يقول الفيلسوف البرازيلى باولو فريري، وهو شخصية بارزة في التربية والتعليم والاجتماع السياسي:"لن تستطيع أمة أن تحقق ذاتها، من دون أن تغامر بمشاعرها، من أجل التجديد المتواصل لذاتها". فكأن فريري يريد أن يقول إن أي شعب أو دولة لن يقوى على التقدم والازدهار، من دون أن يواصل تطوير قدراته. والأطفال في حاجة إلى نموذج وقدوة إيجابية"يؤمنون"بها، وتجعل منهم إضافة الى ثروات الدولة. وتنبع أهمية التعلّق بقدوة من أن الطفل في صغره، يبدأ في تكوين شخصيته والبحث عن هوية... فإلامَ سيؤول هذا الطفل؟ وما هو دوره في صوغ مستقبله... ومستقبل الدولة أو الأمة؟ ويكاد الفرد يجزم بأن سبباً أساسياً في ما وصلت إليه الولاياتالمتحدة من تقدم وقوة، هو اهتمامها بالأجيال الناشئة والشابة، واعتبارها ركناً أساسياً في استمرار تفوقها. ويؤكّد الرئيس جورج بوش، في إطار جهود إدارته لمكافحة إدمان المخدرات بين الأطفال، على الدور الذي يلعبه نجوم الرياضة الأميركيين، ومنتجو وسائل الترفيه، باعتبارهم نماذج ومُثلاً يحتذى بها. تأثير هذه الشخصيات التي تقدمها وسائل الإعلام، يأتي من خلال تقليد الأطفال تصرفاتها مثلما تنقلها تلك الوسائل. وهذا التأثير هو تأثير وظيفي، لأن هذا النوع من الشخصيات يمد الأطفال بالقوة والأدوات التي تساعدهم بالتغلب على الإحباط واليأس في سعيهم اليومي. ويشير باحثون إلى أن لبعض الشخصيات ? النماذج تأثيراً مؤذياً، لأنها تتعامل أحياناً بعنف وعدوانية. وتشير إحصاءات ودراسات في ميادين النفس والاجتماع والتربية، نُفّذت في الولاياتالمتحدة، إلى وجود علاقة متناقضة أحياناً، بين الشخصية ? القدوة، في نظر أسر أميركية، ومجال عملها. فمن بين هؤلاء مغمورون، لا يعرفهم إلا قلّة من بين أفراد العائلة أو من محيطهم المباشر، ولا صلة لهم بعالم المشاهير والإعلام. القدوة ليست في المشاهير أكدت دراسات في الأوساط الإعلامية، أن نسبة 65 في المئة من الأطفال يعتبرون الأشخاص الذين يعرفونهم قدوة ونموذجاً لهم، في حين اعتبر 35 في المئة فقط، أن هناك أشخاصاً لا يعرفونهم ويمثلون نماذج لهم، مثل الشخصيات الشهيرة التى تقدمها وسائل الإعلام. ويعود السبب في ذلك، من وجهة نظر الأطفال، إلى أن هؤلاء المشاهير إذا لم يعرهم أحد اهتماماً فإنهم يفعلون أشياء سيئة، فضلاً عن أن هذه الشخصيات تتصرف بطريقة مختلفة تماماً، عن تلك التي تظهر بها في وسائل الإعلام، وهو الأمر الذي يشير إلى أن هؤلاء الأطفال لا يأخذون الأمور في ظاهرها، ويشكّكون في ما يرونه جاهزاً أمامهم، وأنهم يتمتّعون بالقدرة على ترجيح أحقية"المشاهير"في أن يكونوا نموذجاً أو قدوة لهم. وتشدد تلك الدراسات على وجود عامل مهم يقود عملية اختيار الأطفال قدوتهم، وهو مدى التشابه بين هؤلاء الأطفال والنماذج المختارة. والتشابه في هذا السياق يكون في الانتماء العرقي أو الجنسي. ذلك أن 67 في المئة من الأميركيين البيض والأميركيين الأفارقة، ينزعون إلى اختيار نماذج بحسب العرق الذي ينتمون إليه، بينما الأميركيون من أصل لاتيني وآسيوي، ينزعون إلى اختيار نماذجهم من أصول عرقية غير تلك التى ينتمون إليها. هناك أيضاً غالبية من الصغار يختارون نماذجهم من جنسهم، أكانوا ذكوراً أم إناثاً، فهناك أربعة في المئة فقط، من الأطفال الذكور يختارون نماذج من بين الإناث قدوة لهم. وترتفع هذه النسبة إلى 24 في المئة بين الفتيات اللواتي يخترن نماذج قدوة من بين الذكور. شخصيات خيالية وكرتونية دُمى الأطفال أيضاً تلعب دور النموذج والقدوة. وفي هذا السياق، تبرز إحدى أشهر الدمى التى تداولتها الأسواق الأميركية، وهي"كريستن"التي ظهرت في أحد عروض العرائس الشهيرة في الولاياتالمتحدة،"سانتا لوسيا". وتأثرت الفتيات الأميركيات بهذه الدمية، إلى درجة أنهن قلدنها، حتى في ملابسها. وهناك شخصيات خيالية، من بين أبطال القصص الشعبية والروايات الأدبية. وهذا النوع من الشخصيات يمثل لبعض الصغار نموذجاً يحتذى به. و"موللي"هي إحدى الشخصيات المحورية لرواية شهيرة في الولاياتالمتحدة، وكان والدها يخدم في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية... وتأثّرت بها إحدى الفتيات فقررت الالتحاق بالقوات الجوية الأميركية. وهي الآن تشغل منصب ملازم أول. وبصفة عامة، يمكن القول إن هناك تفاوتاً بين الشخصيات والنماذج التي يتخذها الأطفال الأميركيون قدوة لهم. ففي دراسة أجريت على عدد منهم حول الشخصيات - القدوة، ظهرت النسب الآتية: 31 في المئة للعاملين في برامج الترفيه، 19 في المئة للرياضيين، بينما اختفت فئة العلماء من تطلعات هؤلاء الصغار. والت ويتمان شاعر الديموقراطية الأميركي والت ويتمان مراهق أميركي في السابعة عشرة من عمره. يهوى الموسيقى، ويؤكد أنه سُمي على اسم أحد الشعراء الأميركيين البارزين الذي ظهر إبان الحرب الأهلية. ويعتبره المواطنون من أكبر شعراء الديموقراطية، داخل الولاياتالمتحدة. ويشير ويتمان المراهق إلى أن سبب إعجابه بهذا الشخص الشهير، يعود إلى أنه كان دائماً في أغانيه، ذا نزعة اندماجية للمجتمع الأميركي، ويشدد على معاني الأخوة بين فئات المجتمع المختلفة، والصفات المشتركة بين البشر. ويضيف المراهق أن هذه الشخصية علمته ما كان يسميه ويتمان الشاعر والموسيقي،"قوة الصوت التي تكسر الحواجز وتفتح الأبواب المغلقة".