إذا كان الرئيس ترمب يسعى لخلق رؤية مشتركة للعالم مع حلفائه فقد يتعين عليه الاستفادة من الاستراتيجية السعودية حول القضية الفلسطينية وتحقيق حل الدولتين، لأن الخيار الآخر هو استمرار الأزمة وتوسيع المجال لمنافسي أميركا لتقويض قدراتها الدولية عبر إغراقها بقضايا الشرق الأوسط دون حلول جذرية.. في أفق الشرق الأوسط سباق سياسي يستهدف التجديد وطرح البدائل الممكنة، ولكنه يواجه الكثير من التحديات، ومع ذلك فهذا السباق يسعى بقوة لتتشكل معالمه قبل ان يتحدد عصر مختلف من النظام الدولي المتصارع والذي سوف يجلب معه مفاهيم مختلفة يصعب التنبؤ بمنتجاتها، التفسير الأميركي للنظام العالمي الجديد يقوم على أن العالم يتجه نحو الانقسام الى عالم جيد وآخر غير جيد، بحسب الرؤية والتفسيرات الأميركية التي تقول ان هناك دولا مصممة على تغيير المبادئ الأساسية للنظام الدولي. الاتهامات الأميركية للنظام الدولي الجديد الذي ترغب به القوى الكبرى في العالم مثل الصين وروسيا يقوم على ان هذه الدول لديها الرغبة في تأكيد النفوذ الداخل والخارجي والتوسع، والحقيقة ان السؤال الجوهري الذي يمكن طرحه يدور حول فاعلية النظام الأميركي في العالم على اعتبار انه مازال القطب الاكثر فاعلية، ولكن ازمة الشرق الاوسط الاخيرة كشفت أن أميركا قلقة جدا من امكانية ولادة نظام دولي يمكنه المساهمة في تغيير الرؤية الدولية لمنطقة الشرق الاوسط كواحدة من اهم مناطق العالم، فالدعم الأميركي لإسرائيل في حرب غزة والحرب على لبنان سوف يجعل من الصعب على ترمب استئناف السياسات التي حاول تنفيذها في فترته الأولى. مهما كان شكل الانتصار الذي حققه ترمب في العودة الى البيت الابيض فلابد من استحضار الفكرة الفكرة الرئيسة حول ترمب الذي يأتي من خلفية تجارية وليست سياسية وهو اليوم بحاجة الى خبرات سياسية اكثر من اي وقت مضى، ولكنه لا يملكها ولن يحصل على تلك الخبرات لمجرد كونه اصبح رئيسا لأميركا، لذلك ستكون فترة ترمب القادمة تسويقا متعمدا لشعاره السياسي -جعل أميركا عظيمة مرة أخرى- ومع ذلك فسوف نشهد التحديات التي سوف يواجهها ترمب لتحويل هذه الافكار الى مكاسب سياسية. خلال الاربع السنوات الماضية كانت سياسة الديمقراطيين مرتبكة في تحديد الاتجاه الصحيح ولذلك كانت حرب اوكرانيا وروسيا التي دعمتها الادراة الأميركية بمليارات الدولارات، وبعدها بقليل كانت الفرصة قائمة امام اسرائيل لاستمثار هذا الاتجاه الأميركي بدعم الحروب الخارجية لتكون حرب غزة، لتحظى اسرائيل بنفس القدر من المساعدات العسكرية والمالية، وعندما يأتي ترمب مع بداية العام الجديد سيحاول ويضغط من اجل ايقاف الحروب وخاصة في الشرق الاوسط، ولكن السؤال الاهم يقول هل يمكن لترمب إيقاف الحرب في الشرق الاوسط دون سلام. هنا يأتي الدور السياسي السعودي والبحث عن السلام كفرصة يمكن لترمب ان يعتمد عليها لأنه عمليا لا توجد في الافق مشروعات سلام لأنه مات قديمها ولم يولد منها الجديد، وهنا تشكل الموقف السياسي السعودي في البحث عن المسار النهائي للسلام والمتمثل في حل الدولتين، وهو الفرصة الاكثر حيوية والتي سوف يكسب منها الشرق الاوسط الاستقرار وستكسب منها أميركا موقعا اكثر فاعلية في مسار النظام الدولي الذي سوف يتشكل وفق المنتجات الايجابية لأزمة الشرق الاوسط، عمليا الشرق الاوسط هو الاهم بالنسبة للقوى الدولية والقدرة على التعامل مع ازماته بالحلول الجذرية هي مفتاح السيطرة على النظام الدولي. عملياً فإن معطيات الواقع السياسي لا تفترض قدرة الرئيس ترمب على جلب السلام إلى الشرق الأوسط لمجرد ايقاف الحرب، لأن في ذلك مغامرة عالية النتائج بالنسبة لترمب ومعاكسة لشركائه من الاسرائيليين وداعميه من اليهود، لذلك يبقى الخيار السعودي في حل الدولتين مخرجا تاريخيا بالنسبة لترمب لتحسين واقع القضية الفلسطينة وخلق مسار سلام يؤدي الى حل الدولتين، فالدفع نحو حل الدولتين وجعله موضوعا دبلوماسيا مستقلا في ادراة ترمب سوف يخفف من الضغط عليه من قبل مؤيدي اسرائيل في ادارته، والسبب ان مسار الدولتين هو الضمان الوحيد الذي يمكن ان يحصل عليه ترمب لتحقيق مزيد من التواصل والتشارك مع حلفائه ومؤيديه في المنطقة. ترمب يمكنه التقاط فكرة حل الدولتين والبناء حولها كمنطلق استراتيجي لفترته الثانية، فالتجربة التي مرت بها القضية الفلسطينية خلال العام الماضي اثرت وبشكل سلبي على الصورة الأميركية في المنطقة والعالم، وما بروز الاتجاهات الدولية المضادة للسياسة الأميركية والاسرائيلية في حرب غزة سوى تعبير عن امكانية ازمة فعلية ستواجهها أميركا في المنطقة وفي إعادة شبكة علاقاتها في المنطقة وكسب ثقة شركائها، فإذا كان الرئيس ترمب يسعى الى خلق رؤية مشتركة للعالم مع حلفائه فقد يتيعن عليه الاستفادة من الاستراتيجية السعودية حول القضية الفلسطينية وتحقيق حل الدولتين، لأن الخيار الآخر هو استمرار الأزمة وتوسيع المجال لمنافسي أميركا لتقويض قدراتها الدولية عبر إغراقها بقضايا الشرق الأوسط دون حلول جذرية.