قمع الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي بالقوة، انتفاضة المعارضة في تبليسي، ما أسفر عن مئات الإصابات وسط المتظاهرين المطالبين باستقالته وإجراء انتخابات نيابية مبكرة. وعلى وقع التطورات في تبليسي، شهدت العلاقات بينها وبين موسكو تدهوراً حاداً، بعدما اتهم الجورجيون روسيا بتدبير محاولة انقلاب على ساكاشفيلي، وطردوا ثلاثة ديبلوماسيين روس، فيما توعدت موسكو بالرد بالمثل واتهمت الأجهزة الخاصة الأميركية بالتخطيط لتحرك ساكاشفيلي ضد روسيا. وسرعت موسكو سحب قواتها من الأراضي الجورجية أمس. وشهدت جورجيا في الساعات ال24 الماضية تطورات متسارعة، تراجعت خلالها تبليسي عن تأكيدات سابقة بأنها لن تستخدم القوة لتفريق المتظاهرين الذين نفذوا اعتصاماً مفتوحاً أمام مبنى البرلمان منذ أسبوع، إذ هاجمت الوحدات الخاصة ليل الأربعاء - الخميس الساحة التي تجمع فيها آلاف من أنصار المعارضة، ونفذت حملة اعتقالات واسعة طاولت ناشطين بينهم أحد أبرز الزعماء المعارضين، واستخدمت الهراوات والغاز المسيل للدموع وقنابل صوتية لتفريق من تبقى في الميدان. وبحسب مصادر طبية نقل أكثر من500 شخص الى المستشفيات بسبب إصابات مختلفة، وفرضت الأزمة على الرئيس الجورجي تقديم موعد الانتخابات الرئاسية الى 5 كانون الثاني يناير المقبل. حال الطوارئ وتزامن التحرك مع إعلان الحكومة عن فرض حال طوارئ في البلاد لمدة أسبوعين حظرت السلطات خلاله التجمعات وبث النشرات الإخبارية على كل شبكات التلفزيون والإذاعة في جورجيا ما عدا المحطات الرسمية. وبث التلفزيون الجورجي في وقت لاحق خطاباً لساكاشفيلي موجهاً الى الجورجيين فجر أزمة كبرى، إذ اتهم موسكو بتدبير محاولة انقلاب على النظام والوقوف وراء"أعمال الفوضى والشغب التي شهدتها البلاد". وقال ان"معطيات الأجهزة الخاصة الجورجية دلت الى وجود حكومة جورجية بديلة تم تشكيلها في روسيا". وأعلن الرئيس الجورجي طرد ثلاثة ديبلوماسيين روس، وقال ان الخارجية الجورجية استدعت السفير الروسي في تبليسي وأبلغته بالقرار الذي عزاه الى ان"هؤلاء يقومون بنشاط استخباراتي على أراضي جورجيا". وقوبل قرار ساكاشفيلي بعاصفة في موسكو، انهالت خلالها الاتهامات ضد الحكومة الجورجية. وأبرزت وسائل الإعلام الروسية مشاهد لقمع المتظاهرين اعتبرتها دليلاً على"الديموقراطية على الطريقة الجورجية"، لافتة الى ان"النظام الحاكم مدعوم من جانب الغرب الذي يغض النظر عن تجاوزاته"في إشارة الى ان ساكاشفيلي وصل الى السلطة بعد انتصار"ثورة الورود"عام 2003 والتي لقيت ترحيباً من جانب الولاياتالمتحدة ودول غربية أخرى. وعبرت الخارجية الروسية عن"استهجانها للتحرك الجورجي ضد موسكو"، وأكدت أنها سترد بالمثل على طرد الديبلوماسيين. وجاء في بيان أصدرته الخارجية ان موسكو تعتبر"التصرف الطائش الجديد للسلطات الجورجية عملاً استفزازياً غير مسؤول من الناحية السياسية. وسيتم الرد عليه بالمثل". وأكد البيان ان روسيا"ستواصل مع ذلك تنفيذ التزاماتها في ما يتعلق بالمساعدة في تسوية النزاعين الجورجي - الأبخازي والجورجي - الأوسيتي وحماية المواطنين الروس المقيمين هناك". كما أعرب مصدر في الكرملين عن"قلق موسكو من نشوء بؤرة عدم استقرار في جورجيا بالقرب من الحدود الروسية مباشرة"، ولفت الى ان"تصريحات ساكاشفيلي واتهاماته وما نشهده من هستيريا معادية لروسيا هي أمور لا تحتاج إلى تعليق. وفي ما يتعلق بحقوق الإنسان التي يتكلم پالرئيس الجورجي عنها كثيراً، أتيحت لنا اليوم الفرصة لرؤية كيفية تطبيقها في شوارع تبليسي". اتهام أميركا من جانبه، اتهم رئيس البرلمان الروسي بوريس غريزلوف الولاياتالمتحدة بالتخطيط"للخطوات الجورجية العدائية"ضد روسيا. وقال ان"كل الاتهامات التي توجهها تبليسي الى موسكو جاءت بإيعاز من واشنطن". وأشارت وسائل إعلام روسية الى ان ساكاشفيلي بتوجيهه اللوم الى موسكو واتخاذ"التدخل الروسي المزعوم ذريعة لقمع المعارضة، قرر كما يبدو استخدام ورقة العداء لروسيا لتقديم نفسه بصورة من يواجه عدواً خارجياً وليس شعبه"في إشارة الى ان الحديث عن دور روسي في الأزمة يخفي محاولة لاستنهاض مشاعر العداء لما يوصف بأنه"محاولات روسية للهيمنة على جورجيا تسيطر على قطاعات واسعة بين الجورجيين". وفي واشنطن، ناشدت الخارجية الأميركية الأطراف المتنازعة في جورجيا الامتناع عن القيام بخطوات استفزازية. وأشار الناطق باسم الخارجية الأميركية شون ماكورماك الى الاتهامات الجورجية لموسكو، مؤكداً انه"لا يستطيع بعد التعليق عليها"، مضيفاً انه"لكن إذا تم تأكيد معلومات من هذا القبيل فسوف يثير هذا قلق واشنطن". الانسحاب الروسي في غضون ذلك أعلنت موسكو أمس، عن إتمام انسحابها من قاعدة باتومي العسكرية في جورجيا ونقلت عربات قطار اكثر من 55 طناً من المعدات التي كانت تستخدم في القاعدة. ويأتي الانسحاب تنفيذاً لاتفاق روسي ? جورجي سابق بإنهاء سحب القوات الروسية المتمركزة في جورجيا قبل حلول نهاية العام المقبل، علماً أن موسكو كانت احتفظت بتواجد عسكري في أربعة قواعد على الأراضي الجورجية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، أخلت اثنتين منهما عام 2001، فيما انسحبت من القاعدة الثالثة وهي قرب مدينة اخالكلاكي في حزيران يونيو الماضي. وتعد مسألة خروج القوات الروسية من جورجيا نهائياً واحدة من الملفات الخلافية المتفجرة بين البلدين.