عكست المداولات بين أركان المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل حول سبل مواجهة قذائف"القسام"الفلسطينية التي هطلت بغزارة في اليومين الأخيرين على جنوب إسرائيل حجم التخبط في ايجاد حل يكفل وقف هذه القذائف، وسط إقرار سياسيين وإعلاميين بارزين بأن ما من حل جدي سوى حل سياسي ترى إسرائيل الرسمية انه غير ممكن مع حركة"حماس". ووسط الجدل المتواصل حول جدوى او عدم جدوى عملية عسكرية واسعة النطاق للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة قال نائب وزير الدفاع افرايم سنيه للإذاعة العسكرية ان"عملية كهذه لن تقضي على الإرهاب"، مضيفاً أن الحل الوحيد الممكن هو مزيج من الحلول العسكرية والاقتصادية والسياسية. وكان رئيس الحكومة ايهود اولمرت الذي ترأس مساء أول من أمس جلسة أمنية بمشاركة أركان المؤسسة الأمنية ووزيري الدفاع والخارجية أعطى الضوء الأخضر للجيش ب"تصعيد محدود"على حركة"حماس"يشمل أساساً استئناف الطيران الحربي قصفه مواقع وقواعد وبنى تحتية للحركة وورشات لتصنيع القذائف واستهداف"ناشطين صغاراً"أي قادة ميدانيين للخلايا التي تنتج وتطلق صواريخ"القسام". وأفاد بيان صادر عن مكتب اولمرت ان الأخير يرى انه"لم يعد بوسع إسرائيل الاستمرار في سياسة ضبط النفس في وقت يتعرض مدنيون لإطلاق صواريخ، وعليه تقرر توجيه رد قاس على إطلاق الصواريخ". من جهته قال النائب الأول لرئيس الحكومة شمعون بيريز بعد لقائه رئيس وزراء استونيا اندروس انسيب في تالين إنه"يتعين علي إسرائيل مساعدة رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس في قتاله ضد الإرهابيين". وأضاف ان إسرائيل لن تتدخل في الاقتتال الفلسطيني الداخلي"لكن إذا طلب السيد عباس مساعدة معينة فسنوفرها". إلى ذلك، حرصت أوساط اولمرت على ان تسرب للإعلام ان إسرائيل لن تستهدف"في هذه المرحلة"القيادة السياسية للحركة. وأفادت الإذاعة العامة ان الجيش يعكف على إعداد"بنك الأهداف"ووضع لائحة بأسماء الناشطين المرشحين للاغتيال. وأفاد شهود عيان فلسطينيون ان طائرة إسرائيلية أطلقت صاروخاً باتجاه موقع للقوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية الفلسطينية شرق جباليا من دون وقوع إصابات. ونقلت"يديعوت أحرونوت"أمس عن جهات أمنية حذرت خلال جلسة المشاورات الأمنية من احتمال أن تصعّد حركة"حماس"وغيرها من"المنظمات الإرهابية"قصفها جنوب إسرائيل وأن تكون مدينة أشكلون عسقلان الهدف الثاني لها. وأضافت ان لدى هذه المنظمات صواريخ من طراز"غراد"يبلغ مداها 22 كلم قادرة على بلوغ"أشكلون". وبرأي الجهات الأمنية الإسرائيلية فإن حركة"حماس"تسعى من خلال تكثيف قصفها جنوب إسرائيل إلى جر إسرائيل إلى داخل القطاع لقناعتها بأن توغلاً كهذا سيوحد الفصائل الفلسطينية المتناحرة الآن، ضد إسرائيل. ووفقاً لجهات استخباراتية فإن الهجوم الذي تشنه"حماس"على إسرائيل هو نتيجة الاقتتال الفلسطيني الداخلي وأنه ليس حادثا عرضياً إنما تصعيد مقصود سيشتد في الأيام المقبلة. وقال مصدر سياسي ان"ثمة ثمناً ستدفعه إسرائيل في حال واصلت سياسة التحلي بضبط النفس سواء أمام الرأي العام المحلي أو أمام"حماس"التي ترى ضعف إسرائيل. وأضاف:"لكن من جهة ثانية منحت هذه السياسة إسرائيل شرعية دولية للقيام بخطوات متشددة ضد الفلسطينيين". وأطلقت وزارة الخارجية الاسرائيلية أمس حملة ديبلوماسية في أرجاء العالم لتسويد سمعة"حماس"من خلال التظاهر بأن إسرائيل ضحية وأنه لا يمكنها أن تجلس مكتوفة الأيدي إزاء تواصل سقوط الصواريخ. وتحمّل إسرائيل الحكومة الفلسطينية مسؤولية"التصعيد الإرهابي"لتضيف ان"هذه الحكومة التي تغذي الإرهاب هي نفسها التي تبحث عن شرعية دولية وعن دعم اقتصادي دولي". وقال مصدر في الخارجية ان الغرض من الحملة هو التمهيد لتأييد دولي لاحتمال قيام إسرائيل بعملية عسكرية واسعة في القطاع، ترى أوساط عسكرية أنها مسألة وقت. وكتب المراسل السياسي لصحيفة"يديعوت أحرونوت"شمعون شيفر ان اولمرت ما زال يميل إلى التحلي بضبط النفس في الرد على القصف الفلسطيني وأنه لن يكرر الخطأ الذي ارتكبه الصيف الماضي في شن الحرب الثانية على لبنان، مضيفاً ان رئيس الحكومة يلتزم حرفياً ما جاء في توصيات"لجنة فينوغراد"حول وجوب عدم التهور في الرد. وأضاف ان اولمرت أعطى تعليماته بأن يكون الرد قاسياً وشديداً،"لكن من دون كسر كل الأواني". وزاد ان قيود"لجنة فينوغراد"باتت تشل تفكير المستويين السياسي والعسكري وأنها أيضاً وراء قرار اولمرت عدم التعرض لقادة المستوى السياسي لحركة"حماس". وتابع ان اولمرت تفادى إقرار عملية برية واسعة لإدراكه ان سكان جنوب إسرائيل لن يحتملوا قصفاً فلسطينياً مكثفاً في حال توغلت إسرائيل في القطاع وأنه في غياب الغرف والملاجئ الآمنة فإن مثل هذا القصف قد يكبد إسرائيل مئات القتلى من المدنيين. وزاد المعلق المعروف بعلاقاته الوثيقة بمكتب اولمرت ان الأخير مدرك أيضاً لحجم الخسائر في أرواح الجنود التي قد يتكبدها الجيش في حال توغل إلى القطاع،"وعليه ما زال يفضل العض على النواجذ على المجازفة بأرواح الجنود". في غضون ذلك أخلى الجيش الإسرائيلي الآلاف من سكان بلدة سديروت ونقلهم إلى قواعد تابعة له وبعضهم إلى فنادق، وذلك بأمر من وزير الدفاع عمير بيرتس رغم معارضة اولمرت الذي اعتبر صور مغادرة سكان المدينة"جائزة لحركة حماس". وكان الثري الروسي الأصل أركادي غايدماك أخلى المئات من سكان المدينة على حسابه الخاص على غرار ما فعل سابقاً ما أثار حنق اولمرت الذي يدرك ان تدخل المليونير يعزز قناعة الإسرائيليين بأنه، أي اولمرت، ليس أهلاً لقيادة الدولة العبرية. وقال مقربون من أولمرت إن"بث صور في محطات التلفزة العربية تظهر سكان سديروت فزعين وهاربين أمام أنابيب معدنية متطايرة آتية من غزة تعود بالضرر المعنوي على إسرائيل".