أهدف هنا إلى محاولة بحث دور العامل النووي في صياغة مستقبل منطقة الشرق الأوسط في ظل السياسة الدولية والإقليمية لفترة ما بعد الحرب الباردة، وما أسفرت عنه حرب الخليج من نتائج كارثية. وأحاول بشكل خاص التركيز على تأثير العامل المذكور استراتيجياً في ميدان الصراع العربي - الإسرائيلي منذ مؤتمر مدريد وانطلاق العملية السلمية وحتى السنوات القليلة القادمة. كما أسعى إلى تتبع تأثير احتكار إسرائيل للأسلحة النووية في صياغة"شرق أوسط جديد"بما يحقق لها وظيفتها الإقليمية في خدمة المصالح الاستراتيجية الأميركية. أبدأ بافتراضات أساسية هي: أولاً، احتكار إسرائيل للأسلحة النووية تتوقف تأثيراته على طبيعة تعامل الإدراك الاستراتيجي العربي معه من جهة، وعلى قدرة إسرائيل في التأثير في السلوك السياسي والعسكري العربي من جهة ثانية. وثانياً، إن نظام الشرق الأوسط الجديد هو نظام مستقبلي قيد التكوين يعبر عن سياسة إقليمية ودولية تسعى الولاياتالمتحدة وإسرائيل معاً على صياغتها. وهذه السياسة تسمح لإسرائيل بتحقيق وظيفتها الإقليمية، والتي يعتبر الاحتكار النووي أهم المداخل لتحقيقها. في ضوء هذين الافتراضين، لا بد من الإجابة على سؤال رئيسي يدور حول السلاح النووي في كل ما له صلة بقيام نظام الشرق الأوسط الجديد، وما يرتبط بذلك من وظيفة إقليمية ودولية لإسرائيل في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. هذا السؤال بدوره يستتبع عدة أسئلة ينبغي الإجابة عليها من مثل: ما هي خصائص ترسانة إسرائيل النووية؟ وما هي احتمالات استخدامها لهذه الترسانة؟ وما هو دور السلاح النووي في الوظيفة الشرق أوسطية لإسرائيل؟ في الإجابة عن هذه الأسئلة لا بد أن نركز على الخصائص الفنية والنوعية المتميزة لهذه الترسانة وبناء الشرق الأوسط الجديد ووظيفة إسرائيل فيه. يعرّف بعضهم"نظام الشرق الأوسط الجديد"بأنه يعمد إلى صياغة خريطة الجغرافيا السياسية للمنطقة بحيث تكون منسجمة مع النظام الدولي، وبما يسهل للولايات المتحدة تعزيز هيمنتها على النظام العالمي. مقولة الشرق الأوسط الجديد هذه تحتاج إلى شيء من المناقشة. ينبغي أن نعرف أن هذا النظام كان فكرة طرحها رئيس وزراء إسرائيل الأسبق رئيس الدولة الحالي شمعون بيريز. لكن هذه الفكرة لقيت معارضة من جانب شريحة واسعة من الإسرائيليين، وبخاصة من اليمين الإسرائيلي، إلى جانب تعرضها إلى انتقادات وعدم تقبل من جانب كثير من العرب، ولا سيما أن عملية السلام كانت متعثرة، وكان لدى العرب - ولا يزال - شكوك حول مطامع"الهيمنة"الإسرائيلية. يعرّف الباحث عصام العامري"الشرق الأوسط الجديد"بأنه"إعادة صياغة لخريطة الجغرافيا السياسية للمنطقة لتكون منسجمة مع النظام الدولي... وبما يسهل للولايات المتحدة تعزيز هيمنتها على النظام العالمي واستمرارها. ولكن العامري لا يوضح لنا كيف جرت أو ستجري إعادة صياغة الجغرافيا السياسية هذه لتكون منسجمة مع النظام الدولي!! ألا تهيمن أميركا بالفعل على كثير من مقدرات المنطقة وسياساتها؟! كذلك وئدت فكرة"الشرق أوسطية"التي طرحها بيريز في مهدها. إذ لا يمكن أن يتحقق الأمن إلا من خلال فعل إرادي عربي، ورؤية عربية للأطراف المعنية بوجود مصلحة حقيقية لها ببعض أشكال التعاون الإقليمي، وبخاصة الاقتصادي. إنها ليست فكرة تعاون قسري! وإسرائيل لا تستطيع أن تفرض على أي طرف عربي - حتى وإن كانت دولة نووية - مشروعاً للتعاون الثنائي أو الإقليمي لا يرى فيه هذا الطرف العربي أو ذاك منفعة حقيقية لمصالحه الأمنية والاقتصادية. ومن جهة أخرى يفسر بعضهم"الشرق أوسطية"الجديدة بعزم الولاياتالمتحدة إحكام السيطرة على منابع النفط وممراته. ومن هنا تبرز أهمية مشروع الشرق الأوسط الجديد بالنسبة إلى واشنطن. ونتساءل: ترى ألا تٌحكم الولاياتالمتحدة السيطرة حقاً على منابع النفط وممراته؟! وهل هي بحاجة إلى إسرائيل، أو لنقل إلى نظام شرق أوسطي حتى تٌحكم هذه السيطرة؟! أما عن علاقة الشرق أوسطية بالتسلح النووي الإسرائيلي فهذه بدورها تحتاج إلى مناقشة. فالتسلح النووي الإسرائيلي يعود إلى بدايات نشأة الدولة الصهيونية حين ابتاعت مفاعلاً نووياً فرنسياً لتصنيع السلاح الحاسم لصيانة كيانها داخل وسط عربي معاد لها. صحيح أن إسرائيل دولة نووية ولكنها لم تجرِ اختباراً نووياً واحداً منذ أن أنشأت مفاعلها النووي. كما أن هذه القوة النووية الغامضة لم يكن لها أي دور يذكر لا في الحروب - حتى في حرب تشرين حين تراجعت كثيراً في حرب سيناء وهرعت أميركا إلى نجدتها، ولا في غيرها من الحروب. كما لم يكن"للشرق أوسطية"دور في إيقاف الحرب، بل إن هذا المفهوم لم يكن قد ظهر بعد. ما يزال مفهوم الشرق أوسطية مفهوماً يكتنفه الغموض حتى أننا نجد له أكثر من تفسير لدى كثير من الباحثين والمفكرين والسياسيين. ما زلنا ننتظر تفسيراً عميقاً شاملاً وافياً"للشرق أوسطية"! هل هو الانخراط في المجموعة الدولية؟! هذا حاصل فالدول العربية ممثلة في معظم المؤسسات الدولية، وهي تشارك بدرجة أو بأخرى في هذه السياسات. هل مطلوب منا انخراط أوسع في النزاعات والخلافات الدولية حتى نصبح شرق أوسطيين؟! هل الشرق أوسطية فرض الهيمنة الأميركية على المنطقة؟! ولكن أليست هذه الهيمنة متحققة بدرجة أو بأخرى فعلاً؟! * كاتب فلسطيني.