في كل تناول له للشَّأن الكردي عموماً، وفي تركيا خصوصاً، عوَّدنا الكاتب نزار آغري، على نفسٍ معيَّن من التَّعاطي مع قضية حزب العمال الكردستاني وزعيمه السَّيّد عبدالله أوجلان، المعتقل في جزيرة إمرالي منذ 1999، قِوامه التَّشويه والتَّشويش، عبر ذِكر أنصاف الحقائق، في سياق توظيف"تحليلي"، أقلُّ ما يقال فيه: إنه مضلِّل، لا يتوخَّى الإنصاف. وآخر ما أتحفنا به آغري، ما نشرته جريدة"الحياة"في 26/6/2007، تحت عنوان:"الصراع التركي الكردي: عود على بدء... أوجلان يوصي الاكراد بالانضواء ضمن الدول القائمة". ومن الأهمية بمكان هنا، التَّعقيب على بعض ما طوى آغري مقاله عليه من آراء، لتسليط الضَّوء على بعض ما يجهله أو يتجاهله كاتبنا العزيز. يفاتحنا آغري بالقول:"عاد الصراع بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني إلى الواجهة في الفترة الأخيرة بعد أن تراجع وكاد يختفي إثر اعتقال زعيم الحزب عبدالله أوجلان عام 1999". وهذا الرأي قاصر، بحيث لا يضع المعلومة في سياقها الطَّبيعي والتَّاريخي. فالصراع الكردي - التركي لم يتراجع ولا كاد يختفي في تركيا، بعد اعتقال أوجلان، بل ان المظاهر المسلحة من قبل الحزب الكردستاني تراجعت، كونه أعلن عدَّة مرات هدنة لفتح الباب أمام الحوار والحلول السِلمية للقضية الكردية في تركيا. لكن الجيش التركي لم يتجاوب، بل استمرَّ على نهجه الدموي في معاجلة الملف الكردي. يشير آغري إلى"المرونة"التي أبدتها السُّلطات التركية حيال أكراد تركيا ذاكراً:"تحسنت إلى حد ما معاملة الحكومة التركية للأكراد. فقد رُفع الحظر عن اللغة الكردية، كما صار في وسع الأكراد الدخول إلى البرلمان، وتنشط أحزاب كردية تتمتع بالشرعية". نعم، رفع الحظر عن اللغة الكردية، لكن، يمنع على كل من يبدأ اسمه بحرف W، تسجيله في السجلات الرَّسمية إلا بعد تحوليه إلى حرف V، بحسب الأبجدية التركية، علاوة على منع تدريس اللغة الكردية حتى في المدارس الخاصَّة، أمَّا المعاهد الخاصَّة التي تقيم دورات تعليمية، فيُضيَّق الخناق عليها. أمَّا عن دخول البرلمان، فهل يجهل آغري كيف زجَّت السلطات التركية بالبرلمانيين الأكراد، وعلى رأسهم المناضلة الكردية ليلى زانا، لمدة 10 أعوام منذ 1994 وحتى 2004 في غياهب السجون، بتهمة علاقتهم بالعمال الكردستاني!؟. ثم ان حاجز ال 10 في المئة، الموجود في قانون الانتخابات التركية، موجود لعرقلة دخول الأحزاب الكردية للبرلمان، وهذا ما اعترف به قائد الانقلاب العسكري سنة 1980، والرئيس التركي الأسبق كنعان إيفرين، ويتجاهله آغري. وأمَّا عن السَّماح للأحزاب الكردية النشاط في تركيا، فهذا ما تفنِّده معطيات الأمس القريب. هل نسي السيد آغري كيف تمَّ حظر حزب العمل الشعبي"HEP"والحزب الديموقراطي الشَّعبي"DEP"وحزب ديموقراطية الشَّعب"HADEP"والحزب الديمقراطي"DAHEP"، بنفس التَّهمة، وهي العلاقة مع العمال الكردستاني!؟. فمنذ 1992 وحتى 2005 تمَّ حظر اربعة أحزاب كردية على التَّوالي، وحالياً يتمُّ تضييق الخناق على حزب المجتمع الدِيموقراطي، ويجري اعتقال قياداته، واقامة دعاوى ضدَّهم بتهمة"تعظيم شخص متهم"، لمجرَّد إرفاقهم اسم أوجلان بكلمة"السيد"، تحجيماً لمشاركة هذا الحزب في الاستحقاق النيابي المزمع في 22 تموز يوليو المقبل. ويذكر كاتبنا:"ويكرر زعيم الحزب من سجنه في جزيرة إيمرالي استعداده لإقناع رفاقه بالتخلي عن السلاح والدخول في كنف الدولة التركية إذا ما صدر عفو عام عنهم وعنه". وهذا كلام لا يمتُّ الى الحقيقة بشيء. فأوجلان يطرح على الأتراك جملة من الشروط، بغية إيجاد حل للقضية الكردية، أولها إصدار عفوٍ عام، وضمان الحقوق الثَّقافية والسِّياسية الكردية دستورياً، ضمن دولة وطنية ديموقراطية حقيقية في تركيا. وهذا ما يعلمه الأكراد قبل الأتراك، ويتجاهله آغري. ولو كان يحصر حل القضية الكردية في"عفو عام عنه وعن رفاقه"، لفعلها الأتراك، وأنهوا صراعاً يكلِّفهم أكثر من 7 مليار دولار سنوياً خسائر مادية، فضلاً عن الخسائر البشرية. يقول آغري:"وأقصى ما يصبو إليه أنصاره الآن هو تحسين شروط اعتقاله وصولاً إلى إطلاق سراحه". وهذا ضرب من الافتراء على الواقع، وتشويش على الوقائع. ولا يأتي استثمار العمال الكردستاني لمحنة زعيمه المعتقل، سياسياً وإعلامياً، إلا من باب تدويل القضية الكردية، خاصَّة أوروبياً، وصولاً لخلق مناخ سياسي دولي ضاغط على تركيا، لدفعها باتِّجاه حل سلمي ينهي نزيف الدم الكردي - التركي. وينبغي على الأكراد في كل مكان أن يتضامنوا مع أوجلان، مهما كانوا مختلفين أو متباينين معه في الرَّأي. والسؤال المطروح هنا: لو كان طالباني أو بارزاني معتقلاً لدى النِّظام العراقي السَّابق، هل كان آغري سيتعاطى معهما بمثل ما يتعاطى مع أوجلان؟!. ويشير آغري و"نقلاً"عن موقع الحزب الكردستاني:"يصر أوجلان على أنه ينبذ النزوع القومي الكردي ويسعى للحفاظ على وحدة تركيا. بل إنه ينتقد الساسة الأتراك لأنهم ساعدوا جلال طالباني ومسعود بارزاني وأن مساعدتهم تلك أدت إلى قيام دولة شبه مستقلة في كردستان العراق، الأمر الذي يشكل في رأيه خطراً على الأمن التركي". بالعودة إلى كتب وبيانات أوجلان، عقب اعتقاله، يلاحظ المرء أن الرجل تخلَّى عن شعار الدولة القومية، وتبنَّى طرح الدولة الوطنية الديموقراطية كنموذج لحل القضية الكردية في كل من تركياوالعراق وإيران وسورية. وهذا لا يعني أنه ضد النزوع القومي الكردي، بل لا يخفي أوجلان أنه ضد القوموية التركية والكردية، وان الأخيرة هي نتيجة للأولى. ثم ان أوجلان عندما يشير إلى دعم تركيا للأحزاب الكردية في العراق، وهذا ما جاهر وفاخر به الاتحاد الوطني الكردستاني، أكثر من مرَّة، على لسان زعيمه جلال طالباني. وآخر حلقات التعاون والتنسيق المشترك فضيحة اجتماع"معهد هادسون"في واشنطن يوم 13/6/2007، حين اجتمع نجل طالباني، وممثل حكومة إقليم كردستان العراق، بضبَّاط كبار من الأركان والمخابرات التركية، لوضع سيناريو مرعب ورهيب يستهدف العمال الكردستاني. هذه الفضيحة التي طبّل لها الإعلام التركي منذ 17/6/2007، لا زالت فصولها تُكشف تباعاً. ومما لا شك فيه أن تصريحات أوجلان حول مقارنه إقليم كردستان العراق بإسرائيل، ليست في محلها، وهي مثار انتقاد كردي. وصحيح أن الكثير من آراء أوجلان مثار اختلاف وتباين وأخذٍ وردّ، إلا أنه يجب على المثقف الكردي أن لا يكون انتقائياً، ويبادر إلى انتقاد تورُّط الاتحاد الوطني الكردستاني مع الأتراك في سيناريوهات تصفية العمال الكردستاني. ويقتبس آغري شيئاً ينسبه الى أوجلان:"الحل الذي أرتئيه هو الآتي: حصول الأكراد على حقوقهم الثقافية في كل دولة يعيشون فيها من دون المساس بحدود تلك الدولة وبالشكل الذي يعزز الوحدة الوطنية. يجب أن يتمكنوا من التعبير عن أنفسهم بواسطة ثقافتهم ولغتهم، كما تجب إزالة المعوقات التي تسد طريق تنظيمهم سياسياً، وهذا الحل ليس لأجل الأكراد وحدهم، بل يمكن تطبيقه في كل الشرق الأوسط والبلقان". وهذا الرّأي، يفنِّد ما طرحه آغري حول"الحد الأقصى"لمطالب أوجلان وحزبه. يقول السيد آغري:"وتقاعس الحكومة العراقية وكذلك حكومة إقليم كردستان العراق في طرد هؤلاء المقاتلين هو إخلال واضح بالاتفاقات الدولية التي تدعو إلى احترام الحدود وسيادة الدُّول الأخرى". بالله عليكم، هل ينحرف هذا الرَّأي قيد أنملة عن الآراء التَّصعيدية القوموية التركية التي تعجُّ بها الصَّحافة التركية، معطية المُبرِّرَ ذاته الذي يعطيه آغري، دفعاً باتجاه غزو كردستان العراق!؟. هل يجهل آغري، ومن موقعه كمثقف و"متابع"للشأن الكردي في تركيا، حجم اتساع رقعة الاشتباكات بين مقاتلي العمال الكردستاني والجيش التركي، وشمولها كافة أراضي كردستان تركيا، رغم عشرات الآلاف من الجنود المحتشدين على الحدود العراقية - التركية، ما يعني أن الهجمات لا تأتيهم من كردستان العراق، رغم تواجد بعض قيادات الكردستاني في المناطق الحدودية الوعرة؟. وهل يجهل أي متابع للشأن الكردي والتركي أن الأطماع التركية في كردستان العراق، متجاوزة لحجَّة تصفية الكردستاني، وان ثمة أجندة معروفة تقف وراء التَّهديدات التركية بغزو كردستان العراق؟. أولا يسأل آغري نفسه في ما لو امتثلت قيادات كردستان العراق ل"رأيه السَّديد"، هل ستتوقف الاطماع التركية عند"طرد"عناصر العمال الكردستاني..؟. * كاتب كردي سوري.