في الأثناء، طرأ على الحياة السياسية الألمانية تغيير يؤذن بما بعده. فانشق أوسكار لافونتين، أحد وجوه الحزب الاشتراكي - الديموقراطي البارزة، عن شرودر وأسس حزب اليسار الراديكالي مع شيوعيين"شرقيين"و"غربيين"سابقين ونقابيين، واشتراكيين - ديموقراطيين رفضوا متابعة شرودر على انتهاجه سياسة"ثالثة"، قريبة من نهج طوني بلير. ولم يبق حزب واحد بمنأى من التغيير. فالحزب الليبرالي انصرف الى المحاماة عن الليبرالية الاقتصادية والاقتصار لها، وعزف عن رفع لواء الحريات العامة، وهي الركن الثاني لنهجه وبرنامجه. ويتساءل الاتحاد الديموقراطي المسيحي عن أمانته للتقاليد المسيحية التي صنعت هويته. وأما الخضر فحملتهم مشاركتهم في الحكم من 1998 الى 2005، على الاعتدال والتعقل، بينما يبحث الحزب الاشتراكي - الديموقراطي عن معالم نهج يعرفه. والحركات السياسية هذه كلها، كانت تتشارك في وسطية وسمت بميسمها الحياة العامة الألمانية. ولكن تنوع المجتمع الألماني، وكثرة منازعه واتجاهاته ومطالبه، وغلبة الاستقطاب الاجتماعي عليه، أدت كلها الى إضعاف الوسطية السابقة وتصديعها. ويعد أوسكار لافونتين ببعث موضوعات بدت فائتة مثل العدالة الاجتماعية، ومكافحة امتيازات الشركات الكبيرة، ورفض المغامرات العسكرية الخارجية بأفغانستان وغيرها. ويلاحظ رئيس الحزب الليبرالي، غويدو ويستيرفيلي، أن"جرثومة لافونتين"تنتشر في ألمانيا. وتتردد أصداء الموضوعات التي يدعو لافونتين الى إحيائها في صفوف الحزب الاشتراكي - الديموقراطي وقاعدته. وتتذمر القاعدة الحزبية والانتخابية من إجراءات شرودر: رفع سن التقاعد الى 67 سنة، وتقليص تعويضات البطالة، على وجه التخصيص. وتدعو منافسة"الراديكاليين"الحزب الأم الى تبني مطالب"راديكالية"كان الاشتراكيون - الديموقراطيون ترجحوا بين اقتراحها الحد الأدنى العام للأجر وبين الاقتراع برفضها، حفاظاً على وحدة التكتل، ثم عادوا الى اقتراحها في انتخابات المقاطعات الولايات. والترجح هذا مرآة لترجح عميق: فالأجوبة التي يقترحها"الراديكاليون"، ويضطر السياسيون الى استعادة بعضها، تراعي تقاليد الاشتراكية - الديموقراطية التاريخية، ولكنها تقصر عن إجابة المشكلات الجديدة ومعالجتها. والى وقت غير بعيد، اقتسم حزبان جماهيريان، الديموقراطي - المسيحي والاشتراكي - الديموقراطي، الى حزب ليبرالي صغير يرجح كفة أحد الحزبين الكبيرين، الميدان السياسي. وأدى ظهور الخضر، في الثمانينات، الى تعقيد الحياة السياسية. فإذا ثبت حزب خامس، اليسار الراديكالي، قدميه، استحال حكم تكتل من حزبين. ومنذ 2005، وحكم"الائتلاف الكبير"، نزعت السياسة الألمانية الى اليسار نزوعاً طفيفاً. فاضطرت ميركل الى التخلي عن إصلاحاتها الليبرالية. واضطر الحزب الاشتراكي - الديموقراطي الى تبني إجراءات يدعو منافسه الى تبنيها على شاكلة الحد الأدنى للأجر، من غير أن يعني هذا التخلي عن مركزية الوسط. وتعد ميركل الانتخابات الآتية على نحو ما أعد سلفها، شرودر، انتخاباته، تحت لواء"الوسط الجديد". عن دانيال فيرنيه، "لوموند" الفرنسية، 26/1/2008