"حسنة وأنا سيدك" هو القانون الذي يحكم العلاقة بين هناء وحسن. زواجهما قبل 13 سنة كان عن حب، وكعادة الزيجات المبنية على الحب المشتعل، تركت التفاصيل الدقيقة لتتحدد بحسب القدر الذي كثيراً ما يكون"أحمق الخطى". "شركة"الزواج التي يفترض أن تكون أسهمها مشاركة بين الزوج والزوجة لم تكن عادلة التوزيع، لا لجهة ملكية الأسهم ولا توزيع الأرباح، إذ اعتبر حسن أن دوره كزوج وأب يتلخص في تأمين المال اللازم للأكل والشرب والتعليم والترفيه. صحيح أن زوجته تفرغت للبيت وتربية الأولاد بناء على رغبته. ولكن عمل هناء الدائم والمستمر في البيت تنظف وتطهو وتربي وتدرّس، فضلاً عن عملها سائقة لنقل الأولاد ظلّ بالنسبة إلى حسن أقل بكثير من العمل"العظيم والراقي"الذي يقوم به في الخارج، فهو يصحو صباحاً ليرتدي بدلة أنيقة، ويغرق نفسه بالعطر، ويقود سيارته ويتوجه إلى مكتبه المكيف حيث يجهز ملفات العملاء، ويدرس أرصدة الملفات. يشرب الكابتشينو والإكسبريسو، ويتناول"كلوب ساندوتش"في وقت الظهيرة، ويعود أدراجه إلى البيت بعد الظهر ليجد الغداء الساخن في انتظاره، والبيجامة المكوية على السرير الذي يلجا إليه لمدة ساعتين قبل أن ينزل مساء ليقابل أصدقاءه في"الكوفي شوب"أو ليلعب البلياردو، ولا يعود إلى البيت إلا بعد أن يتأكد أن هناء أنهت مذاكرة الأولاد وجهزت لهم العشاء، وأووا إلى فراشهم، فهو"تعبان وشقيان"طيلة النهار وأعصابه لا تتحمل صياح الأولاد ولا وقته يسمح بالمذاكرة لهم. ويعود حسن إلى البيت ليجد هناء أشبه بالمومياء المتحجرة، فهي مرهقة وعصبية ورثة المظهر. وفي حين يرى حسن أن مظهر زوجته دليل على أنها باتت لا تهتم به، تصف هناء وضعها بأنها"مضحوك عليها"، وتحولت من زوجة وأم إلى خادمة ومربية وذلك في مقابل الحصول على الطعام والشراب وبيت يؤويها. يرد حسن على هذا الشعور، الذي عبرت عنه غير مرة، بأن ما تقوم به من رعاية الأولاد والمهمات المنزلية هو صميم مهمة أي زوجة صالحة، لا سيما أنه غير مقصر في حقها ويوفر لها مستوى معيشياً معقولاً جداً، ومطالبة هناء لحسن بالمشاركة في البيت وتربية الأولاد، ولو بالتواجد فقط، مرفوضة تماماً فهو رجل البيت وليس"مسخة البيت"، على حد قوله. في العام الثامن من الألفية الثالثة تقول السيدة مديحة 58 سنة ? والدة حسن - إن"الست ست والراجل راجل"، وأن"الزوجة الشاطرة تعرف أنها عماد البيت، وتماسك الأسرة قائم عليها، فالرجل طفل كبير وأخطاؤه كثيرة، وعليها أن تتغاضى عنها حتى تسير عجلة الحياة". لكن عجلة الحياة تختل حين تعتمد على دوران دولاب واحد منها فقط، هذا الاختلال يبدأ من البيت، كما تقول أستاذة علم الاجتماع الدكتورة سوزان صفوت التي تعتبر إن"البيت المصري بوجه عام ما زال يربي الابن على أساس أنه الطرف القادر على ارتكاب الخطأ والإفلات من العقاب، واستكشاف الحياة بالطول والعرض بغض النظر عن العواقب وإن كل ما يعيب الرجل هو"جيبه". وبالتالي فإن عملية تقويم الرجل تتم على أساس حسابه المصرفي، وكل ما عدا ذلك يمكن غفرانه والتسامح فيه، أما الابنة فنزرع فيها أهمية التسامح وغفران الأخطاء، حتى تلك التي لا تغتفر". وترى صفوت أن هناك الكثير من الأخطاء التي يمكن أن ترتكب ويُتوقع من الزوجة غفرانها، بل وتُطالب بعض الأحيان بذلك، وتعددها بدءاً بالنزوات ومروراً بالعصبية التي قد تؤدي إلى التعدي بالضرب وانتهاء بالزواج بأخرى. وبالإضافة إلى عاملي التربية والتنشئة اللذين يؤديان إلى تنمية استعداد الزوجة لقيامها بدور التضحية والتحمل، هناك عامل آخر أكثر بدائية ألا وهو الأكل والشرب، فالزوجة ما زالت الحلقة الأضعف مادياً في معظم الزيجات، فكم من زوجة اضطرت إلى الاستمرار في زيجة كارثية لأنها في حال الانفصال ستجد نفسها"في الشارع"بالمعنى الحرفي للكلمة. سعاد زوجة منذ نحو 11 سنة وأم لثلاثة أبناء. تقول إنها على إيمان تام بأن زواجها انهار، وتفتت تماماً منذ ما يزيد على عشرة أعوام، فزوجها دائم التعدي عليها، إن لم يكن بالضرب فبالسباب والإهانة. والمرة الوحيدة التي قررت فيها أن تترك البيت بعد إشكال كبير وجدت نفسها ضيفاً ثقيلاً على أخيها المتزوج الذي أوصلها بنفسه إلى بيت الزوج"لأن المرأة ما لهاش إلا بيت زوجها". ولعل مفهوم"بيت الزوج"في حد ذاته جزء لا يتجزأ من الوضع الذي يجعل أدوار البطولة المطلقة في التضحية على الزوجة، فهو"رب البيت"و"القبطان"و"صاحب الكلمة التي لا تعلو فوقها كلمة". وواقع الحال يؤكد أن إعلاء وضع الرجل والمكانة النفسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية المتميزة للرجل في المجتمع المصري تدعم وضعية المرأة المضحية. تحكي زينات 40 سنة عن اليوم الذي استجمعت فيه شجاعتها وتوجهت إلى قسم الشرطة لتشكو زوجها الذي كان يعود إلى البيت في كل ليلة ليضربها هي وأولادها ضرباً مبرحاً لأتفه الأسباب، وذلك بعد ما تزوج بأخرى أصغر منها وأجمل، وفي القسم نصحها الضابط بالانصراف لأنها مضطرة لتحمل الزوج لا سيما أن الشقة باسمه، وأنها لا تملك من المال ما يسمح لها باللجوء إلى مكان آخر، مؤكداً لها"أن على الزوجة احتواء غضب زوجها"، وأن الزواج بأخرى ليس محرماً ولا ممنوعاً. وإذا كان المستوى الاقتصادي والاجتماعي لزينات ساعد على إغراقها في دوامة تحمل الزوج والتضحية بإنسانيتها بسبب فقرها وتقدمها في السن وافتقادها للجمال، فإن كثيرات غيرها دخلن دوامة مشابهة، ولكن من بوابة الثراء والجمال، تقول الباحثة في شؤون المرأة المصرية السيدة أميرة باهي أن صفحات المرأة في الصحف والمجلات وبرامجها الموجهة لها في الفضائيات تدور في فلك إزالة بقع السجاد وتثبيت كحل العينين والطريقة المثلى لتجهيز"السوفليه بالجبن". فاختزال المرأة في حفنة بقع وباقة أدوات تجميل ومجموعة وصفات أكل جعل المجتمع يشعر أنها هذا الكائن التافه المسطح الذي لا يفقه من الحياة سوى هذه الأشياء. الدور الذي تبدع فيه الزوجة والذي يتم تحت مسمى"الاضطرار"أو"المجتمع"أو"الدين"أو حتى"الحب"يتكرر يومياً بأشكال مختلفة وإن كان السيناريو واحداً، فالزوجة"واجبها"التضحية لأنها قيمة نسائية، والزوج واجبه تجاهلها لأنه قيمة ذكورية!