انتشرت العديد من الصفات والأخلاقيات السيئة بين بعض الشباب في السنوات الأخيرة لأسباب متعددة على رأسها افتقاد القدوة الحسنة والمثل الأعلى في حياتنا اليومية، وهذا باعث رئيسي لأزمة تربوية على وجه الخصوص، فالقدوة خير أسلوب لتعليم الشباب وتربيتهم على قيم الحب والتسامح والتآلف، ولكن لابد وأن تقترن بالواقع، بمعنى أن تترجم الأفعال الحسنة إلى عمل ملموس وواقعي، حتى يقتنع الشباب لأنه يعلم أنّ الزيف استشرى في أوجه الحياة، وأن اليأس من التغيير يكاد يجمّد النفوس الضعيفة منها. ومناهج الدراسة خير دليل على افتقار القدوة في تلك الأيام، لأنها لا تجد في حياة المعاصرين ما يمثلها؛ فضلاً عن إهمال بعض الرموز التي غيّرت من فكر الشباب واعتزازه بدينه وتاريخه وأمته وفكره، بل أيضاً بتشويه الصورة الطيبة التي قدموها أنموذجاً للأجيال، ثم إبراز شخصيات كانت سبباً في تعاسة الشعوب وتخلفها وهزائمها؛ الأمر الذي يقابله الشباب بالسلبيّة والتعجب؛ حيث انقلبت الموازين وأصبح الزيف حقيقة والباطل حقاً، والجبان بطلاً والخائن أميناً، والبخيل كريماً. وقد أكد مجموعة من الأكاديميين والخبراء في علمي النفس والاجتماع أن تغيّرات كبيرة قد طرأت على النماذج التي تُعتبر قدوة لدى الشباب في المجتمع العربي، فبينما كان العلماء والقيادات الفكرية والاجتماعية يُختارون من قِبَل غالب الشباب كقدوة لهم في الحياة في العقود الماضية، إلاّ أن مكانة هؤلاء قد تراجعت بشكل كبير؛ ولم تعد مجموعات كبيرة من الشباب تعدّهم قدوة، وإنما انصرفت هذه القدوة إلى الفنانين والممثلين ونجوم الفضائيات من مذيعي ومقدمي البرامج (الفنية خاصةً)، بحيث أصبحت هي النماذج التي يُقتدى بها في الملبس والسلوكيات. ويؤكد الخبراء، أن التمادي مع مثل هذه النماذج من القدوة يُسطّح عقول الشباب، ويجعل اهتماماتهم وطموحاتهم في غاية السذاجة، وهذا ما سيضرّ كثيراً بالمستوى الأخلاقي الذي سيكون عليه شبابنا، ويُقلل من فرص حصول أية نهضة على المستوى العلمي والتقني في العالم الإسلامي؛ لأن النهضة تحتاج لشباب جاد، وشديد الطموح، وصاحب تطلعات وعزيمة قوية، قادر على العمل والسهر لساعات طويلة، مُنكبّاً على البحث والتحصيل والعمل. أمّا ما يُبثّ حالياً في الفضائيات والإنترنت، ومحاولة هذه الوسائل تصوير شخصيات بعينها على أساس أنها شخصيات ناجحة وتمثل أنموذجاً للمجتمع، فهذا يُحدث أثراً سلبياً للغاية على الشباب الذي يُصدّق هذا، ويتخذ هذه الشخصيات قدوة له. وتعد الأسرة هي المعين الأول على خلق القدوة الحسنة، التي تتشكل وتتحد بها معالم شخصية الطفل، فهي التي تغرس لديه المعايير والقيم الدينية والأخلاقية التي يحكم بها على الأمور، ومدى شرعيتها وصحتها، ويجب أن تتمثل تلك القيم في سلوك الوالدين، فالملاحظ الآن افتقاد القدوة النموذجية داخل بعض الأسر الأمر الذي ينذر بالخطر . ومن أكثر الأخطاء التي يقع فيها الأبوان اعتقادهما الخاطئ بأن الابن ينمو بطريقة تلقائية جسدياً واجتماعياً ونفسياً. ولقد أثبتت الدراسات والأبحاث الاجتماعية والنفسية أن على الآباء تعليم الأبناء بطريقة إيجابية تبتعد عن النصح والإرشاد وتقوم على تقديم القدوة والصورة المثلى لأبنائهم من خلال الالتزام في أفعالهم وسلوكياتهم.