يجمعُ راسمو خطة الإنقاذ الاقتصادي في الولاياتالمتحدة، بخاصةٍ من فريق الرئيس المنتخب باراك أوباما، على أن أفضلَ حلٍّ للخروج من الأزمة في سرعة،"وضعُ المال في أيدي المواطنين". ما يعني تحسين سوق الاستهلاك تمهيداً لإنعاش الإنتاج والتجارة في فرعيها المحلي والخارجي. وتالياً استحداث فرص عملٍ وحماية الفرص المتوافرة. يصحُّ هذا التوجه، في الكثيرٍ من جوانبه، لكن يُخشى أن تسبق تنفيذه، ويستغرق بين ستة شهور وسنتين، عواصف مالية كامنة في قطاعاتٍ تتداعى أساساتها يوماً بعد آخر. فالإعصار المالي الذي اجتاح العالم، على مدى أسابيع، كنتيجةٍ لتداعيات أزمة الرهن العقاري العالي الأخطار، في الولاياتالمتحدة، تخطى درجات الأعاصير العاتية، المعتمدة في علم المناخ. لكن قد يكون انطوى على حقيقة راسخة، إذ برهن للمصرفيين والتجار وغيرهم من"حيتان"ردهات البورصات، أنه لا يمكن كسبُ المالِ بالمال إلى ما لا نهاية. لغاية الآن، يبقى حجم الخسائر العالمية غير واضحٍ. فالتدخل الكثيف من حكومات بلدان عدة، بدءاً من الولاياتالمتحدة، إلى الصين، مروراً بالاتحاد الأوروبي وروسيا وكوريا الجنوبية واليابان، فضلاً عن بلدان أنقذها تدخل صندوق النقد الدولي مقرضاً، إلى جانب المصارف المركزية أيضاً، تشيرُ إلى اتساع حجم الخسائر. ويبدو أن هذا التدخل استطاع أن يعيد الهدوء إلى أسواق المال وإلى النفوس. لكن مثل هذه العلاجات موقتة، ويجب ألا تطمئن بسرابها، نظراً إلى الاعتلالات التي أصابت النظام النقدي وتسببت في إدخاله العناية المكثفّة. ولمعرفة الوجه الخفي من الأزمة، تجدرُ معرفةُ أسرارها. فالأسهم"المسمومة"التي تمثل مئات بلايين الدولارات، تشكل متاهةً تتفرّع عنها متاهات لولبية مترابطة. وسببها أن المصارف، وبهدف تخفيف أخطار القروض الائتمانية المجازفة، لجأت إلى توزيعها رزماً وخلطها مع قروض أكثر ثقة، وحولتها كلها إلى أسهمٍ انسابت إلى الأسواق على أنها أدوات مال سليمة. ومن ثم لجأت مصارف الاستثمار، بما لديها من صناديق خاصة تشاركها صناديق التحوط، إلى خلط تلك الأدوات مع أدواتٍ أخرى خاصة بها، وتبادلتها في ما بينها. ولم يعد أحدٌ الآن يعرف من يملك ماذا وما حجم الكمية. ومن أجل تطهير النظام المالي رصدت الولاياتالمتحدة 450 بليون دولار لشراء المنتجات المسمومة. لكن برنامج الإدارة الأميركية لا يكفي لامتصاص السندات الموبوءة كلها، ثم إنها ليست مخصصة لسائر مصارف العالم التي انخرطت في المجازفة الأميركية. ويركز محللون كثر حالياً على أموال خسائر شركات التأمين. فالأمر هنا لا يتعلق بالقروض المشكوك فيها، بل بعقود التأمين التي أبرمتها المصارف لتغطية ما اكتتبت به لدى مؤسسات مالية أخرى، احتياطاً من الأخطار. فمن"ميريل لينش"، إلى"غولدمان ساكس"، مروراً بپ"فورتيس"، أسماء مال كبيرة أبرمت عقوداً ببلايين الدولارات، بحيث باتت سوق القروض المؤمنة، في ورطة. وبحسب خبراء، تصل القيمة المدهشة لهذه السوق إلى 54 ألف بليون دولار وتقارب الناتج المحلي العالمي. ويبدو أن عقود التأمين وسعت مساحة الأزمة، فعندما انهار مصرف مثل"ليهمان براذرز"، ارتد الدائنون إلى شركات التأمين، التي وقعت في المصيدة لأنها لم تتصور كثرة الطلبات تجاه سيولةٍ لا تكفي، كما حصل مع"أي إي جي"التي أنقذت نهاية المطاف بمبلغ 115 بليون دولار. ومن الأخطار المحدقة، ويتوقع أن تبرز تداعياتها نهاية السنة الحالية ومطلع المقبلة، صناديق التحوط. هذه تدير 6 آلاف بليون دولار استثمرت في سندات مسمومة، 600 من هذه الصناديق أقفلت منذ مطلع السنة الدورية الشهرية كابيتال، ولأن كثراً ممن استثمروا فيها بلدان نفط، صناديق، أموال تقاعد... أعلنوا نهاية أيلول سبتمبر الماضي، انهم يريدون استعادة أموالهم، فهذا يعني أن عليها أن تؤمّن السيولة نهاية هذه السنة، نظراً لكون مدة الأخطار ثلاثة أشهر، ما يفرض عليها تسييل محافظها لتأمين 600 بليون دولار طلب سحبها مستثمرون الاقتصادي باتريك أرتوس، ما قد يسبب انهياراً في البورصات ويشهد إقفال صناديق جديدة. ويقدر خبراء الخسائر المتوقعة في العالم بپ900 بليون دولار.