تعبّر الفنانة التشكيلية الأردنية ديالا خصاونة عن مكنوناتها"الثورجية"عبر أعمال فنية خارجة عن المألوف. أكثر ما يميزها رؤيتها الثاقبة للمجتمع وقدرتها على تحويل موضوعات يومية اعتيادية من المجتمع الأردني إلى أعمال فنية، تجمع في طياتها بين أبجديات الفلسفة الوجودية العالية وبساطة الموضوع المطروح لتصل الفكرة إلى شريحة واسعة من المتلقين. تتناول خصاونة في بعض أعمالها إضاءات حول ممارسات اجتماعية معينة تكسر من خلالها فكرة التنميط المجتمعي في ما يتعلق بميول الرجل أو ميول المرأة السائدة من خشونة وابتعاد كلي عن الجمال من الرجال وما يقابل هذه الفكرة المنمطة من نعومة النساء وإقبالهن على الجماليات أكثر من الرجل. تترجم ديالا هذه الفكرة من خلال مشروعها المشترك مع الفنانة الأردنية حنان خليل والذي يسلط الضوء على"محبوبة السائقين"الذكور ممن يقضون معظم ساعات عملهم داخل شاحناتهم الصغيرة المخصصة لنقل البضائع والأثاث وغيرها، والمعروفة داخل الأردن بشاحنة ال"ديانا"وهو لفظ"مؤردن"لنوعية معينة من شاحنات التويوتا المصنفة ب"DYANA". تعبّر ديالا في أحاديثها مع أصدقائها الفنانين عن هوسها بهذه العلاقة العجيبة بين السائق ومركبته، متحدثة في محافل الأنس المختلفة عن قصة تقصّيها ما وراء العلاقة الوطيدة بين سائقي الشاحنات الذكور من"أبو عرب"و"أبو غضب"وغيرهم وهذه"الديانا"المزركشة والتي يعبّر فيها رجال خشنون عن جوانبهم الجمالية التي لا تظهر إلا داخل كوة السائق في شاحنته. فترى أن مقعد الشاحنة مزين بالقلوب والأضواء والوسادات الملونة وتتدلى من سقف الشاحنة الداخلي أنواع المزركشات والأيقونات الملونة الصفراء والخضراء والزهرية، بينما يتزين"جسد"ديانا الخارجي بالرسومات والحلي والنجوم الفضية والذهبية والحمر وبذلك تتحول شاحنة بسيطة المظهر إلى عروس بمقاييس وضعها جيل واسع من الرجال السائقين المنتبهين إلى أن رحلة حياتهم ستنقضي داخل هذه الشاحنة فلا بد من لمسات الجمال التي تخفف وطأة عناء هذا السفر بين المدن والمشاكسات مع الأقران من الرجال. وفي معرض أقامته الفنانتان خصاونة وخليل أخيراً عرضتا كوة سواقة لشاحنة"ديانا"، بإضافة شاشة تلفاز داخلها ليتسنى للحضور الدخول في رحلة البحث عن"ديانا"والتعرف إلى عالم السائقين المهتمين بشؤون محبوبتهم المتطوعين لمساعدة الفنانتين في الحصول على أفضل ما يعكس صورة حقيقية عن عروستهم. تقول خصاونة:"أحضّر للسنة المقبلة مسابقة ملكة جمال الديانا وآمل بأن تصبح حدثاً سنويّاً". وتعتزم الفنانة الشابة توريط أصحاب الشاحنات في حدث تجمع فيه بذكاء بين نوع من أنواع الفنون البصرية المعاصرة وهو فن التجهيز أو التركيب أو التجهيز- التركيب في الفراغ installation art وبين المعاني المختلفة التي يعكسها أشخاص حقيقيون نراهم كثيراً في الطرقات من دون أن نلتفت إليهم أو إلى معروضاتهم الفنية المعبرة عن جوانب جمالية من شخصياتهم. ديالا في أعمالها الأخرى تبتعد عن النخبوية وتعبر عن أشياء شخصية ويومية من خلال أعمال فنية تتميز بروح البحث والتجريب و تثير الدهشة في عقول المتلقين اذ تبرع في وضع العنصر اليومي خارج سياقه المعتاد لتخلق معاني جديدة له. ففي ورشة عمل قبل أسابيع نفذت عملاً فنياً عملياً وغرائبياً في الوقت ذاته، هو عبارة عن سترة متعددة الأغراض مفصلة من شبكة حديد تتدلى منها أكياس بلاستيكية تحمل داخلها بطاقات ونقوداً معدنية وأشياء صغيرة نصادفها في حياتنا اليومية، بطاقة هنا وريشة هناك، لتسلط ديالا من خلال هذا العمل الضوء على ما تمتلئ به حياتنا من أشياء صغيرة لا نعطيها اهتماماً يذكر لكنها مع ذلك تشكل جزءاً كبيراً من رحلتنا الحياتية خصوصاً رحلة ديالا في مدينة ليفربول الكئيبة وتحويلها ما وجدته هناك إلى"سترة من فرح"من خلال توظيف أغراض اعتيادية.