أكد قسطنطين كوتزياس، المدير الأوروبي في "مجموعة بلومبرغ إل بي" في حوار مع "الرياض" على هامش مشاركته في منتدى أسواق رأس المال في الرياض 2025 ، أن المملكة العربية السعودية قد تمكّنت من ترسيخ مكانتها كإحدى أكبر وجهات إصدار الديون في الأسواق الناشئة، بالإضافة إلى مواصلة تعزيز موقعها كوجهة جذّابة للمستثمرين بما يتماشى مع "رؤية 2030"، إذ تحظى بإقبال ملحوظ من قبلهم بما يتوافق مع استراتيجيتها الرامية إلى تنويع قاعدتهم وتعزيز الوصول إلى أسواق الدين الدولية. وأشار إلى أن الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة من شأنه أن يؤدي إلى إعادة تشكيل أسواق المال السعودية، فالتطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي ومنصات التداول الآلي تساهم في تشكيل طريقة عمل الأسواق وتعزيز الكفاءة والشفافية وقدرتها التنافسية وقابليتها على التكيّف مع الاقتصاد العالمي المتغيّر. واعتبر كوتزياس أنه بمواصلة المملكة الاندماج مع الأسواق المالية العالمية، سيكون الوصول إلى المعلومات المالية الفورية والقدرة على التفاعل مع تدفقات رأس المال أمراً أساسياً لتحقيق النجاح على المدى الطويل. وتالياً نص الحوار: ما هي اتجاهات الاستثمار الحالية في المملكة العربية السعودية التي تدعم رؤية 2030؟ تواصل المملكة العربية السعودية، مدفوعة برؤية 2030، مسيرة التحول إلى مركز استثماري عالمي، مستفيدة من البيئة الاستثمارية المواتية والإصلاحات الاقتصادية الاستراتيجية. كما تبرز المملكة كإحدى أكبر جهات إصدار الديون في الأسواق الناشئة. ووفقاً للمركز الوطني لإدارة الدين، أصدرت المملكة العربية السعودية سندات ثلاثية الشريحة بقيمة 12 مليار دولار في إطار برنامجها العالمي لإصدار السندات متوسطة الأجل، وقد حظيت بإقبال قوي من المستثمرين، حيث بلغ إجمالي الطلبات نحو 37 مليار دولار. وأكد المركز الوطني لإدارة الدين أن هذه العملية تتماشى مع استراتيجيته الرامية إلى تنويع قاعدة المستثمرين وتعزيز الوصول إلى أسواق الدين الدولية. في منتدى أسواق المال الذي استضافته الرياض الشهر الماضي، أكدت مجموعة تداول السعودية في تصريح لأخبار بلومبرغ أنها تتابع عمليات الاندماج والاستحواذ بشكل وثيق، وذلك باغية تعزيز تطوير سوق رأس المال المحلي وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية. وما زالت عمليات الاكتتاب العام محركاً رئيسياً للنمو، حيث يتوقع تقرير EY MENA IPO Eye لعام 2024 إدراج 38 شركة و22 صندوقاً في عام 2025، تتصدرها المملكة العربية السعودية بنحو 27 اكتتاباً عاماً متوقعاً. ما يعكس تنامي ثقة المستثمرين، ويعزز مكانة المملكة كمركز مالي إقليمي. إلى جانب ذلك، ستلعب أسواق الدين دوراً أساسياً في تمويل مشاريع القطاعين العام والخاص. ومع ذلك، وبغية لتعزيز السيولة ولاسيما في سوق الدين بالعملة المحلية، يتعيَّن على المملكة العربية السعودية مواصلة جهودها الرامية إلى تطوير بنيتها التحتية المالية لجذب المستثمرين الدوليين. وستكون تدفقات رأس المال العالمية ضرورية لدعم النمو على المدى الطويل، فضلاً عن تحقيق طموحات رؤية 2030. كيف تساهم أحدث التطورات التكنولوجية في تشكيل مستقبل أسواق رأس المال في المملكة العربية السعودية؟ تؤدي التكنولوجيا إلى إعادة تشكيل أسواق المال السعودية، ما يساهم في تعزيز الكفاءة والشفافية والقدرة التنافسية العالمية. وقد أسهم النمو السريع لقطاع التكنولوجيا المالية، بدعم من مبادرات مثل "فنتك السعودية"، في دفع عجلة الابتكار وتوفير بيئة مواتية للشركات الناشئة. وانعكس ذلك على توسع حلول الدفع الرقمية، وازدهار الإقراض المباشر بين الأفراد، فضلاً عن توسع منصات التمويل الجماعي، حيث تضاعف حجم الأخيرة سنوياً على مدى السنوات الثلاث الماضية ليتجاوز 3 مليارات ريال (800 مليون دولار) في العام الماضي. كما تساهم التكنولوجيا المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين، في تعزيز البنية التحتية للأسواق المالية. وقد أكدت الحكومة التزامها بتطوير الذكاء الاصطناعي من خلال صندوق استثماري بقيمة 40 مليار دولار، ما يدعم طموح المملكة لتصبح مركزاً عالمياً رائداً في هذا المجال. في الوقت نفسه، تساهم سياسة المصرف المركزي السعودي المفتوحة للبيانات المصرفية في تطوير القطاع المالي عبر تمكين تبادل البيانات الآمن بين البنوك وشركات التكنولوجيا المالية، ما يمهد الطريق أمام حلول أكثر تركيزاً على العملاء، فضلاً عن تعزيز التعاون في القطاع. تؤدي هذه التطورات إلى تبسيط عمليات التداول والاستثمار، وكذلك إلى المواءمة بين الأسواق السعودية والمعايير الدولية. وفي خضم تسارع وتيرة التحول الرقمي، تواصل المملكة العربية السعودية تعزيز مكانتها كوجهة جذابة للمستثمرين. كيف يساهم منتدى أسواق رأس المال العالمية في الرياض 2025 في نمو وتطور أسواق رأس المال في المملكة العربية السعودية؟ يعد منتدى أسواق رأس المال في الرياض منصة مهمة تجمع أبرز اللاعبين الرئيسيين في أسواق رأس المال العالمية لتبادل الأفكار وتعزيز فرص التعلم والتعاون. ويهدف المنتدى، الذي تنظمه مجموعة تداول السعودية، إلى دفع عجلة النمو المستدام والابتكار والاستقرار المالي. يتمثل أحد أهداف المنتدى الرئيسية في تعزيز الترابط بين الأسواق المالية، وذلك من خلال مناقشة التمويل المستدام والتكنولوجيا الناشئة وإصلاحات السياسات. كما يوفر المنتدى فرصاً واسعة لأصحاب المصلحة الرئيسيين لاستكشاف إمكانات الاستثمار العابر للحدود، ما يضمن ترسيخ مكانة الأسواق المالية السعودية كأسواق دينامية وقابلة للتكيف مع الاقتصاد العالمي المتغير. نظراً إلى أنك تقيم في المملكة المتحدة، كيف يمكن للمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة تبادل الأفكار لتعزيز وتوسيع أسواق رأس المال الخاصة بهما؟ تتمتع المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية بأسس قوية للتعاون المالي، وثمة فرص كبيرة لتبادل الأفكار التي ستعود بالنفع على كلا السوقين. تتميز أسواق المال البريطانية بالحوكمة القوية والشفافية والقدرة على توفير التمويل للشركات المدرجة، ويمكن لهذه التجربة أن تدعم جهود المملكة العربية السعودية الرامية إلى تعزيز نظامها المالي، إضافة إلى جذب المزيد من الاستثمارات الدولية، ومواصلة تطوير أطرها التنظيمية. في الوقت نفسه، يوفر النمو السريع الذي تشهده أسواق المال السعودية دروساً قيِّمة للمملكة المتحدة، إذ تواصل المملكة المتحدة إجراء إصلاحات لأسواقها المالية، ويمكنها الاستفادة من تجربة المملكة العربية السعودية في تعزيز السيولة وزيادة نشاط الاكتتاب العام وترسيخ مكانتها كمركز مالي إقليمي. ويتمثل أحد المجالات الرئيسية للتعاون المحتمل في الإدراج المزدوج؛ فخلال المنتدى الذي استضافته الرياض الشهر الماضي، شددت البارونة غوستافسون، الحاصلة على وسام الإمبراطورية البريطانية ووزيرة الاستثمار في المملكة المتحدة، على الفوائد المتبادلة لإدراج الشركات البريطانية في كل من بورصتي لندنوالرياض. ومن شأن هذه الترتيبات أن تمكِّن الشركات البريطانية من الوصول إلى رأس المال السعودي، بينما ستوفر للمستثمرين السعوديين فرصاً استثمارية أكثر تنوعاً. كما أكدت البارونة غوستافسون على أهمية توعية الشركات البريطانية بالمزايا التجارية والاستثمارية المترتبة على دخول السوق السعودية عبر الإدراج المزدوج. كما يمكن أن تلعب مدينة لندن، بفضل خبرتها في تمويل الديون والاستثمار في البنية التحتية العالمية، دوراً رئيسياً في تجسير الفجوة الاستثمارية في المملكة العربية السعودية. ومن خلال الاستفادة من هذه المعرفة، يمكن للبلدين التعاون في المبادرات التي تدفع النمو الاقتصادي وتعزز التقدم الاجتماعي. كما ستكون الشراكات القوية وتبادل المعرفة والمبادرات المشتركة ضرورية لتعزيز وتوسيع أسواق رأس المال في كل من المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة. ما هي القوى التحويلية التي ستؤثر على أسواق المال السعودية في عام 2025؟ ستتأثر أسواق المال السعودية، مثل نظيراتها حول العالم، بالعديد من العوامل الرئيسية في عام 2025. يتمثل أحد أبرز هذه العوامل في التحولات الجيوسياسية والاقتصادية، والتي يمكن أن تؤثر على ثقة المستثمرين، واستقرار السوق، وتدفقات رأس المال عبر الحدود. وستكون قدرة المملكة على التكيف مع هذه التغيرات أمراً أساسياً للحفاظ على ثقة السوق وجذب الاستثمارات الأجنبية. كما سيلعب التقدم التكنولوجي وتحديث المنصات المالية دوراً رئيسياً، فالتطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي ومنصات التداول الآلي تساهم في تشكيل طريقة عمل الأسواق. وسيكون تبني هذه الابتكارات ضرورياً لتعزيز الكفاءة والشفافية وتعزيز إمكانية الوصول إلى الأسواق. لقد أصبح اتخاذ القرارات القائمة على البيانات أكثر أهمية من أي وقت مضى، حيث تعتمد المؤسسات المالية بشكل متزايد على تحليلات السوق الفورية لفهم التقلبات. وتستخدم أسواق رأس المال العالمية البيانات المالية والتحليلات ومنصات التداول في بلومبرغ، ما يساعد المستثمرين والمتخصصين الماليين في المملكة العربية السعودية وخارجها على اتخاذ قرارات مستنيرة في القطاع الذي يشهد تغييرات متسارعة. كما سيكون التكامل عبر الحدود أمراً بالغ الأهمية لضمان تدفق سلس للمعاملات المالية. وسيساعد تعزيز تبادل البيانات بين منصات التداول والأنظمة المصرفية وأدوات إدارة المخاطر على تعزيز الكفاءة وتسهيل الاستثمار الدولي. وبمواصلة المملكة العربية السعودية الاندماج مع الأسواق المالية العالمية، سيكون الوصول إلى المعلومات المالية الفورية والقدرة على التفاعل مع تدفقات رأس المال العالمية أمراً أساسياً لتحقيق النجاح على المدى الطويل.