النشاط النووي الحالي الذي سيوقفه هذا القرار؟ إذا كان الجواب لا شيء، ألن يكون لدينا مشكلة"؟ كان ذلك سؤالاً ممتازاً، لم يجب عنه بيرنز. ويرجع ذلك إلى أنّ السؤال لا يهمّ الترويكا الأوروبية من جهة، ولأنّ بيرنز لا يعرف من جهة أخرى الكثير عن ميكانيكية تخصيب اليورانيوم أو إنتاج الأسلحة ولا أي من المديرين السياسيين الآخرين باستثناء كسلياك الروسي، وهو المفاوض في شأن الأسلحة في الحرب الباردة. حاولت التراجع عن بعض ما وافق عليه بيرنز، لكنّ الترويكا الأوروبية كانت لا تزال تعتقد بأنّ التنازلات المسبقة أمام روسيا ستسرّع عملية التوصّل إلى اتفاق في شأن العقوبات، وهو ما حسبت أنّه وهم. فذلك سيشجّع الروس على السعي وراء مزيد من التنازلات، وهو ما حدث بالضبط. وكنت قد وزّعت سابقاً رسماً كاريكاتورياً يجمل الأمر بأكمله، ويظهر أحمدي نجاد مدفوناً تقريباً في كومة من الأوراق، وتحتها تعليق يقول:"لا أستطيع أن أجد اليورانيوم المخصّب تحت كل هذه الملاحظات الصادرة عن الأممالمتحدة"... ردّ أحمدي نجاد في 11 كانون الأول بعقد مؤتمر في طهران لبحث هل كان هناك محرقة في أوروبا في أثناء الحرب العالمية الثانية، ووعد بمناظرة معلّلة بين الجانبين. وفي أواخر كانون الأول، كان الموظفون في بعثات الترويكا الأوروبية في نيويورك يشكون الآن مما آلت إليه الأمور، إذ تواصل إضعاف مشروع القرار. وفي أثناء كل ذلك الوقت، وعلى رغم كل هذه التنازلات، فإنّ الروس لم يلمّحوا ولو مرّة واحدة إلى أنّهم سيصوّتون لمصلحة النص عندما يحصلون على ما يريدون. ونشرت صحيفة"وول ستريت جورنال"افتتاحية محقّة تفيد بأنّ القرار الضعيف قد يكون أسوأ من عدم اتخاذ قرار البتة، لكنّ القرار سيصدر لا محالة. وقد جاء أخيراً يوم السبت في 23 كانون الأول باعتماد القرار 1737 بالإجماع. مرّة أخيرة:"إنّنا لا نفشل قطّ في نيويورك". وكنت سعيداً بالعودة إلى واشنطن استعداداً لعيد الميلاد ... يصدر الكتاب مطلع الشهر المقبل عن دار الكتاب العربي في بيروت * غداً حلقة رابعة