تجرى في جورجيا غداً انتخابات رئاسية مبكرة، يسعى الرئيس المستقيل ميخائيل ساكاشفيلي من خلالها إلى الحفاظ على كرسيه الرئاسي بتفويض شعبي جديد بعد اضطرابات وتحركات واسعة النطاق ضده قادتها المعارضة. ويختار الجورجيون رئيسهم وسط تصاعد السجال الداخلي حول جدوى مواصلة النهج الحالي، ومخاوف غربية على"مستقبل الديموقراطية"في الجمهورية السوفياتية السابقة. وتشير التوقعات إلى احتمال تحقيق ساكاشفيلي فوزاً مقنعاً على منافسيه الستة وأبرزهم دافيد غامرليدزة وايرينا ساراشفيلي، ويتزعم الأول حزب"اليمينيين الجدد"فيما تقود الثانية حملة قوية ضد سياسات ساكاشفيلي وتدعو إلى التقارب مع موسكو والتراجع عن خطط الانضمام إلى حلف الأطلسي، وهما الملفان الأبرز في السجالات الداخلية الجورجية عشية الانتخابات. وتم تحديد موعد الانتخابات المبكرة بعد أحداث تشرين الثاني نوفمبر الماضي، عندما شهدت البلاد أوسع تحركات معارضة طالبت باستقالة الرئيس وتقريب موعد الانتخابات الاشتراعية من خريف هذا العام إلى الربيع. وقامت أجهزة الأمن آنذاك بقمع التحركات المعارضة بقوة أثارت حفيظة حتى حلفاء ساكاشفيلي الغربيين، ما دفعه إلى القيام بمناورة سياسية نجح من خلالها في قطع الطريق على أحزاب المعارضة التي تعاني التفكك وغياب التنسيق. أعلن ساكاشفيلي تقديم استقالته قبل انتهاء ولايته ودعا الى انتخابات مبكرة، وقال إنه"يتنازل طوعاً عن منصبه وليس تحت ضغوط ويقبل بالاحتكام الى صناديق الاقتراع" في خطوة رأى المراقبون أن هدفها الإفادة من ضعف المعارضة والعودة بقوة مستمدة من تفويض شعبي جديد. ويبدو أن مناورة ساكاشفيلي حققت النتائج المرجوة، إذ فوجئت المعارضة بها وأخفقت في رص صفوفها والاتفاق على مرشح واحد لتمثيلها. وتزامناً مع إدلاء المواطنين الجورجيين بأصواتهم في انتخابات الرئاسة نظمت لجنة الانتخابات المركزية استفتاء قالت إن نتائجه"لن تكون ملزمة". وسيجيب المقترعون على سؤالين منفصلين أدرجا في قسيمة الاقتراع، يتعلق الأول بطلب المعارضة تقديم موعد الانتخابات الاشتراعية وصيغ في شكل مباشر: هل توافق على تقديم الموعد إلى ربيع العام 2008؟ العلاقة مع "الأطلسي" أما السؤال الثاني فينتظر أن تعكس نتائج الإجابة عليه المزاج العام في جورجيا حول سياسة التقارب مع حلف الأطلسي التي يصر عليها ساكاشفيلي وصيغ أيضاً في شكل مباشر: هل توافق على انضمام جورجيا إلى حلف شمال الأطلسي؟. وعلى رغم أن نتائج الاستفتاء ليست ملزمة للرئيس المنتخب لكنها بحسب محللين جورجيين ستعزز مواقف ساكاشفيلي بعد فوزه لمواصلة سياساته السابقة على رغم اعتراضات جزء من الأوساط السياسية والحزبية عليها. وبات واضحاً أن تحديد موعد الانتخابات المبكرة وطرح السؤالين الأكثر حساسية حالياً في جورجيا للاستفتاء العام، لم يأتيا تلبية لمطالب المعارضة بل لتخفيف استياء الحلفاء الغربيين لساكاشفيلي وأبرزهم الولاياتالمتحدة بعد قمع تحركات المعارضة. نهاية للحلم الديموقراطي؟ لذا ابدت المنظمات الحقوقية الغربية مخاوفها"لأن الأوضاع في جورجيا تتجه عكس الديموقراطية وحرية التعبير". وعبر تقرير أصدرته مؤسسة"فريدوم هاوس"الحقوقية الأميركية أخيراً عن"مخاوف على مصير الديموقراطية في هذا البلد" معتبرة أن عام 2008 سيكون"منعطفاً حاسماً لجورجيا التي تقف فيها الديموقراطية على الحافة". وأشارت المنظمة التي تجري سنوياً رصداً لأوضاع الديموقراطية في العالم إلى أن تبليسي"سارت في العام الماضي على طريق غير صحيحة في معالجة مسائل الحريات والديموقراطية"وستقوم المنظمة بمراقبة الانتخابات المقبلة مع عدد كبير من ممثلي مؤسسات غربية مختلفة في الولاياتالمتحدة وأوروبا. ويشير مراقبون روس إلى أن"الحرص الغربي على أوضاع الديموقراطية في جورجيا سببه قيام واشنطن ودول غربية أخرى بمحاولة ترويج فكرة أن جورجيا يمكن أن تكون نموذجاً ديموقراطياً في الساحة السوفياتية السابقة"خصوصاً بعدما أظهرت أحداث العام الماضي إخفاق"الثورة الملونة"التي قادها ساكاشفيلي في عام 2004 بدعم قوي من الغرب.