رفض مصرف "كريدي سويس" مساعدة من الحكومة السويسرية في إطار "خطة الإنقاذ"، التي تبنّتها لإخراج قطاعها المصرفي من الأزمة المالية التي تجتاح دول العالم، في حين لم يعترض على الحصول على سيولة من صناديق سيادية خليجية، مثل"هيئة قطر للاستثمار"بعد تعرضه لخسائر فادحة تجاوزت 2.1 بليون فرنك سويسري بفعل الأزمة العالمية. وأكد المدير العام لقسم الاستثمار في الأسهم العالمية في مصرف"كريدي سويس"لارس كالبريير، في حديث إلى"الحياة"، أن صفقة"هيئة قطر للاستثمار"تدلّ على ثقة الصناديق السيادية الخليجية في مصرف"كريدي سويس"، على اعتبار أن"المصارف السويسرية من اقل المؤسسات المالية تأثراً بأزمة الائتمان العالمية، وبالتالي ستكون من بين أسرع المصارف العالمية ثقافياً". يذكر ان المصرف حصل قبل أيام على نحو 8.7 بليون دولار من"هيئة قطر للاستثمار"ومؤسسات استثمارية أخرى حول العالم. وفضّل كالبريير عدم الخوض في أسباب اختيار أكبر مصرف سويسري الحصول على سيولة من صناديق سيادية خليجية، بدلاً من الحصول عليها من الحكومة السويسرية، تاركاً الإجابة عن هذا السؤال لمجلس إدارة المصرف. ويبدو أن المصارف السويسرية المستفيدة من سياسة الحفاظ على"سرية"ودائع زبائنها، في استقطاب أموال السياسيين والأغنياء الكبار حول العالم، تفضّل عدم إعطاء الحكومات الأوروبية فرصة التدخل في شؤونها من طريق"خطة الإنقاذ"، التي أعلنتها دول الاتحاد الأوروبي لحماية قطاعها المصرفي من"تسونامي"الأزمة المالية العالمية. ويُشار الى ان المصارف السويسرية تعرضت في السنوات الماضية، لضغوط كبيرة من الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية للكشف عن أرصدة زبائنها، في إطار سياسة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، إضافة الى المنافسة بين المصارف الأوروبية. واتجهت المصارف السويسرية أخيراً الى تنويع عملياتها المصرفية والانتشار حول العالم، والدخول في مجال الاستثمارات الحديثة مثل صناديق الملكية الخاصة وصناديق التحوط، بعدما استفادت على مدى عقود، من الاعتماد على ودائع أغنياء العالم، ما جعل القطاع المصرفي"البقرة الحلوب"التي درّت أموالاً طائلة على الدولة الأوروبية. وأكد كالبريير أن"صناديق التحوط"حول العالم"خسرت أكثر من 100 بليون دولار في الأسابيع الماضية، نتيجة قرار الولاياتالمتحدة ودول أوروبية منع"الشراء على المكشوف"في البورصات العالمية، التي تعتمد عليها هذه الصناديق في استثمار أموال زبائنها، فضلاً عن ابتعاد المستثمرين عن هذه الصناديق تحسباً لمرحلة الركود الاقتصادي التي بدأت تجتاح العالم". وتوقع أن تستعيد"صناديق التحوط"حول العالم التي تقدر رساميلها بنحو تريليوني دولار، عافيتها بعد انتهاء فترة فاعلية قرار منع التداول"على المكشوف"في بريطانيا، المستمر حتى نهاية السنة الجارية. وأعلن أن المصارف السويسرية"ليست نادمة"على توسيع عملياتها المصرفية وتنويعها، إذ أثبتت هذه السياسة أنها"جيدة". ويبدو أن تداعيات الأزمة المالية العالمية، أصابت النظام المصرفي السويسري التقليدي، اذ أفادت تقارير اعلامية، أن مستثمرين كثراً حول العالم، بدأوا في سحب ودائعهم من المصارف السويسرية للاحتفاظ بالسيولة التي باتت نادرة هذه الأيام، ما انعكس سلباً على مصرف"يو بي أس"، الذي اشترت أسهمه الحكومة السويسرية لإنقاذه من الخسائر نتيجة سحب المودعين أموالهم. وأكد كالبريير، ان المؤسسات المالية السويسرية"تنتظر الآن استعادة نشاطها، وستركز على"إدارة الثروات"في المرحلة المقبلة، إذ"يجب ألاّ ننسى الحياة العصرية وتلبية متطلبات الزبائن". وتوقع أن تنتهي أزمة الائتمان العالمية بعد نحو سنة، بفعل إجراءات"الإنقاذ"التي انتهجتها الحكومات حول العالم. لكنه أشار الى أن المرحلة المقبلة ستشهد"نوعاً مختلفاً من المنافسة بين المؤسسات المالية حول العالم"، وستخرج المصارف التي تعرضت لتأثير أقل من أزمة الائتمان العالمية،"قوية"، وأوضح أن المصارف السويسرية"مؤهلة أكثر من غيرها من المؤسسات المالية العالمية، للخروج من الأزمة بوضع افضل مما كانت عليه في السابق، بسبب تنوع عملياتها المصرفية". ورجّح أن تفرز الأزمة"خريطة جديدة للمؤسسات المالية العالمية ولمراكز الثقل في الاقتصاد العالمي، في ضوء خروج المصارف الصغيرة من السوق، واستحواذ مؤسسات كبيرة على أخرى صغيرة ومتوسطة". وتوقع أن ينتقل مركز الثقل الاقتصادي في المرحلة المقبلة من أميركا وأوروبا الى آسيا ومنطقة الخليج،"التي بدأت تسحب البساط من تحت أقدام أميركا كمركز للاستهلاك، بعدما بدأ الأميركيون والأوروبيون يتحوّلون الى الادخار، خوفاً من مرحلة الكساد الاقتصادي، في حين تحول الآسيويون والخليجيون الى مستهلكين من الطراز الأول". ولم يستبعد أن"تفرز أزمة الائتمان العالمية، وانهيار أسواق الأسهم حول العالم فرصة كبيرة لظهور أغنياء جدد حول العالم".