تواجه دول العالم الإرهاب أو التهديد به باستنفار أجهزتها الأمنية ومؤسساتها كافة، فالأبيض مثلاً يعني الهدوء، ثم تتدرج الألوان، وربما قلنا ان الأخضر دليل وجود خطر جزئي، والأزرق خطر محتمل، والأصفر خطر وشيك، وعادة ما يكون الأحمر أعلى مراتب الاستنفار ويعني خطراً داهماً توضع البلاد معه في حالة طوارئ. كيف تستنفر الدول العربية وهي مهددة دائماً وأبداً؟ إذا قام تهديد فإن الدول العربية تبدأ بالمرتبة الأولى وهي إنكار وجود تهديد، وإصرار كل دولة انها ليست مستهدفة، فالمرتبة الأولى"مش أنا". اما المرتبة الثانية من مواجهة الخطر فشعارها ان المسامح كريم، وهي بالتالي"سامحكم الله". ويقع المحظور ولا تملك الدول العربية رداً، فيكون شعار المرحلة الثالثة من الاستنفار"لا حول ولا قوة إلا بالله". وتتميز المرحلة الرابعة، أو قبل الأخيرة، برفع العلم الأبيض، أما أعلى مراحل الاستنفار فهي الاعتراف بإسرائيل. الوضع العربي محزن الى درجة انني قررت يوماً أن اطلّق القضية الفلسطينية ولبنان والعراق وكل مشكلة عربية، غير انني فهمت ان الإنسان لا يستطيع تطليق أهله، كما فعل الأخ العقيد يوماً، فعدت للتعامل مع الوضع العربي المحزن ببعض الشعر والسخرية، لأنني لا أملك حلولاً، ولا أحد يصغي إليّ اصلاً. هو وضع محزن الى درجة أنني أصبحت اقرأ عمود الوفيات في الصحف للتسرية عن نفسي. ربما كان الأمر ان القادة العرب الأشاوس يستحقون شعوباً أفضل من شعوبهم، لذلك أقترح عليهم إقالة هذه الشعوب، وانتخاب شعوب أخرى تقدرهم حق قدرهم. لا أريد من القارئ ان يبكي الأمة معي، فأنا كما قال الشاعر: ذهب البكاء بعبرتي حتى بكيت على البكاء وكنت رثيت بغداد شعراً، أي انني نقلت شعراً قيل في مصائبها السابقة، وبعضها أخف مما تواجه عاصمة الرشيد اليوم، وتلقيت تعليقات كثيرة، وزاد القراء على ما سجلت من قصائد وأبيات. اليوم كلنا بغداد، فأضيف الى ما سبق وصف معروف الرصافي رجال العراق سنة 1922 فقلوبهم اهواؤها شتّى، ضربهم الشقاق والخلاف، حتى أصبحت حالهم: فالجار ليس بآمن من جاره والخلّ ليس بواثق بخليله والدين فيه يقول ذو قرآنه قولاً يحاذر منه ذو انجيله وقد استبد قليله بكثيره ظلماً وذل كثيره لقليله هي حال العراق أمس واليوم، وللرصافي ايضاً: علم ودستور ومجلس أمة كل عن المعنى الصحيح محرف أسماء ليس لنا سوى ألفاظها أما معانيها فليست تعرف من يقرأ الدستور يعرف انه وفقاً لصك الاحتلال محرف هذا من إسهام القراء، أما من عندي فأضيف في زمن النحس قول الشاعر: وكان الصديق يزور الصديق لشرب المدام وعزف القيان فصار الصديق يزور الصديق لبث الهموم وشكوى الزمان لم نشرب المدام أو"المسيو"وأصابتنا حوادث الأيام، والمثل القديم يقول:"أتى عليهم ذو أتى"أي الذي أتى، وقد أتى علينا الإسرائيليون والأميركان، وراحت على العربان. لا ألوم الأجنبي، ولا أحمّله مسؤولية فشلي كمواطن، وفشل كل مواطن، وإنما أقول عن عرب آخر زمان ما قال الشعراء: عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى وصوّت إنسان فكدت أطير وأيضاً: إني لأفتح عيني حين أفتحها على كثير ولكن لا أرى أحدا ومثله: الناس بحر عميق والبعد عنهم سفينة الوضع العربي سيئ الى درجة ان الحلاقين وسائقي التاكسي لم يعودوا يعرفون الحلول، وإنما يكتفون بهز الرأس أسفاً. وأقدر ان بين القرّاء من يرفض ان نهبط الى درك اليأس، ويصر على ان نمضي في المقاومة، وأكاد أسمع بعضهم يقول مع ابن الوردي: لا تقل قد ذهبت أيامه كل من سار على الدرب وصل طبعاً من سار وصل، إلا ان مشكلة العرب أننا نسير في الاتجاه الخاطئ، ونبتعد عن الهدف بدل الاقتراب منه، وهذا ما يُعرف باسم"ديناميكية التخلف"أو الركض في الاتجاه المضاد. سأطرد اليأس، وأترك السخرية وأكتفي بشعر الغزل: ما أصبحت دنياي لي وطناً بل حيث دارك عندي الوطن إذا سمعت حلولاً لمشاكلنا. لا أجد حلاً مطروحاً للانقسام الفلسطيني الذي حقق لإسرائيل في يومين ما عجزت عن تحقيقه في 40 سنة من الاحتلال. وسأصدق ان هناك حلاً عندما يُقيل الفلسطينيون قادتهم الحاليين جميعاً، ويستبدلون بهم قادة يحبون بلدهم لا مناصب وهمية في دولة غير موجودة. كذلك أريد ان أرى مخرجاً من الأزمة اللبنانية، فما رأيت منذ سنة وأكثر هو إصرار كل فريق على موقفه، وتخوين كل فريق آخر، ما يعني ان الأزمة اليوم أسوأ مما كانت في بدايتها وأن كل الوساطات عجزت عن منع تدهور الوضع. اما العراق فجرح دام، وهناك حرب أهلية غير معلنة نحن مسؤولون عنها أزيدها على ما اقترف الأميركيون بحق العراق وشعبه، فكأنه لا يكفي، لذلك يريد العراقيون الإسهام في الجهد الأميركي لتخريب بلدهم. وكنت سأزيد دارفور والصومال والصحراء الغربية، غير انني لست خبيراً فيها. في مثل هذا الوضع كنا نقول"الموت راحة"، ولكن هل هو فعلاً. الشاعر يرى غير ذلك: فلو انّا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حيّ ولكنّا إذا متنا بعثنا ونُسأل بعد ذا عن كل شيء