يقف العالم في مصعدٍ واحد. تقوده العولمة في مساراتها واتجاهاتها، رخاءً وازدهاراً، أو انهياراً اقتصادياً وانكماشاً لا يستثني أحداً. ركاب المصعد، إلى حدٍّ ما يشبهون ركاب"تايتانك"قبل قرنٍ إلا سنوات. حتى لو دخلها ركاب الدرجة الثالثة آخرين، يلقون المصير ذاته. الناجون قلّة. والثمن كبير. هو الاقتصادُ العالمي اليوم. مَنْ في المصعد يتساوون في دفع ثمن جنون الازدهار. الألفية الثالثة بدت فضاءً مليئاً بالثراء على غير عدالة. الولاياتالمتحدة تقود اتجاهات المصعد. بعد سقوط"عرين"النظام الشيوعي، سياسياً ونهجاً اقتصادياً. توسّعت في آحاديتها المتلازمة مع قوّة بطشٍ عسكرية، لا توازيها قوّة. فرضت نهجها، في مفهومها الخاص، إذا وجّهت المصعد صعوداً أو نزولاً، انسحبَ الآخرون في الانسياب ذاته. الدول الناشئة، حاولت أن تغيّر الاتجاه. سرّاً راحت تمتصُّ الدولار من الأسواق. سخّرت الفائض في ميزانها التجاري لشراء العملة الأميركية. أرادت أن تمنحها قوّة شرائية على حساب عملتها الوطنية. هدفت إلى تعزيز صادراتها. اشترت سندات خزينة أميركية. عزّزت القدرة الشرائية للأميركيين أنفسهم. طوّرت صادراتها إليهم. احتلّت الصين المرتبة الأولى لناحية الاحتياط وشراء سندات الخزينة والتصدير إلى أميركا، بعدما احتفظت طويلاً بعملة وطنية"دون قيمتها"الفعلية. الارتباط، ضمن فضاء العولمة، جعل الجنون المالي يضرب الجميع. مستثمرون أفراد، صناديق تحوّط، صناديق استثمار، صناديق تعاضد وتعويضات، صناديق سيادية، دخلوا في"تايتانك"المال. اشتقوا أدوات مال"هستيرية". البليونير وارن بافيت سمّاها"أدوات الدمار الشامل المالي". بافيت نفسه، تحاشى"وول ستريت"مركز الثراء ومؤسسات المال الكبرى، والهستيريا المالية. اكتسب ثروته في"ماين ستريت"، في الاقتصاد التقليدي القديم. أدوات المال الجديدة وليدة أصحاب مؤسسات المال، المصارف الكبرى التي تُحرِّك الاقتصاد بتوفير السيولة واستثمارها، بواسطة آخرين يقترضون. مصارف الولاياتالمتحدة، ابتكرت أساليب حرّرت بها الاحتياطات التأمينية الإلزامية للمقترضين. احتياطات تغطي تخلف مقترضين عن سداد أقساط. فأوقعت بمؤسسات أخرى، مؤسسات تأمين. أفادت"نيوزويك"أن شركة التأمين"أي آي جي"عجزت عن تغطية 14 بليون دولار على شكل قروض ضمنتها لبنوك استثمار وشركات تأمين ومؤسسات، عجز المقترضون عن سدادها. ونظراً إلى توسع الشركة في عمليات"مقايضة الديون"بلغت ديونها 440 بليون دولار. أدوات المال الأميركية صُدّرت إلى البلدان الناشئة. انتقلت عدواها إلى أوروبا والبلدان المتقدمة. الأزمة الراهنة ستصيب الجميع. دول أميركا اللاتينية، روسيا، البلدان الناشئة، البلدان النامية، البلدان المنتجة للنفط والمصدّرة له. وفاء الديون يحوّل الثروات إلى إشغال لا يمتُّ إلى خدمة المجتمعات ورفاهيتها. هي تداوي عللاً راكمها استهتار القطب الواحد بين الدول. انساق وراءه كثيرون. من عارض خرج من السلطة. فالديون المتعثّرة بلغت 62 تريليون دولار قبل أن تهبط إلى 55 تريليوناً منذ فترةٍ قصيرة. نتيجةً لأدوات المال الأميركية، وأهمها"ضمان الديون"، أصيبت بالأذى مؤسساتٍ وشركاتٍ كبرى في العالم. سقطت معها في المصعد المالي. الأذى الأوسع انتشاراً تمثّل في تداعي أسواق المال. انعكست أزمة المال عليها. لم تنجُ بورصة منها وانخفضت القيمة الترسملية التي تمثلّ مجموع قيم الأسهم، وكانت بلغت 77.6 تريليون دولار عام 2003. حالياً لا تزيد على 40.9 تريليون. هذا الاجتياح المدمّر يقلق، خصوصاً أنه تبع ارتفاعاً عالياً في أسعار مواد أولية زادت الجياع. الآن تطل أزمة غذاء جديدة. البلدان المصدرة للنفط ستضطر إلى خفض الإنفاق على الأمن الاجتماعي والبنية التحتية. وسط هذا الذهول تسعى الدول إلى ضمان مصارفها. ضمان الودائع أو القروض. من أجل ضخ المال، قروضاً، في اقتصاداتها. ومن ثم تسعى إلى إعادة النظر في الاقتصاد العالمي. يقول المدير العام لمنظمة التجارة العالمية باسكال لامي:"راهناً يجب إطفاء الحريق. يضع المهندسون تصوراً جديداً. ثم يأتي البنّاؤون."أعمدة الحكمة العشرة"تحدّث عنها خبراء اقتصاد عالميون مجلّة تشالنج. تقضي بالحدّ من الربحية العالية بعد أن تطورت في الأصول الخاصة من 8.4 في المئة في 1994 إلى 16.44 في 2007. الحد من الإكراميات الضخمة خمسة مصارف أساسية في"وول ستريت"دفعت 65 بليون دولار في 2007 في مقابل 24 بليوناً قبل سنة. إعلان نتائج المؤسسات فصلياً بشفافية. تنظيم صناديق التحوّط التي ارتفعت محتوياتها من 506 بلايين دولار في 2002 إلى 2100 بليون العام الماضي. إعادة تأطير تمويل الأسواق والحد من تنويع أدوات المال التي صعدت قيمتها من 13.5 تريليون دولار في 2005 إلى 58 تريليون نهاية 2007. مراقبة وكالات التصنيف، اعتماد نظم محاسبية تتلافى الثغرات، ملاحقة الجنّات الضريبية، تأهيل مجالس الإدارة لجعلها مهنية، تنظيم"برتون وودز"جديد. الأعمدة الجديدة، تحل محل الأعمدة المتداعية. تحمي العالم من الحليب الصيني الملوّث ومن السندات الأميركية"المسمومة".