يناقش موضوع إيران في الميديا العربية من مفتتح هيجلي، باعتبارها جوهراً ثابتاً وان كان تعيينه يختلف وأحيانا يختلق اختلاقا تبعاً للمقاربة الموظفة بصورة مزاجية لتثبيت علاقة محددة سابقة، وهنا يقصد"العرب"بصورة مجردة أيضاً. ولا يبدو مهماً في هذه العلاقة أن نسبر نحن العرب غور ذاتنا التي نتحدث عنها. فالأصل هو أن الآخر ليس فقط مغايراً وانما هو صاحب مخطط يعمل تجاهنا أو ضدنا وبوجه عام عكس ما نستحقه أو نريده. ويقتضي هذا التوصيف الشك والحذر في الحد الأدنى والخوف والشعور بالتهديد والاستعداد لرد المخطط - المؤامرة بصورة فورية ولو من طريق الفتن والحروب في الحد الأقصى والذي لم يعد مستبعداً في خطاب البعض، بكل أسف. الحديث يستدعي العداء بالضرورة لأنه لم ينطلق الى التعيين الهيغلي"لموضوعة ايران"بصورة تجريدية أو لغرض الدراسة أو التأمل أو حتى الإعداد طويل المدى لموقف أو سياسة ما، فهو معلق في الحقيقة بالآني والفوري لأنه معني بتبرير موقف سياسي جاهز وأصلي، وهو في هذه الحال الموقف من"حزب الله"في لبنان ودوره الكبير الذي جاوز لبنان ليصبح عالمياً ومن ثم اقليمياً بامتياز. وتختلف درجة العداء والاستعداء في التعيين الهيغلي لموضوعة إيران تبعاً لشدة الموقف المطلوب، فالجوهر الثابت لإيران يمكن أن يكون فارسياً، وربما يكون زردشتياً، عندما يكون المطلوب التعبئة ضد"عبدة النار"بما تستدعيه من ايحاءات شعبية وحماسة دينية"اسلامية"تنكر على الايرانيين، للغرابة، مجرد اسلامهم! لقد فعل صدام حسين ذلك، عندما اغتصب مجاز القادسية ليبرر بها حربه العبثية. والآن ثمة طريقة أخرى ومختلفة تماماً وان لم تكن أقل تعبوية بحكم الميراث الثقافي والاجتماعي في بعض الأقطار العربية، فإيران - وفقاً لهذه الطريقة - هي دولة شيعية ثورية. وهي بهذه الصلة مدفوعة دفعاً لمسعى الهيمنة على وراثة النظام العربي المفترض من دون إفصاح أن يكون سنّياً. هنا يصاغ الجوهر بلغة طائفية تستدعي أو تنفخ في نار الفتنة الكبرى، وكأنها لم تنطفئ أبداً، بسبب التحريض الهائج والذي يصل الى درجة التكفير، وفي كل الأحوال يبدأ النقاش وينتهي بصياغات ومسوغات ايديولوجية. وقد يتباين التوظيف السياسي بين وظيفتي الهجوم والدفاع. فالذين يقدمون على التعبئة انطلاقاً من التكفير يعبئون العرب"للجهاد"ضد ايران. ومن المستحيل أن يكون ذلك شعاراً عملياً، ومن المؤكد أنه يخلو تماماً من الجاذبية، لذلك يكتفي الخطاب الهجومي بالدعوة الى خذل"حزب الله"، أما الذين لديهم بعض المعرفة وبعض الخجل في التعاطي مع حدث بضخامة صمود"حزب الله"في مواجهة العدوان الإسرائيلي الإجرامي فقد يكفيهم فقط الإيحاء بأن انتصار"حزب الله"يحسب في"خانة"المشروع الإيراني الشيعي للهيمنة على العالم العربي أو وراثة النظام العربي، وليس في خانة المقاومة العربية للمشروع العدواني والتوسعي الإسرائيلي الأميركي. بإيجاز يبدو التحريض ضد إيران جزءاً إما من مشروع بديل وان كان تكفيرياً، أو جزءاً من العجز نفسه الذي وسم الأداء العربي لعشرات من السنين في علاقته بمشروعات الهيمنة الاسرائيلية والأميركية، بل جزءاً من محاولة إضفاء شرعية على الاستسلام، فضلاً عما ينطوي عليه من دعوة صريحة لفتنة طائفية عربية تعمم المأساة العراقية التي لا تخفى المسؤولية الأميركية المباشرة عنها. مقولة التهديد يحتم بؤس هذا التناول قطيعة جزئية على الأقل مع القراءات الهيغلية لموضوعة إيران كما هي في علاقتها بالعرب والعالم، وقبل كل شيء مع نفسها. القراءة الممكنة تاريخية، وتفهم السياسة الإيرانية عبر مقاربات تاريخية، أعني باعتبارها كياناً مادياً يتحول وتختلط فيه أبعاد الفعل الاجتماعي والسياسي في الداخل والخارج، وتعترض تناقضاته وسائط تاريخية عدة بدورها. وفي نهاية المطاف نحن أمام مجتمع له تاريخ، تتداخل في صياغة سياساته ومواقفه أشواق وخبرات وأخطاء وهفوات، تتباين فيها وتتغير مساحات الأيديولوجيا والتوجهات المتماهية مع تفسيرات مختلفة ومتصارعة للمصالح، وتبتدع في سياقات علاقاتها بالسلطة والدولة استراتيجيات متعددة بعضها اصبح تاريخاً وبعضها الآخر يتم تجريبه في الواقع الدولي والمحلي المعقد. إيران هذه ليست هوية ثابتة أو مشروعاً سياسياً محلياً ودولياً جاهزاً ولا يتغير، بل هي التغير ذاته وإن كان تغيراً محكوماً بتضاريس ثقافية وفهارس وانشدادات مصلحية متصارعة ومتباينة. من المهم أن نقف طويلاً أمام الفكرة المركزية للخطاب المعادي لإيران ومن ثم"حزب الله"، وهو القول بالتهديد الإيراني، لأنه يشكل البعد الحاكم للموقف من القضايا الآنية والاستراتيجية التي لا تزال تحيِّر العقل العربي. الفكرة المركزية هنا أن إيران تشكل تهديداً للعرب. يجب قبل كل شيء أن نحاكم هذه الفكرة محاكمة نزيهة. هل تشكل إيران تهديداً للنظام العربي؟ المهم في مسعى الإجابة على هذا السؤال أن نذهب الى النهاية في كشط الغموض المقصود في الصياغات المراوغة والتي تعني غير مضامينها. إن أي نظام مطلوب وله شرعية هو بقدر ما يقوم برسالة أو وظيفة ما ضرورية وملحة من وجهة نظر المجتمعات العربية. لقد أقام هذا النظام شرعيته في البداية على فكرة استكمال دحر الاستعمار الغربي، ثم على قضية النهوض القومي، أو على الأقل التعاون المشترك في مجال الدفاع ضد العدوان الإسرائيلي تحديداً، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية فضلاً عن ترجمة الروابط الثقافية الى معاني ومشروعات محددة يفترض أن تمنح المجتمعات العربية حقها في خوض تجربة ثقافية أصيلة. وفي الجوهر قام النظام العربي يوماً بيوم على الرغبة في الاستجابة الجماعية لتحدي اسرائيل. وأياً كان الموقف من هذا التحدي فقد فشل بامتياز. لقد فشل النظام العربي في الصمود وفي رد موجات متلاحقة من العدوان الإسرائيلي، وفشل النظام العربي في ملاحقة اسرائيل بمقولة السلام. ففيمَ يكون التهديد إذن؟ التهديد يعني نظرياً أن هناك من يروم وراثة النظام العربي، إلا العرب. فالنظم العربية ليس لديها مشروع لوراثة نظامها بإقامة نظام مقتدر وجديد. وليس هناك أي تهديد للنظام العربي بهذا المعنى لأنه نظام لا ينتسب له ولا يريده أحد من أصحابه المفترضين، وإلا لكانوا حرصوا على توفير ظروف معقولة لتمكينه من القيام بمهمته ووظيفته ورسالته التي تمنحه المشروعية وهي وقف العدوان الإسرائيلي واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى. وفي أفضل الأحوال تبدو النيات الإيرانية حيال النظام العربي غامضة، ولكنها غامضة بالنسبة لعرب ليست لديهم الرغبة في مجرد إنهاء غربتهم الطويلة عن نظام دولي لا يوفر لهم العدالة ولا يحبهم إطلاقاً ولا يحبه أغلبهم أيضاً. ثمة معنى آخر مختلف تماماًَ لمصطلح نظام: وهو المعنى الشائع حقاً في تدارس التاريخ الأوروبي مثلاً أو الواقع السياسي في أقاليم معينة لا تجمعها صفة القومية مثل الحال في العالم العربي. النظام هو ترتيب سياسي في ما بين الدول للدفاع عن الأمر الواقع بما فيه من مصالح وايديولوجيات وعلاقات سائدة... بهذا المعنى مثلاً يريد الأميركيون إقامة نظام شرق أوسطي جديد يقوم بقمع الحركات الثورية والدول المنشقة على منظومة الهيمنة الأميركية. ولكن هذا المعنى يفتقر تماماً للشعبية التي تتركز حول مواجهة مشروع التوسع الإسرائيلي ومشروع الهيمنة الأميركية المساند لإسرائيل، وهو بالتالي يخلو تماماً من أية جاذبية. لننظر لما فعلناه حتى الآن. اننا لا نناقش ايران إذاً كموضوعة فلسفية أو سياسية. إننا في الواقع نناقش حالنا، لأن هذا هو الأصل، إذ لا مهرب إطلاقاً من مناقشة أنفسنا أو ذواتنا في سياق مناقشة اي ادعاء بالتهديد من أي آخر. فما علاقة"موضوعة إيران"بهذه المناقشة؟ ثمة طرق متباينة تماماً لإقامة هذه العلاقة في السياق التاريخي المحدد. هناك طريقة التهرب من المناقشة المحددة، واللجوء الى التعميمات. هنا يقع التهرب من الحاجة للدفاع عن النظام العربي، فهذا الدفاع لا يكاد يثير اهتمام أحد خارج السلطات البيروقراطية والعائلية. ولذلك يفضل أصحاب خطاب التهديد الإيراني المزعوم بالحديث عنه كما لو أنه موجه لعموم العرب - الناس - أو"الأمة"ومصالحها المادية المباشرة. مثلاً، يقال إن مسعى إيران الى امتلاك أسلحة ذرية يهدد الدول العربية، ويخضعها للابتزاز النووي الإيراني. ولا شك أنه عند مستوى معين من التجريد تبدو هذه المقولة صحيحة، ولكن هذه المقولة تعيدنا الى الأصل: أي الى مناقشة حالنا. فإذا كان النظام العربي أو بالأحرى الدول والحكومات العربية تعايشت مع الترسانة النووية لإسرائيل التي تغتصب أرضنا المحتلة، ولا يفعلون حيالها شيئاً، أليس من الأجدر أن يتعايشوا مع"فكرة"تطوير إيران أسلحة ذرية، وهي على أية حال دولة من الدول الأصيلة في المنطقة. وإذا كان العرب يشعرون حقاً بالتهديد من"فكرة"إيران النووية، فلماذا لم يقدموا هم أنفسهم على تطوير برنامج نووي يسمح بتوازن استراتيجي مع كل من يملك مثل هذه الأسلحة، وهو على أي حال وضع يسمح بالاستقرار الذي ترومه الدول والحكومات العربية؟ فالقضية النووية الإيرانية لا يمكن فصلها إطلاقاً عن لوحة كاملة من التهديدات، يبرز فيها مصدران مهمان على الصعيد الاستراتيجي بل على الصعيد السياسي اليومي. هناك أولاً التهديد الإسرائيلي. فحتى بالنسبة الى الحكومات العربية التي لا تشعر تماماً بهذا التهديد على المستوى اليومي يستحيل تجاهل حقيقة احتكار إسرائيل الأسلحة الذرية وما يمنحه لها هذا الاحتكار من قدرة ولو نظرية على الابتزاز. ولو وضعنا هذه البديهية الاستراتيجية على الطاولة يتغير السؤال تماماً. ستستمر إيران تهديداً محتملاً، لكن هذا التهديد يصبح أخف وطأة بكثير إذا وضع في سياق التوازن النووي النسبي الذي قد يتبلور في المنطقة إذا تمكنت إيران من صنع قنبلتها. ويصبح السؤال هل تصبح المنطقة أكثر شعوراً بالتهديد أم أقل إذا تمكنت إيران من صنع أسلحة ذرية، بالمقارنة مع الاحتكار النووي الذي تملكه إسرائيل؟ أظن أن أي عربي بالتجريد سيجيب على السؤال بأن التوازن النووي ولو في الأطر المحصورة بثنائي إيران - إسرائيل افضل للعرب، أو هو أقل سوءاً في الحد الأدنى. إيران هي أيضاً سبب لعدم الاستقرار في المنطقة بسبب تحديها المباشر لأميركا، وهي ربما تذهب في متابعة هذا التحدي للأخذ بسياسات متطرفة. ولكن السؤال هو: ما العيب في ذلك بالتحديد؟ الاستقرار الإقليمي لا يعني أكثر من تثبيت الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية. ولذلك يبرز دائماً السؤال الجوهري: كيف نهز استقرار هذا الاحتلال؟ لدى غالبية العرب إجابة فعلية على هذا السؤال وهي إجابة لا تعجب الحكومات. وهناك شعور لدى الشعوب العربية تشعر بإعجاب حيال قدرة إيران على تحدي الولاياتالمتحدة وخصوصاً ادارة بوش التي تعسكر العالم، وتكثر من شن الحروب ضد بلادنا العربية. ولنناقش الأمر من زاوية نظر الحكومات العربية ذاتها. ان الصراع الايراني - الأميركي يبدو من وجهة النظر الذرائعية البحتة أمراً مفيداً تماماً لهذه الحكومات. فهي على الأقل تبدو من وجهة النظر الأميركية أكثر أهمية وأعلى ثمناً لأنها تحتاجها بشدة في مواجهة ايران. وكان يمكن لهذه الحكومات الحصول على عائد ما وخصوصاً في مجال العدالة للشعب الفلسطيني والحد الأدنى من احترام مصالحها السياسية، إن أعلنت عدم الاكتراث أو حتى الترحيب الصامت بالتحدي الإيراني لأميركا. فلم تكف واشنطن عن التحيز المطلق لإسرائيل ولم تمنح الحكومات العربية حتى مجرد أمل خادع في حل ما للقضية الفلسطينية، ولم تكف عن توجيه الإهانات لهذه الحكومات سواء من طريق إسرائيل القتل اليومي للفلسطينيين واختطاف عشرات من المسؤولين الفلسطينيين أخيراً بل لم تكف تماماً عن الحديث التهديدي عن الفوضى الخلاقة! تشير هذه الجملة الأخيرة الى تهديد ثان صار مركزياً في اللوحة الاستراتيجية للمنطقة - حتى بالمقارنة مع إسرائيل- وهو التهديد الذي تمثله إدارة بوش. فهي تملك مشروعاً عملاقاً لا يقل جسامة عن إعادة المنطقة الى عصر الاستعمار والإخضاع المباشر وشبه المباشر وبالطريقة نفسها التي تأسس بها نظام الاستعمار الغربي الحديث عموماً: أي شن الحروب. وليس من الممكن لأي عاقل في المنطقة تجاهل ما يمثله هذا التهديد بالنسبة الى شعوب بلادنا بل للإنسانية عموماً. فتحت غطاء الحرب على الإرهاب يتم شن حروب لا عقلانية لا تكترث بتدمير النسيج السياسي والمجتمعي والثقافي للمجتمعات العربية في أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان وبصورة غير مباشرة في السودان، بينما تستهدف بقية الأقطار العربية بالتلاعب والضغط السياسي والاقتصادي، وتحاصر سيادتها بعيداً من الاتفاقات والترتيبات الجائرة التي تضع بعض البلاد العربية تحت الإشراف المباشر للأجهزة الأميركية. ولن نبحر هنا في الحديث عن جملة الترتيبات التي تحرم البلاد العربية من المعاملة المتساوية في الإطارين الدولي والإقليمي، مثل نظم الرقابة على صادرات السلاح والصواريخ والمواد النووية، والتي تستهدف تمرير الاحتكار الإسرائيلي وحرمان الدول العربية من القدرة على الدفاع عن النفس. ولن نبحر أيضاً في اللغة والخطاب السياسي والثقافي السائد في الولاياتالمتحدة والذي يتعامل مع الثقافة العربية والدين الإسلامي بقدر لا يخفى من العنصرية والاحتقار. منازعة الشرعية ولكن، هل يعد هذا الحديث عن تهديد إيراني ضرباً من ضروب الوهم، أو صياغة تبريرية صرفة لسياسة منح القواعد والتسهيلات للأميركيين؟ ليس تماماً. فإيران بالفعل شكلت في الماضي ويمكنها أن تشكل في الحال والاستقبال تهديداً يتعين تحديده بدقة. فهي من الناحية الثقافية - السياسية دولة تزعم لنفسها شرعية دينية ومن ثم اطلاقية يمكن توظيفها في تبرير سياسات قمعية في الداخل وعدوانية في الخارج. وكانت بدأت بعد ثورة 1979في انتهاج سياسات تصدير الثورة. كما أنها بالفعل تتبنى مقاربة طائفية في التداخل مع السياسات ومع المجتمعات العربية. ويمثل استمرار احتلالها لعدد من الجزر الإماراتية دليلاً على ما يمكن أن تأتي به تلك السياسات العدوانية. غير أن منطلقها الثقافي السياسي تعرض لتغيرات عميقة. فهي قبل الثورة الخمينية تختلف عنها بعدها، وهي قبل الحرب العراقية - الإيرانية تختلف عنها قبلها. وفي منطلقاتها الحالية، أفضت التجارب والخبرات المتراكمة وأكثرها مرير بالفعل الى التمركز حول خصومتها مع الولاياتالمتحدة، وصياغة سياساتها الخارجية في العالم وفي المنطقة العربية في ضوء هذا التمركز. الاستراتيجية الإيرانية تغيرت في التعامل مع الساحة العربية. فبدلاً من محاولة يائسة لتصدير الثورة. تنتهج إيران الحالية سياسة منازعة النظم العربية في الشرعية الشعبية، بإثبات اقتدارها في التعامل مع الملفات التي تهم الشعوب العربية يوماً بيوم وعلى رأسها ملف إسرائيل وأميركا. ولكن، بالنسبة الى بعض العرب ولأسباب مختلفة تشكل إيران، إذاً، نوعاً من التهديد. لكنه من ذات نوع التهديد الذي قد تمثله حتى بعض الدول والنظم العربية لبعضها البعض من دون أن تقوم بتصعيده الى مستوى التهديدات أو العدائيات المركزية. فبنهاية المطاف نحن نتحدث عن دولة أصيلة في المنطقة، كما نتحدث عن استمرارية وتواصلية بين العرب والإيرانيين أثبتت قيمة تاريخية، ويمكن أن تثبت قيمة سياسية راهنية هائلة. فبين العرب والإيرانيين تداخل اثني وجغرافي وحضاري وديني وثقافي هائل، الى حد أن العلاقة يمكن أن تكون شيئاً من استبعاد المغايرة. وهي كذلك بالفعل مثلاً عندما ننظر الى الإرث المعرفي المؤسس على أرضية الثقافة الإسلامية. يصادر منظور التهديد تماماً على بديل جذري أخر وعملي تماماً حتى من المنظور الذرائعي البحت. ماذا لو قررت الدول والحكومات العربية وقف الحديث عن التهديد الإيراني المزعوم والقيام على العكس بالتحالف مع إيران؟ ثمة حاجة موضوعية لهذا التحالف حتى لو اقر البعض بشيء من التهديد. فالعرب مجتمعون قد لا يمكنهم في الأمد المباشر التوصل الى توازن استراتيجي مع إسرائيل، وعلاقة تحالف مع إيران يمكن أن توفر لهم هذا التوازن. * كاتب مصري