على رغم أن الطبعة الأولى لرواية "بيرة في نادي البلياردو" للكاتب المصري وجيه غالي نشرت في العام 1964، فإنها لم تترجم إلى اللغة العربية إلا حديثاً. والترجمة التي صدرت عن"دار العالم الثالث"في القاهرة أنجزتها هناء نصير وراجعها وقدم لها ماهر شفيق فريد. وتعد"بيرة في نادي البلياردو"الرواية الوحيدة لصاحبها الذي ولد ونشأ في القاهرة قبل أن يتركها في آخر الخمسينات إلى إنكلترا حيث عمل في الصحافة. وهي أول رواية يكتبها مصري باللغة الإنكليزية، وترى الكاتبة أهداف سويف أنها"من أحسن الروايات المكتوبة عن مصر"في عهد عبدالناصر. وسبق أن كتب الناقد الراحل غالي شكري في كتابه"من الأرشيف السري للثقافة المصرية"الصادر عن دار الطليعة في بيروت عام 1975، عن الرواية وكاتبها الذي رأى أنه انتحر في العام 1969 لشعوره بالندم على سفره إلى إسرائيل، لإنجاز تحقيقات صحافية بتكليف من صحيفة"صنداي تايمز". لكن ديانا ايثيل صديقته التي كتبت سيرة حياته بعد رحيله في كتاب عنوانه"بعد جنازة"أكدت أنه عانى كثيراً من الفقر والتوتر، ووضح ذلك في مسودتين تركهما، وسجل فيهما وقائع حياته بدقة، وهي بالتالي أفصحت عنهما في كتابها الذي لم يترجم إلى العربية حتى الآن. وكانت الشاعرة المصرية إيمان مرسال شرعت في ترجمة رواية وجيه غالي بالاشتراك مع ريم الريس، ونشر فصل أنجزته المترجمتان، في جريدة"أخبار الأدب"القاهرية منتصف العام الماضي، ولكن يبدو أن مشروعهما لم يكتمل. وتحكي الرواية عن علاقة شاب مسيحي مصري يدعى"رام"بفتاة يهودية تدعى"إدنا"تكره العنصرية وتقاومها، لكنّ النظام الناصري أجبرها على الذهاب إلى إسرائيل، ليس إسرائيل فقط، بل الى أي بلد في العالم. ويرمز الراوي بذلك إلى الفعل الذي تعرضت له إدنا من خلال ضابط شرطة:"لم ضابط شرطة دموي حقير فعل بها هذا، ضابط نشط كريه ذو شارب حضر ليفتش بيتها مدعياً اللطف في البداية"مجرد روتين"، ربما أخبرها، مؤكد أخبره أحد أنها"يهودية"لكن... بم؟ سكينة أم زجاجة مكسورة؟". ويتساءل"رام"عن الندبة التي شوهت وجه"إدنا"فتجيبه بأنها ليست سكيناً ولا زجاجة مكسورة، بل إنه سوط، سوط قاس، نزل على وجهها فأحدث كل هذا التشوه. هذا السوط الذي جعله رام رمزاً للسلطة على طول الرواية، ومنتقداً بعد ذلك سلوك النظام المصري للدخول في حروب لا جدوى منها، ففي حواره مع إحدى شخصيات الرواية يقول"وإسرائيل... أيضاً تخيلي أن ثلث دخلنا ينفق على جيش يجهز لمحاربة مليوني يهودي بائس ارتكبت ضدهم جرائم بشعة أثناء الحرب الماضية"، ثم في أسى شديد"لا ياديدي... من الغباء أن نعيش في ظل دولة بوليسية دون التمتع بفوائد السيطرة". تكتظ الرواية بشخصيات عدة تتناوب على طرح الأوضاع الاجتماعية المصرية من جوانب مختلفة، هناك رام الشخصية الرئيسة، التي تتمتع بمزاج ساخر حاد، مزاج ينتقد - تقريباً - كل شيء، مع رفيق آخر هو"فونت"اليساري المسيحي الكاثوليكي، اشترك في حرب السويس ويشعر بتمزق الهوية بين مصريته وإنكليزيته، مصريته لأنه ولد في مصر، وعاش فيها، وحارب من أجل رفع علمها، وخاطر بحياته من أجلها، وإنكليزيته التي تعلمها في المدارس، ويتكلم بها مع أهله وأقاربه وأصحابه. رام وفونت اللذان سافرا على نفقة"إدنا"ابنة عائلة سيلفا، المشتتة ما بين جنوب أفريقيا وبلاد أخرى، هذان الشخصان، إضافة إلى شخصيات أخرى يطرحان عالماً واضح المعالم، حاد القسمات، يسمي الأشياء بأسمائها، من دون التخفي تحت أقنعة سياسية فرضتها أوضاع كثيراً ما ترنح تحتها الكاتب العربي، ودخل في أشكال روائية مقنعة، وكان التاريخ بأحداثه وشخصياته ملجأ طبيعياً لانتقاد الأوضاع، مثلما فعل جمال الغيطاني في روايته"الزيني بركات"أو سعد مكاوي في"السائرون نياماً". هنا لم يلجأ وجيه غالي إلى هذه الأقنعة، لأنه لم يحتج إلى ذلك، فعالج قضاياه، بعدما حطم السقوف الواطئة التي قهرت المبدعين العرب، وقدم وجهة نظر من خلال روايته الرائعة، قالباً الأوضاع من جديد، حول ثورة تموز يوليو، وحرب السويس، والعلاقات المسيحية ? المسيحية والصراع الاجتماعي الواضح والمستتر بين أبناء الطبقة"الارستقراطية"التي كان ينتمي الكاتب إليها، وفي الوقت نفسه يرفضها، بحكم انتمائه إلى إحدى المنظمات اليسارية الشيوعية في ذلك الوقت. إنها رواية تطرح الأسئلة مرة أخرى، ولكن هذه المرة بقسوة لم تعرفها الرواية المصرية من قبل.