تنبَّه أكراد تركيا سريعاً الى أهميّة أن يكون الكفاح المسلَّح مصحوباً ومدعوماً بحضور سياسي كردي فاعل في الحياة السِّياسيَّة، ضمن المؤسَّسات التُّركيَّة، بخاصَّة التَّشريعيَّة. فبادروا الى تأسيس حزب العمل الشَّعبي HEP سنة 1991، الذي تمكَّن من إيصال 20 عضواً إلى البرلمان في انتخابات 1991، عبر التَّحالف مع حزب الشَّعب الدِّيموقراطي الاشتراكي SHP، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق أردال إينونو. ثمَّ انفضَّ التَّحالف المذكور بين الحزب الكردي وحزب إينونو، وبقي نائبان كرديان معه، وال 18 نائبا الباقون، استمرُّوا على توجّههم السَّابق، ضمنهم، ليلى زانا، التي أدَّت القَسَم في أول جلسة للبرلمان التُّركي باللغة الكردية، ما أحدث ضجَّة وصدمة كبرى في الأوساط التُّركية، بخاصَّة منها المتطرفة. وسرعان ما أغلقت المحكمة الدَّستوريَّة التُّركيَّة الحزب الكردي، بحجَّة"ثبوت لقاء أعضائه بعبد الله أوجلان في دمشق، وأنه امتداد للعمال الكردستاني ويدعو إلى أفكار انفصاليَّة". فبادر النُّواب الأكراد، مع بعض النُّخب السِّياسيَّة والثَّقافيَّة الكرديَّة إلى تأسيس حزب كردي جديد سنة 1993، حمل اسم"حزب العمل الدِّيموقراطي"DEP. لكن، لم تتوقَّف الدَّعاوى والملاحقات بحق النوَّاب الأكراد، وتمَّ زجّ أربعة منهم في السِّجون سنة 1994 لمدة 10 أعوام، بينهم ليلى زانا، فيما فرَّ الباقون الى خارج تركيا. كما حظرت المحكمة الدَّستوريَّة الحزب الكردي الجديد، بتهمة"أنه امتداد للحزب السَّابق". وفي 1995 قام مراد بوزلاك بتأسيس حزب ديموقراطية الشَعب HADEP، وخاض انتخابات 1995 و1999. لكن السُّلطات والمحاكم نظرت إلى هذا الحزب بعين الشَّك، واعتبرته الجناح السِّياسي للعمال الكردستاني. وقبل أن تصدر المحكمة الدَّستوريَّة قرارها في الدَّعوى المرفوعة بحق هذا الحزب، اتَّجهت قيادة حزب ديموقراطيَّة الشَّعب إلى تفعيل حزب آخر، تمَّ تأسيسه عام 1997، هو حزب الشَّعب الديموقراطي DEHAP. وبعد أن تزايدت الضُّغوط على هذا الحزب، أعلن حلَّ نفسه، منتصف العام المنصرم، والاتجاه نحو تأسيس حزب جديد، حمل اسم"حزب المجتمع الدِّيموقراطي"DTP، برئاسة مشتركة بين آيسل طوغلوك، وهي محامية، كانت في فريق الدَّفاع عن الزَّعيم الكردي أوجلان، وأحمد ترك، وهو نائب كردي سابق. ورغم اكتساح الحزب الكردي للأحزاب التُّركيَّة في المناطق الكرديَّة جنوب شرق البلاد، إلاَّ أنه لم يستطع اجتياز حاجز ال10 في المئة الذي ينبغي له تجاوزه كي يوصل نوَّابه للبرلمان. بذا، ذهبت مقاعده للأحزاب التُّركيَّة التي تلي الحزب الكردي في الأصوات، كونها تجاوزت الحاجز الانتخابي. ففي انتخابات 1995 حصل الحزب الكردي على نسبة 4،5 من إجمالي الأصوات، وفي انتخابات 1999 حصل على 6،4. وفي انتخابات 2002 حصل على 6،7. ويعزو رئيس تحرير جريدة"آزاديا ولات"الكرديَّة الصَّادرة في آمد/دياربكر، طيب تامل، هذا الأمر الى جملة من الأسباب، منها:"الطَّابع العشائري الغالب على المجتمع الكردي في كردستان تركيا. ومعلوم أن زعماء العشائر يسندون ظهرهم للدولة. لذا، فهم ينتمون للأحزاب التُّركيَّة. وبذلك، يلعب زعيم العشيرة دوراً كبيراً في ذهاب أصوات عشيرته لهذه الأحزاب. سبب آخر يؤثِّر سلباً على ذهاب الأصوات الكرديَّة للأحزاب التُّركيَّة، هو الطَّبيعة الدِّينية المحافظة للمجتمع الكردي، ما يؤمِّن أصواتا كثيرة للأحزاب الإسلاميَّة التُّركيَّة، والعدالة والتنمية نموذجاً، على حساب الأحزاب الكرديَّة. أمَّا الأكراد العلويون، وللأسف، فيصوِّتون لحزب الشَّعب الجمهوري التُّركي، نتيجة حملات الصَّهر القومي التي مورِست بحقهم على مدى عقود. ناهيكم عن حملات القمع والضَّغط التي يمارسها الجيش بحق الشَّعب الكردي، وإجباره على عدم التَّصويت لمرشَّحيه الأكراد". وتفادياً لحاجز ال10 في المئة، قرَّر أكراد تركيا أن يدخلوا المعترك الانتخابي ، كمستقلِّين، ضمن قائمة موسومة ب"آلاف الأمنيات"، مدعومة من حزب المجتمع الديموقراطي/الكردي. وضمُّت هذه القائمة 64 مرشَّحاً كرديَّاً مستقلاً، بينهم 11 إمرأة. "مهلاً أنقرة: الأكراد قادمون إليك"هذا ما كانت تهتف به الجموع الكردية الحاشدة المحتفية بوصول البرلمانيين الكرد المستقلين، المنضوين ضمن قائمة"آلاف الأمنيات"، فور إعلان النتائج الأولية للإنتخابات. فرغم كل المضايقات والعراقيل التي وضعتها السلطات التركية للحؤل دون وصولهم للبرلمان، استطاع الاكراد ايصال 23 نائبا من بينهم 9 نساء، وأتت نتائج الانتخابات التي شهدتها تركيا منسجمة ومتناغمة مع استطلاعات الرأي التي كانت تشير إلى اكتساح العدالة والتنمية للاحزاب العلمانية والقومية المدعومة من مؤسسة الجيش، فضلاً عن أن تلك الاستطلاعات كانت تشير إلى حتمية وصول الاكراد للبرلمان. ومعلوم بان وسائل الاعلام التركية ما زالت منهمكة في تحليل نتائج هذه الانتخابات التي اعتبرها البعض تحطيما لكبرياء القوى التقليدية في تركيا ودعما لسياسات رجب طيب اردوغان في مواجهة ضغوط العسكر، ومتنفساً أو خطوة في اتجاه حل القضية الكردية في تركيا. وهذا ما اعلنت عنه منظمة اتحاد صناعيي وتجار تركيا"توسياد"في تعليقها على الوصول الكردي للبرلمان"بأنها خطوة هامة لمناقشة القضية الكردية في تركيا تحت قبة البرلمان بدلاً من أن تبقى هذه القضية رهن القرار العسكري". * كاتب كردي.