سجّل السناتور جون ماكين تقدماً طيباً على منافسيه الجمهوريين للرئاسة الأميركية في الانتخابات التمهيدية في ساوث كارولينا السبت الماضي، وفي اليوم نفسه كانت هيلاري كلينتون تفوز في نيفادا، غير أن استطلاعات الرأي العام تقول إن باراك أوباما متقدم على هيلاري كلينتون في الانتخابات بين الديموقراطيين وحدهم في ساوث كارولينا السبت المقبل، الا انني لن أجزم برأي فقد أخطأت الاستطلاعات في السابق، وقد تخطئ من جديد. التصفيات الانتخابية ستستمر حتى حزيران يونيو، ثم يعقد الديموقراطيون مؤتمرهم العام في آب أغسطس لاختيار مرشحهم، ويتبعهم الجمهوريون في أيلول سبتمبر ويختارون مرشحهم. المنافسة بين الديموقراطيين تنحصر في هيلاري كلينتون وباراك أوباما، ولا أتصور ان جون ادواردز يستطيع اللحاق بهما. غير انها لا تزال مفتوحة بين الجمهوريين، بعد ان فاز ثلاثة مرشحين مختلفين بالولايات الثلاث التي شهدت منافسة قبل ان يعود ماكين ويفوز مرة ثانية، فأكتفي بالجمهوريين اليوم، وهناك رودلف جولياني الذي ينتظر دوره. القس لاعب الغيتار مايك هاكابي فاز في أيوا, والسناتور جون ماكين فاز في نيوهامبشير وساوث كارولينا، والمحافظ السابق ميت رومني فاز في ميشيغان، فمن يفوز في فلوريدا في 29 من هذا الشهر حيث ألقى جولياني بثقله أملاً بفوز نادر؟ الاستطلاعات تحدد المتقدم في كل ولاية، غير ان الاستطلاعات قدمت كلينتون ففاز أوباما، وقدمت أوباما ففازت كلينتون ما يجعلني أتردد في تصديقها فأنتظر هي تقول إن أوباما متقدم على كلينتون في ساوث كارولينا. هاكابي فاز في ايوا بعد ان أيده المحافظون الاجتماعيون هناك، وهُمْ كُثُر، وماكين انتزع نيوهامبشير بفضل أصوات المستقلين الكثيرين فيها، وعاد فانتصر في ساوث داكوتا على رغم معارضة رموز الجمهوريين له، وفاز رومني في ميشيغان بالتركيز على الاقتصاد بعد ان تقدم هذا في الأهمية بين الناخبين على قضايا خارجية، مثل العراق والمواجهة مع ايران، فقد هبط معدل العنف في العراق، وأبعد تقرير الاستخبارات الأميركية شبح مواجهة عسكرية مع ايران، وتقدم بذلك موضوع الاقتصاد في ولاية صناعة السيارات الأميركية، واستطاع رومني ان يقنع الناخبين بأن ما لديه من خبرات في التجارة والاقتصاد يفوق ما عند منافسيه. لا بد من أن أعود الى المرشحين الجمهوريين بتفصيل أكبر في المستقبل، أما اليوم فأكتفي بعناوين، وبما يتسع له المجال، فالواقع ان معركة ساوث كارولينا أعطت مؤشراً الى الفائز المحتمل لأن كل جمهوري فاز بها في ست انتخابات تمهيدية سابقة فاز بترشيح الحزب، وبعضهم فاز بالرئاسة. ربما كان انقسام الحزب الجمهوري بين المتنافسين سببه ان لا فارق كبيراً بين واحد وآخر، فالأربعة الكبار على يمين اليمين في القضايا الاجتماعية والسياسة، وكلهم يؤيد اسرائيل، والحرب على العراق، وسيؤيد حرباً على ايران اذا استطاعت ادارة بوش تلفيق أسبابها، وهم ضد الإجهاض ومع حمل السلاح للأفراد. غير أن أكثر ما يجمع بينهم هو الانتهازية، فكل مرشح مستعد لأن يقف أي موقف أو ضده اذا كان التغيير سيفيده انتخابياً. جولياني انتهازي بامتياز، وهو عندما كان رئيس بلدية نيويورك عارض منع الإجهاض وأصبح يؤيد المنع، وعارض حمل السلاح وطلب تقييده، وأصبح الآن في جانبه لأنه مطلب الجمهوريين المحافظين. ولعله نادم على علاقاته السابقة مع الشاذين والدفاع عن حقوقهم، فقد فعل لأن نيويورك ليبرالية، غير انه الآن يحاول كسب حزب قاعدته الدينية العريضة تقف موقفاً مختلفاً. في جميع الأحوال، اعتبر جولياني عدواً للعرب والمسلمين، وهذا قبل إرهاب 11/9/2001، ولا أتصور أنه سيفوز بالترشيح، فليس له من فضل سوى 24 ساعة تبعت الإرهاب، وهناك قضايا فساد كثيرة طاولته في السابق من طريق بعض حلفائه، وهي لا تختفي حتى تعود. السناتور ماكين أفضل منه حظاً بالرئاسة، وهو متطرف في الشؤون الخارجية، والى درجة ان يؤيد وجوداً عسكرياً دائماً في الخارج لدعم طموحات الامبراطورية الأميركية. والمعروف أنه أُسر في فيتنام بعد إسقاط طائرته، وقاوم التعذيب طويلاً ثم وقّع"اعترافاً"يهاجم بلاده. وقد شكل ماكين الآن"وحدات حقيقية"بعد ترديد أكاذيب عن سجله، كما حدث عندما رشح نفسه للرئاسة عام 2000، وترددت اشاعات كاذبة عن ان له ابناً غير شرعي. رومني في المقابل"وطنجي"يتغزل بالأميركيين كشعب عظيم طيب، ويؤيد مشروع المحافظين الجدد بالكامل على رغم ما جرّ من ويلات على أميركا والعالم. وهو طبعاً متديّن لأن هذه رغبة الناخبين الجمهوريين، ولكن يعد بعدم خلط الدين بالسياسة. هاكابي لا يعد بذلك، بل ان هذا القس المعمداني يقول إن من الأسهل تغيير الدستور من تغيير كلمة الله، ما يعني أنه ضد الآباء المؤسسين الذين فصلوا الدين عن الدولة. بعد ساوث كارولينا تأتي في 29/1 الانتخابات التمهيدية في فلوريدا حيث يركز جولياني جهوده أملاً بفوز يبقى فرصة حية. غير ان الموعد الأهم هو الخامس من الشهر المقبل، أو"سوبر ثلثاء"عندما تشهد 22 ولاية تنافس الطامحين الى المجد، ومنها 19 ولاية يتنافس فيها مرشحو الحزبين. ولا بد من ان نعرف في السادس من الشهر أسماء الذين سيبقون في حلبة المنافسة والذين سيسقطون على جانب الطريق... والتاريخ.