عندما وصف رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني المشارك في الائتلاف الألماني الحاكم، فرانز مونتيفيرنغ مستثمرين ومؤسسات مالية عالمية بالجراد الذي ينشر الخراب، كانت أصابع الاتهام موجهة في الدرجة الأولى إلى صناديق التحوط المالية العالمية. أما تهمته الموجهة إليها فهي السعي بالسبل القسرية الى زيادة أرباحها إلى حدها الأقصى، في مقابل خفض اليد العاملة في الشركات التي تسيطر عليها، وتقليص الأجور وضمانات البطالة والتقاعد والمرض إلى حدها الأدنى. ويزداد نفوذ هذه الصناديق في شكل سريع إلى حد جعل المراقبين والمحللين يتحدثون عن دخول عصر جديد يتميز بسيطرتها على حركة الاستثمار في الأسواق العالمية. وهو أمر يدل عليه حجم الأموال التي تديرها والمقدرة بأكثر من1500 بليون يورو. وتكمن خطورة نشاطاتها في حجم مضارباتها التي تعتمد على قروض ضخمة، قد تصل إلى مئات بلايين الدولارات لتمويل استثماراتها في الشركات والعقارات والأوراق المالية. ويزيد عدم خضوع هذه النشاطات للرقابة احتمال استثمار هذه القروض في غير محلها، ما يعني تهديد استقرار النظام المالي العالمي عند الهزة الأولى التي تزعزع الثقة في هذه الاستثمارات. ولعل خير مثال على ذلك ما حدث لصندوق التحوط الأميركي "أل تي سي م"LTCM عام 1999. إذ أوصلته القروض الخاسرة إلى حافة الانهيار، ما أحدث انهيارات وصدمات في السوق المالية العالمية ودفع المصارف المركزية في الولاياتالمتحدة ودول أخرى إلى التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وفي السنوات الماضية ازداد التدخل المباشر لصناديق التحوط في صنع القرارات الاستثمارية لدرجة بات يهدد نفوذ الحكومات في أسواقها الوطنية. ومن الأمثلة على هذا التدخل إفشال مشروع دمج البورصة الألمانية ببورصة نيويورك، وإجبار مجلس إدارة"أي بي أن أمرو بنك"الهولندي على عرض المصرف للبيع. ودفع ازدياد المخاوف من سلطة الصناديق حكومات دول صناعية كبرى إلى المطالبة بمراقبتها وضبط نشاطاتها. وتعد ألمانيا من البلدان السبّاقة في هذا المجال، إذ بدأت منذ العام الماضي حملة لإقناع الدول الكبرى بضرورة هذه المراقبة. وفي ضوء بعض النجاح الذي حققته، تحاول الآن ومن موقع رئاستها الحالية للاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الثماني مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى إضافة الى روسيا التوصل إلى اتفاق يحدد آليات المراقبة على أساس إلزام الصناديق بالشفافية تجاه المقرضين والمستثمرين فيها. غير أن عقبتها الأكبر على هذه الطريق، استمرار تحفظ بريطانياوالولاياتالمتحدة إزاء طموحات برلين. وتعود خلفية هذا التحفظ إلى أن أكثر من ثلثي صناديق التحوط المقدر عددها بنحو تسعة آلاف، تتخذ من هاتين الدولتين مقراً لها وتوفر إيرادات ضريبية كبيرة وفرص عمل مهمة للبلدين. غير أن برلين مصرّة على المضي قدماً في مشروعها الذي تريد إدراجه في جدول أعمال قمة الدول الصناعية الكبرى المقررة في الأيام المقبلة، على رغم تحفظات لندن وواشنطن. ويدعم موقفها تقرير أولي أعدته لجنة الاستقرار المالي FSF ، التي تضم ممثلين عن وزارات المال ومؤسسات الرقابة الحكومية المعنية والمصارف المركزية في هذه الدول. ونصح التقرير بضرورة التزام صناديق التحوط الشفافية تجاه المصارف والمستثمرين الذين يقرضونها الأموال. ودعت هؤلاء إلى ربط استثماراتهم فيها بمدى وضوح استراتيجياتها وأوجه الأخطار التي تواجه نشاطاتها. وتشير معطيات الأسابيع الأخيرة إلى ليونة في موقفي لندن وواشنطن إزاء فكرة مراقبة نشاطات صناديق التحوط وضبطها وجعلها أكثر شفافية. وتدل على ذلك تصريحات مسؤولين ماليين في هاتين الدولتين إلى استعدادهما لمناقشة الأمر من مختلف جوانبه بهدف التوصل إلى حل يرضي مختلف الأطراف. ويمكن تفسير ذلك على أنه خطوة على طريق النجاح في وضع ضوابط تحد قدرة صناديق التحوط على المضاربة. ومن خلال خطوة كهذه، ستُجنّب الأسواق المالية العالمية انهيارات وصدمات هي في غنى عنها مستقبلاً. وعربياً سيساعد النجاح في ذلك على تقليل الأخطار التي تواجه استثمارات الأغنياء العرب في هذه الصناديق. كما سيحد بدوره اتساع نار المضاربة التي دخلت بعض الأسواق العربية من أبواب واسعة في السنوات الماضية. * إعلامي وخبير اقتصادي.